تسببت سياسات حكومة بنيامين نتنياهو في خسارة دعم اليهود الأمريكيين، وذلك في أعقاب تشكيل ائتلاف يميني فاشي متطرف في دولة الاحتلال، صدم الإسرائيليين في الداخل واليهود في الخارج.
نحمان شاي وزير اليهود المغتربين السابق، والمتحدث الأسبق باسم جيش الاحتلال، كشف أنه "خلال زيارته الأولى واليتيمة في ولايته الحالية للولايات المتحدة، وبهدوء وسرية، عقد نتنياهو لقاء مع زعماء الجالية اليهودية هناك في مبنى القنصلية الإسرائيلية في نيويورك، ومن باب المقارنة، فقد عُقد لقاء مشابه قبل عامين بحضور رئيس الوزراء حينها نفتالي بينيت مع المئات من ممثلي الجالية، وفي قاعة مفتوحة، وتم بث الحدث مباشرة على شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة
"يديعوت أحرونوت"، وترجمته "عربي21" أن "لقاء نتنياهو تم كما لو كان مثل المغادرة القسرية، مع أنه تم رفض طلب عقد اجتماع مماثل مقدم من ذات الجالية في سان فرانسيسكو من قبل مكتبه، وتجنب حدثا كبيرا لأنه يخشى أن التجمعات الجماهيرية لا يمكن السيطرة عليها، وماذا سيحدث فيها، ما يعني أن التصدع في علاقات إسرائيل باليهود الأمريكيين وصل كامل ذروته، ولهذه الحقيقة معان استراتيجية عميقة، ليس فقط بالنسبة للشعب اليهودي، بل أيضا للمحور الحيوي للعلاقات الإسرائيلية الأمريكية".
وأشار إلى أن "هذا الواقع الصعب الجديد هو ثمرة عمليات طويلة الأمد على جانبي إسرائيل ومحيطها، فهي تتحرك نحو اليمين، والحكومة الحالية أحد مظاهر ذلك، مع أن
يهود أمريكا في غالبيتهم من يسار الوسط، ويصوتون للحزب الديمقراطي بنسبة 75 بالمئة، ويحملون قيما تقدمية ليبرالية، وعندما يقترح الوزراء وأعضاء الكنيست اليمينيون محو بلدة
فلسطينية، وتشجيع المستوطنات غير القانونية، وحماية الإرهابيين اليهود، فإنهم يخسرون اليهود الأمريكيين".
وأوضح أنه "بعد مرور قرابة العام على الحكومة الإسرائيلية الحالية، فإن المثير للدهشة أن نتنياهو، الذي يعرف الجالية اليهودية، وأهميتها جيدا، لم يستثمر إلا القليل جداً في رأب الصدع القائم معها، وبإلهام من سفيرها السابق لدى الولايات المتحدة، رون دريمر، فضلت دولة الاحتلال دعم المجتمع الإنجيلي وسلطته السياسية كبديل عن اليهود الأمريكيين، وكان هذا خطأ تاريخيا، لأنه لا يوجد بديل عن العلاقة الطويلة الأمد معهم، ورغم أنهم أقل من 2 بالمئة من الأمريكيين، لكنهم يتمتعون بنفوذ ومكانة وسلطة استثنائية في الإدارة والمجتمع والمالية والثقافة ووسائل الإعلام، ويُحسب لهم أنهم يمتنعون عن التحدث علنا ضد نتنياهو".
وأشار إلى أنه "رغم هذا التصدع في العلاقة، فلم ينضم سوى عدد قليل من اليهود الأمريكيين للمظاهرات الإسرائيلية في نيويورك، لكن الاحتجاج الصامت اتسع في الآونة الأخيرة، فهم يرسلون الرسائل ويسلمونها، وفي ظل مستوى منخفض من الاهتمام العام، كان نتنياهو محقا في خوفه من الاجتماع، وكما حدث له مؤخرا خلال زياراته لإيطاليا وفرنسا وإنجلترا، فقد كان يعلم أن هذه مرحلة طوفان من الخلافات في الرأي، وإبراز الاحتجاج على الانقلاب القانوني، ومعاملة الفلسطينيين والمناهضين للأجندة اليمينية لحكومته".
وختم بالقول إن "رؤساء الوزراء الإسرائيليين يأتون ويذهبون، ولكن يفترض أن يستمر الارتباط مع اليهود حول العالم، وفي هذه الأثناء يتراكم الضرر، وسينتشر على المدى الطويل، حتى وصل هذا الفساد إلى لمستقبل، وفي الوقت الذي يحاول فيه نتنياهو الترويج بقيادة الولايات المتحدة لترتيبات التطبيع مع السعودية، فإن ذلك يتطلب دعم ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ بعدد 67 من أعضائه المائة، عبر اتفاق واسع من الحزبين، ويشمل كل الديمقراطيين، لكن الاتصال بهم يمر عبر الجالية اليهودية ونشطائها".
موران أزولاي خبيرة الشؤون الحزبية بصحيفة "
يديعوت أحرونوت"، أكد أن "الاحتجاجات المتصاعدة من الإسرائيليين ضد الانقلاب القانوني دفعت نتنياهو لاتهام اليهود المحتجين بالعمل لصالح أجندات معادية، ما أدى لإشعال النار بين المعسكرات السياسية التي باتت تتشكل وتشتعل في الأشهر العشرة الأخيرة بشكل خاص، وفي العقود الأخيرة بشكل عام، واليوم تركزت الضجة بشكل أساسي حول الانقلاب القانوني، ثم انتقلت لمسألة الإعفاء من التجنيد، والآن إلى الحرب الدينية".
وأضافت في مقال ترجمته "عربي21" أنه "في تزامن متوقع، قفز السياسيون من جانبي المتراس على عجلة القيادة، وهناك من حاول المشي بين القاطرات، وهم لم ولن يساهموا بشيء في تهدئة النفوس، بل ساهموا بوصول الإسرائيليين واليهود لما يمكن تسميتها "الحرب بين الأشقاء" من النوع المذكور في الأشهر الأخيرة، ووصلت هذه المرة إلى حقيقة العنف، وتورط الشرطة، مع خلفية متفجرة للأحداث، ومع مرور يوم الغفران، وتدفق الصور من وسط تل أبيب، عاد قدامى النظام السياسي بالزمن إلى التسعينيات عندما أبحر نتنياهو في استراتيجيته السياسية، وأصبح اليهود بقصد أو بغير قصد خارطة الطريق التي تشكل الدولة في 2023".
وأشارت إلى "شعار "بيبي جيد لليهود" الذي بدأ به عهده السياسي، لكنه أطلق أول أمس تغريدة حادة وصف المحتجين فيها بأنهم "يساريون يهاجمون اليهود"، وهذا يعني أن اليساري ليس يهوديا، وهذه معركة متعمدة لإطلاق النار على اليهود، مع العلم أن المحتجين هناك من بينهم يمينيون لا يرضون بالاتجاهات التي تسير فيها الحكومة، بل هم تقليديون أبا عن جد، ليس أمامهم خيار سوى الانحياز لليمين المسمى "المعسكر اليهودي".
وتتقاطع هذه الأحداث اللافتة مع نتائج آخر استطلاع أمريكي كشف أن غالبية يهود أمريكا لا يريدون استخدام المساعدة الأمريكية المقدمة لدولة الاحتلال لتقوية المستوطنات غير الشرعية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بينما تؤيد غالبية مماثلة حل الدولتين لحل الصراع مع الفلسطينيين، ما شكل مفاجأة لليمين الإسرائيلي في دولة الاحتلال ذاتها، وطالب 76% بوقف التوسع الاستيطاني، فيما احتلت إسرائيل المرتبة العاشرة من بين 14 موضوعًا تم عرضها على المستطلعين من حيث أهميتها بالنسبة لليهود.