مع مرور الوقت يتكشف حجم الهشاشة التي تحيط بالائتلاف اليميني الحاكم في دولة الاحتلال، ودرجة العبء التي يشكلها أقطابه على رئيسه
بنيامين نتنياهو، فضلا عن المستويين الأمني والعسكري، اللذين لا يخفيان انزعاجهما من هذه التركيبة الفاشية، لأنها تربك المخططات الاحتلالية، وقد تمثلت آخر مظاهر الانزعاج في تغييب عدد من الوزراء عن الاجتماعات الاستخبارية والعسكرية الخاصة، بسبب خشية أقطاب الدولة من تسريباتهم و"ثرثراتهم"، أو دخولهم في مواجهات مع كبار الجنرالات المحيطين برئيس الحكومة.
يوفال كارني مراسل صحيفة "
يديعوت أحرونوت"، أكد أن "مصالحة جرت بين بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة ووزيره للأمن القومي إيتمار
بن غفير بعد ساعات قليلة من إعلان استبعاده من جلسة أمنية، حيث أدرك نتنياهو حجم الأزمة بينهما، ولذلك حصلت محاولات لنزع فتيل التوتر من خلال دعوة بن غفير لاجتماع شخصي على انفراد مع نتنياهو في فندق بقيسارية المجاور لمنزله، وانضمام كبار في الليكود لاسترضاء بن غفير، وزعموا أنه بدونه لن يكون لنتنياهو حكومة، واستمر اللقاء بين الاثنين عدة ساعات، بهدف إنهاء الأزمة بينهما".
وأضاف في تقرير ترجمته "عربي21" أن "الأزمة بدأت على خلفية مطالب الوزير بشأن أحكام سجن الأسرى
الفلسطينيين، حيث تم استبعاده من المناقشات الأمنية، وقد أجرى نتنياهو مشاورات على خلفية الوضع الأمني دون بن غفير، وسُمعت انتقادات حادة تجاهه في الغرف المغلقة، وهاجمه وزراء ومسؤولون كبار من حزب الليكود، ووصفوه بأنه يمثل عبئاً على الحكومة، لكن نتنياهو يريد إنهاء المواجهة معه، قبل افتتاح الدورة الشتوية للكنيست، لتجنب سيناريو يؤدي فيه لعدم المشاركة في التصويت ما سيؤدي إلى تعطيل أنشطة الائتلاف الحكومي، والإضرار به".
موران أزولاي ومائير ترجمان مراسلا صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أكدا "المعلومات التي تحدثت عن تغييب متعمد لبعض الوزراء، وعلى رأسهم إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي، المتهم بانتهاك خصوصيات المداولات الأمنية الحساسة، وبالتالي فإنه لم تتم دعوته لمناقشة أمنية مرة أخرى، وهي ليست المرة الأولى التي يتجاهله فيها نتنياهو بشكل مباشر، فقد تم استبعاده من قرارات العدوان الأخير على غزة، والعملية العسكرية في جنين، اللتين قادهما نتنياهو مع كبار أعضاء المؤسسة الأمنية، بمن فيهم وزير الحرب يوآف غالانت، الذي دخل في مواجهة مع بن غفير أكثر من مرة في مثل هذه المناقشات".
وأضافا في تقرير ترجمته "عربي21" أن "البيئة المحيطة بنتنياهو فسّرت سبب عدم دعوة بن غفير بأنه يتدخل في قرارات رئيس الوزراء، خاصة في النقاشات التي تتناول الساحات المختلفة المحيطة بإسرائيل، وتركيز حديثها على إيران، الأمر الذي يتسبب بخلق صراع بين رئيس الوزراء والوزير، ما يشير إلى أزمة بينهما، رغم أنه إجراء حقيقي يدلّ على انعدام الثقة الحقيقي بينهما، ولذلك فإنه لم تتم دعوته في العديد من الاجتماعات، لأنه تم اتهامه أكثر من مرة بتقديم مقترحات "شعبوية"، ودخل في مواجهة مع غالانت على خلفية ردود الجيش على العمليات الفدائية في الضفة الغربية".
وضربا على ذلك مثالا أن "بن غفير مستبعد تماما من القرارات التي اتخذت قبل الضربة الافتتاحية لعملية "الدرع والسهم" ضد الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، وفي الأيام التي سبقت العملية، لم يجتمع مجلس الوزراء، بل تم اتخاذ قرار بشنّ عملية عسكرية كبيرة نسبياً بموافقة رئيس الحكومة الذي قوبل بهجوم من بعض وزرائه لضعف الاستجابة لمطالبهم، وعند اتخاذ قراره بشنّ ذلك العدوان سارعوا لتهنئته، رغم عدم مشاركتهم المعلومات الخاصة".
وأوضحا أن "بن غفير مستبعد من أي معلومات حساسة، خوفا من تسريبها، وتعرض العملية للخطر، مع أن الضربة الأولى جاءت بعد أن قاطع حزبه "العصبة اليهودية" التصويت في الكنيست، وبعد مرور شهر، تم استبعاده من جديد من تقييمات الوضع الأمني قبيل عملية عسكرية في مخيم جنين، حيث عقد نتنياهو جلسة نقاش في القيادة الوسطى للجيش، وأثيرت فيها إمكانية تنفيذ عملية واسعة النطاق في جنين، وهو القرار الذي اعتبر ساخنا جدا في تلك الأيام. وبعد أسبوعين، أطلق الجيش عملية "المنزل والحديقة" في المخيم التي شهدت مطالبات من بن غفير ورفاقه بتنفيذ عملية واسعة النطاق، تتضمن قصفاً للمباني في الضفة الغربية".
ونقلا عن "كبار المسؤولين الحكوميين قولهم إننا لا نتصرف من "القناة الهضمية"، فهناك اعتبارات سياسية دولية، وعنصر المفاجأة مهم أيضاً، ومطالبات بن غفير ورفاقه بعدم جلب العمال من غزة، وإغلاقات مختلفة على جميع أنواع القرى والمدن في الضفة الغربية، سياسة لا يستطيع رئيس الوزراء السفر بها لأي مكان، وبالتأكيد فإنه لن يحظى بحفلات استقبال حول العالم، حتى إن مسؤولا في حزب الليكود اعتبر الاجتماعات الأمنية التي يحضرها بن غفير تبدو كأنها لعبة أطفال".
المسؤولون في مكتب بن غفير ردّوا على استبعاده من الاجتماعات الأمنية بقولهم إن "الوزير سيستمر في التعبير عن آرائه، والسعي لتطبيق السياسة اليمينية الكاملة، حتى لو لم تتم دعوته لحضور تلك اللقاءات، وفي كل لقاء سيدعى إليه سيبدي رأيه المطالب بالعودة للاغتيالات، وإغلاق المدن والقرى، ووقف دخول العمال من غزة، وجعل شروط الأسرى في السجون أسوأ، وسيستمر في العمل لتحقيق هذه الغايات".
ليست المرة الأولى التي تعبر فيها الأوساط الإسرائيلية عن إحباطها من بن غفير ورفاقه في الحكومة، خاصة حين نفى حق الفلسطينيين بالتجول بحرية في الضفة الغربية المحتلة، ما تسبب في صدور ردود فعل دولية غاضبة أحرجت دولة الاحتلال التي سارعت لمحاولة ترميم الأضرار التي ألحقها بها.
كما أنها ليست الحالات وحدها التي لم تتم دعوة بن غفير إليها، ففي حالات أخرى، جاء للمناقشات الوزارية مع مطالب عنصرية لم يتم قبولها في النهاية، بل تم رفضها بشكل قاطع، وآخرها حين دعا لفرض قيود أكثر صرامة على الأسرى الفلسطينيين، لكن طلبه تم تأجيله لحاجته لمزيد من النقاش، الذي لن يعقد إلا بعد الأعياد اليهودية، ولذلك لم يبق صامتا، بل هاجم نتنياهو، وطالبه بالتوقف عن تقديم الأعذار، وبعد يوم واحد، أعلن حزبه أنه لم يعد ملتزما بانضباط الائتلاف، ما يؤكد أنه يشكل للحكومة ورئيسها صداعا مزمنا حقيقيا.