يجب أن نعيد قراءة المشهد الذي تتغير ملامحه قليلاً جداً بين الفينة
والأخرى في
مصر، تتغير بتلاحق أحداث بسيطة صغرى؛ على أن تستمر دهشة المتابع لا من
الأحداث التي تستحق الاستغراق في التأمل بل من فرط إعادة المشهد والتفاصيل واهتمام
السلطة ومقاوميها السلميين، وكأننا أمام أحداث حقيقية تؤدي لسياسية استثنائية من
بدء عمل جاد لنهضة أو حتى وقف النزيف المستمر للبلاد والشعب.
وهكذا يُؤذنُ المشهد المتكرر منذ نحو عشر سنوات بأننا كمصريين نمارس
باستمرار طقوس الجري بالمكان بامتياز، فيما يفترض جانب منهم أنهم يتقدمون صفوف
الأمم، ويتعامل الآخر على أنه يوشك أن يسقط الجانب الأول:
1- أزمة الحكم في مصر متأزمة وبلغت ذروتها 1798م بمجيء الحملة الفرنسية ثم
الإنجليزية الأولى، ولاحقاً استتباب الحكم للألباني محمد علي ومن ثم أسرته، وهو ما
يجب النظر إليه اجتماعياً ونفسياً قبل النظر سياسياً واقتصادياً عند دراسة الأحوال
التي جعلت المصريين يتركون أحوال الحكم الخاصة بهم لغيرهم؛ ويقبلون ألَّا يكونوا
فعّالين في عالم لا يحترم إلا الأقوياء، وإلا فأين
الثورة في 1952م؟ فقد تحرك
الجيش بمعونة خارجية وضوء أخضر واضح للاستيلاء على السلطة التي نال الملك الراحل
فاروق شرعيتها بناء على حكم آبائه دون موافقة المصريين أو كامل رضاهم!
يُؤذنُ المشهد المتكرر منذ نحو عشر سنوات بأننا كمصريين نمارس باستمرار طقوس الجري بالمكان بامتياز، فيما يفترض جانب منهم أنهم يتقدمون صفوف الأمم
2- مثّل الملك فاروق ذروة عقد انفراجة السياسية المصرية السابقة منذ نحو
قرن ونصف القرن واللاحقة لحوالي ثلاثة أرباع القرن ففي الحيز الزمني (1798- 2011م)،
بل حتى اليوم يكاد يكون الملك فاروق الحاكم الأفضل "المستمر" لمصر، فقد
رعى واقعاً سياسياً أقرب لليبرالية والتعددية لعقد ونصف العقد من الزمان بما لم
تره مصر من قبله أو من بعده، وواجه أعداء الأمة خاصة الأمريكيين ولم يكن على وئام تام
مع البريطانيين حتى همّوا بخلعه عام 1942م، وفي النهاية تجمع عليه الطرفان بمباركة
صهيونية حتى فقد عرشاً مثَّل أفضل حلقاته.
3- للأمانة لم تكن 1952م انقلاباً كما يحلو للبعض أن يقول ضمن طوفان الأحكام
التالية لـ2013م دون تدقيق أو تمييز، فما نال محمد علي عرشاً بالعدل، وإن بدأ
الحكم برضا شعبي تعمّد الفكاك منه والسعي وراء تثبيت ملك بالقهر ودوام الاستبداد
له ولعائلته، وإن لم يخل الأمر من ميزات.
4- لم يأتِ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بمباركة أو حتى شرعية شعبية
وإنما اقتنص الحكم باستبداد ربما فاق محمد علي وعائلته، ويكفي أن ما كان لمصر من
مكانة وإمكانيات في عهد فارق تواطأ على إفنائه جميع رؤساء مصر من بعده إلا الراحل
محمد مرسي.
5- حلاوة وجمال وحسن ما اعتقد كثير من المصريين أنه انتصار ثوري شعبي في
2011م أنساهم أنه ما من ثورة حقيقية مصرية ناجحة خاصة عبر التاريخ الحديث نجحت؛
اللهم إلا ما كان من مقومات ثورية لم تكتمل ولم يكتب لها التوفيق في 1919م.
6- لم يراجع أحد نفسه على النحو الكافي منذ 11 من شباط/ فبراير 2011م حتى 3
تموز/ يوليو 2013م وقد كانت فترة العام ونصف العام تقريباً كافية، إن أحسن استغلالها
من جانب جميع القوى الوطنية كافية لتدبر الواقع جيداً، وإحسان قراءة ما حدث خلال
أحداث الثورة لتحديد كيفية استمرارها والانتصار على نفوس الأشقاء الوطنيين
الثوريين/ الفرقاء، بدلاً من التخبط ومحاولة كل فصيل سياسي بسط نفسه وهيمنته على
المشهد، وما كان الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل بدعاً لو وجد مَنْ يؤمن برؤيته وحسن
قراءته للمشهد -خفف الله عنه- بدلاً من اتهامه قبل 3 تموز/ يوليو بساعات بالتوهم
والخوف مما لا يحدث على أرض الواقع.
7- مشهد 25 يناير بكامله كان حلماً جميلاً فاق ما يمكن أن تحدثه 18 يوماً،
وأسس في المقابل أبجدية ليوتيوبيا غريبة غزت حياة المصريين ووصلت ببعض محبيها
لتخيل واقع موازٍ يمكن عبره الحكم دائماً والانتصار في معارك هم فيها مفتوحو الصدر
أمام أسلحة لا طاقة ولا قِبل لهم بتحملها.
لغياب الوعي الثوري لم يتم تأسيس منهج لعمل مناسب خلال عام حكم الجماعة، فضلاً عن أن الأخيرة لم تقنن أو تحاول أن تستوعب هل تسير على نهج المؤسس من كونها إصلاحية، أم أنها أبدلت المسار فصارت ثورية، وهو خطأ فادح شاركت فيه القوى السياسية بدرجات إذ لم تتعرف على كينونتها وهل هي معارضة للجماعة أم للظلم والاستبداد اللذين عانت البلاد منهما لقرون، ولعدم تحديد المحالف من المُعادي لجأت الأطراف جميعاً للمجلس العسكري والجنرال
8- لعدم تأسيس قراءة جيدة للواقع واستنباط دروس الماضي تم الإقرار في الأذهان
أن واقع ما بعد 11 شباط/ فبراير 2011م هو الأصل والأساس المستمر أبد الدهر، وهي
فرضية انطلقت منها مئات الآلاف من المقولات وافتراض أحداث، وكم طافت بمصر مقولات
مثل هذه قادمة من الخارج أو الداخل ويعيش منها كثيرون باسم الألم والخيبة، وأحياناً
"المخدرات الفكرية".
9- ولغياب
الوعي الثوري لم يتم تأسيس منهج لعمل مناسب خلال عام حكم
الجماعة، فضلاً عن أن الأخيرة لم تقنن أو تحاول أن تستوعب هل تسير على نهج المؤسس
من كونها إصلاحية، أم أنها أبدلت المسار فصارت ثورية، وهو خطأ فادح شاركت فيه
القوى السياسية بدرجات إذ لم تتعرف على كينونتها وهل هي معارضة للجماعة أم للظلم
والاستبداد اللذين عانت البلاد منهما لقرون، ولعدم تحديد المحالف من المُعادي لجأت
الأطراف جميعاً للمجلس العسكري والجنرال.
10- تمادى الجميع عدا الجنرالات وفلول الراحل المخلوع الرئيس حسني مبارك في
الانطلاق من افتراضات عقلية ومنطقية لا يؤيدها واقع من أن الشعب الذي اختار الرئيس
المخلص مرسي سيحميه، متناسين أنه فاز بأغلبية بسيطة، وأن القوى الناعمة المعتادة
التي لم تعرف الطريق للقوة والسلطة تعامل في دولنا -للأسف- على أنها مغلوبة على
أمرها.