قال أستاذ الصحافة في جامعة نيويورك، محمد بازي، إن "جمال
خاشقجي دخل قبل خمس سنوات إلى القنصلية
السعودية في إسطنبول للحصول على وثيقة يحتاجها للزواج من خطيبته التركية، ولم يخرج قط؛ داخل القنصلية، تعرض لكمين نصبه فريق سعودي مكون من 15 عضوا، وقاموا بخنقه وتقطيع جثته بمنشار العظام؛ ثم تسللت فرقة الموت من تركيا على متن طائرتين خاصتين مملوكتين لصندوق الثروة السيادية السعودي".
وأضاف بازي، خلال
مقال له، على صحيفة "الغارديان" إنه "منذ ذلك الحين، تمكن
محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للسعودية، والذي وافق، وفقا لمسؤولين في الاستخبارات الأميركية، على اغتيال خاشقجي، من إعادة تأهيل شبه كامل لنظامه الاستبدادي على نحو متزايد"، مردفا أنه "قد التقى الأمير محمد مع جو بايدن وإيمانويل ماكرون وقادة العالم الآخرين؛ فهو يطرح السعودية كوجهة سياحية عالمية ويمضي قدما في خططه لبناء مدينة نيوم، مدينته المستقبلية في الصحراء والتي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار".
وبحسب المصدر نفسه: "أنفق الأمير أكثر من 6 مليارات دولار على الاستثمارات في فرق كرة القدم وبطولات الغولف والصفقات الرياضية الأخرى؛ وهو يضخ مليارات أخرى في شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون، وكل ذلك جزء من محاولة لتبييض سجل المملكة السيئ في مجال
حقوق الإنسان".
وتابع: "تستثمر إدارة بايدن أيضا رأس مال سياسي هائل في إقناع الأمير محمد بتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، على غرار اتفاقيات أبراهام التي توسطت فيها إدارة
دونالد ترامب بين إسرائيل والإمارات والمغرب والبحرين؛ وفي المقابل، يحاول السعوديون انتزاع ثمن باهظ من بايدن: معاهدة دفاع مشترك تضمن أن الولايات المتحدة ستدافع عن السعودية إذا تعرضت لهجوم، ومساعدة المملكة على إطلاق برنامج نووي مدني. وهذا بعيد كل البعد عن تعهد بايدن خلال الحملة الرئاسية الأمريكية الأخيرة بمعاملة الأمير محمد ونظامه باعتبارهما "منبوذين" بسبب مقتل خاشقجي وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان".
واستفسر صاحب
المقال نفسه: "كيف تمكن الأمير محمد من إدارة مثل هذا الانقلاب الناجح في ثروته وغسل سمعته في غضون خمس سنوات من جريمة القتل المروعة والتستر الفاشل الذي صدم العالم في البداية؟" متابعا أنه "باختصار، حصل الأمير على مساعدة من رئيسين أميركيين مختلفين للغاية، ترامب وبايدن، اللذين اشتركا في نهاية المطاف في نفس أولويات السياسة الخارجية التي اشتركت فيها الإدارات الديمقراطية والجمهورية لعقود من الزمن؛ وحتى عندما يتعهدون باتخاذ مسار مختلف، كما فعل بايدن، فإن قادة الولايات المتحدة يفضلون في نهاية المطاف المصالح الاقتصادية والأمنية القصيرة الأجل على المبادئ الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان".
وأكد أنه "على عكس بايدن، لم يتردد ترامب وكبار أعضاء إدارته أبدا في دعمهم للأمير محمد والنظام السعودي، حتى مع اشتداد الغضب الدولي بشأن مقتل خاشقجي. في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، بعد تسعة أيام من اختفاء خاشقجي في إسطنبول، سُئل ترامب في المكتب البيضاوي عما إذا كان سيلغي مبيعات الأسلحة بمليارات الدولارات إلى السعودية إذا كان قادتها متورطين في عملية الاغتيال؛ ورد ترامب: "نحن لا نحب ذلك ولو قليلا. لكن ما إذا كان علينا أن نوقف إنفاق 110 مليارات دولار في هذا البلد أم لا... فهذا لن يكون مقبولا بالنسبة لي".
إلى ذلك إنه "بالنسبة لترامب، كان مقتل خاشقجي بمثابة أضرار جانبية مقبولة؛ وبرغم ما بدت تعليقات ترامب فظة في ذلك الوقت، إلا أنها كانت تفسيرا صادقا إلى حد ملحوظ لأولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وعلى النقيض من أسلافه، لم يكلف ترامب نفسه عناء استخدام الخطابات المتغطرسة حول حقوق الإنسان والحرية السياسية لإخفاء عقود من الدعم العسكري الأمريكي للأنظمة القمعية مثل السعودية ومصر، لقد أسقط ترامب التظاهر بأن التحالف الأمريكي السعودي ليس أكثر من مجرد ترتيب معاملات يعتمد على الحفاظ على استقرار أسعار النفط العالمية، والمصالح الأمنية المشتركة في الشرق الأوسط، والتفاوض على صفقات أسلحة كبيرة".
وتابع بأن بايدن "تبنى نفس الواجهة الخطابية التي استخدمها الرؤساء الأمريكيون السابقون، لكن انتهى الأمر بإدارته إلى استرضاء الأمير محمد بنفس الطريقة التي فعلها ترامب؛ وسرعان ما فشل بايدن في الوفاء بوعده بتركيز السياسة الخارجية الأمريكية حول حماية حقوق الإنسان، وتعهده خلال الحملة الرئاسية بالسعي إلى المساءلة عن اغتيال خاشقجي".
وتابع
المصدر نفسه أنه "في شباط/ فبراير 2021، بعد شهر من توليه منصبه، نفذ بايدن وعده خلال حملته الانتخابية بإصدار تقرير استخباراتي أمريكي طال انتظاره، والذي ألقى باللوم بشكل مباشر على الأمير محمد في مقتل خاشقجي، مشيرا إلى أنه منذ عام 2017، "كان لديه سيطرة مطلقة على أجهزة الأمن والاستخبارات في المملكة، مما يجعل من المستبعد جدا أن يكون المسؤولون السعوديون قد نفذوا عملية من هذا النوع دون إذن ولي العهد". وقال التقرير إن سبعة أعضاء من قوة التدخل السريع، وهي وحدة النخبة التي تحمي ولي العهد وتخضع لأوامره مباشرة، كانوا جزءا من فريق الاغتيال السعودي الذي نصب كمينا لخاشقجي في إسطنبول".
وأضاف أنه "رغم الأدلة، قرر بايدن عدم معاقبة الأمير محمد بشكل مباشر من خلال فرض حظر سفر أو عقوبات عليه؛ وقد أشار هذا القرار إلى ولي العهد وأنصاره بأن بايدن لن يفي بوعده بتحويل النظام السعودي إلى نظام "منبوذ"، وقد شجع ذلك الأمير محمد على مواصلة حملته القمعية ضد المعارضين في الداخل والخارج".
وفي السياق نفسه، تابع بأنه "بعد المراجعة الأولية لمبيعات الأسلحة إلى السعودية بسبب ارتفاع معدل الضحايا المدنيين في حربها ضد اليمن، بحلول منتصف عام 2022، استأنفت إدارة بايدن مبيعات الأسلحة والدعم العسكري للمملكة بمليارات الدولارات؛ في الواقع، بين عامي 2018 و2022، صنفت السعودية كثاني أكبر مستورد للأسلحة في العالم، حيث تزود الولايات المتحدة المملكة بـ 78% من أسلحتها، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام".
وأشار بأن "الأمير محمد لم يكتفِ بالإفلات من المساءلة عن مقتل خاشقجي واستئناف شراء الأسلحة الأمريكية: لقد أراد إحراج بايدن واستعراض نفوذه على أسواق النفط العالمية؛ بعد أن غزا فلاديمير بوتين أوكرانيا في شباط/ فبراير 2022، مما أدى إلى تعطيل أسواق النفط العالمية، انتهز الأمير فرصته للضغط على بايدن ليصبح متوسلا يسعى إلى خفض أسعار البنزين للمستهلكين الأمريكيين".
وأردف أنه "في تموز/ يوليو 2022، سافر بايدن إلى السعودية للقاء الأمير في بلده، وهو تراجع كبير عن العزلة الأولية التي أعقبت اغتيال خاشقجي. صافح بايدن بقبضته الأمير، الذي بدا وكأنه يستمتع بدوره الجديد كوسيط دولي قوي؛ وقال البيت الأبيض إن بايدن أثار مسألة اغتيال خاشقجي مع الأمير خلال اجتماعهما و"تلقى التزامات فيما يتعلق بالإصلاحات والضمانات المؤسسية المعمول بها للحماية من أي سلوك من هذا القبيل في المستقبل".
ووفق
المقال نفسه، فإن "الأمير محمد لن يرضخ لطلبات بايدن الغامضة باحترام المعارضة، سرعان ما فرضت المحاكم السعودية أحكاما صارمة بالسجن على امرأتين سعوديتين بسبب منشوراتهما على وسائل التواصل الاجتماعي؛ ثم في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بينما كان العالم يستعد لارتفاع أسعار الوقود بسبب حرب أوكرانيا والعقوبات المفروضة على النفط الروسي، قررت منظمة أوبك بلس بقيادة السعودية خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميا - وهو عكس ما خطط له مسؤولو إدارة بايدن وناشدوا السعوديين أن يفعلوه".
وأكد أنه "بعد صدمة ذلك الإعلان المحرج، الذي هدد برفع أسعار البنزين مع اقتراب الانتخابات النصفية الأميركية، تعهد بايدن: "ستكون هناك بعض العواقب لما فعلوه"؛ ومع ذلك، بعد بضعة أشهر، أسقطت الإدارة الأمريكية بهدوء أي ادعاء بمحاسبة الأمير محمد ونظامه. واستأنف بايدن ومساعدوه العمل كالمعتاد، على الرغم من فشل السعوديين في الاستمرار في الصفقة السياسة الواقعية الطويلة الأمد مع القادة الأمريكيين المتعاقبين: ضمان إمدادات عالمية ثابتة من النفط".
وختم أستاذ الصحافة في جامعة نيويورك،
مقاله بأن "الأمير محمد لم يقم بإذلال بايدن فحسب، بل أظهر أنه في وضع أقوى اليوم، ولديه عدد أكبر من الخاطبين الدوليين الذين يتطلعون إلى كسب تأييده وكسب استثمارات سعودية، مما كان عليه قبل خمس سنوات عندما أمر باغتيال خاشقجي؛ وبفضل ترامب وبايدن، أفلت ولي العهد من المساءلة عن جرائم القتل وخرج من ذلك أكثر تحديا من أي وقت مضى".