قام
الاحتلال الإسرائيلي خلال الأيام الماضية بتحويل عدوانه على
قطاع غزة إلى حرب مستشفيات واستهداف مباشر للمرافق الطبية، حيث تواصل قواته استهداف سائر مشافي القطاع عموما، ومستشفى الشفاء ومحيطه على وجه الخصوص، ما أسفر عن خروجه من الخدمة جراء القصف المتواصل ونفاد الوقود.
وكان مدير المستشفيات في غزة، أشار إلى أن حصار الاحتلال واستهدافه لمجمع الشفاء تسبب في استشهاد 32 مريضا بينهم أطفال حديثو الولادة، موضحا أن هناك مئات من الجرحى والمرضى الذين لا يستطيعون مغادرة المستشفى في ظل عدم وجود مكان آمن لإجلائهم.
ومع تصاعد الضغط الدولي إزاء جراء الجرائم الإسرائيلية في حق المدنيين والمرافق الطبية، عمد جيش الاحتلال إلى الإعلان عن عرضه تزويد مجمع الشفاء الطبي المحاصر بمدينة غزة منذ عدة ليال، بـ300 لتر من السولار لأغراض علاجية، زاعما أن حركة المقاومة الإسلامية "
حماس" منعت استلامها.
ونفت "حماس" في بيان، مزاعم الاحتلال الإسرائيلي حول منعها استلام كمية الوقود التي عرضها على الكادر الطبي المحاصر داخل
مستشفى الشفاء، مشيرة إلى أن الإعلان الإسرائيلي "يمثل استخفافا بآلام وعذابات المرضى والأطفال الخدج، والطواقم الطبية، المحاصرين بين جنباته، بلا ماء أو غذاء أو كهرباء، فهذه الكمية لا تكفي لتشغيل المولدات فيه لأكثر من نصف ساعة".
وأوضحت أن الاحتلال "يسعى من خلال هذا العرض إلى تدشين حملة دعاية رخيصة لتجميل وجهه القبيح ومحاولة إخفاء جرائمه ضد الإنسانية وقصفه للمستشفيات وقتله للأطقم الطبية وتعريضه حياة المرضى للخطر بقطعه الوقود والماء والأدوية عنهم".
ضغط دولي متصاعد
يأتي ذلك في وقت يتصاعد فيه الاستياء عبر العالم من جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين
الفلسطينيين واستهدافه المستشفيات بشكل خاص في عدوانه المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من شهر تشرين الأول /أكتوبر الماضي.
وفي السياق، أقر وزير خارجية الاحتلال إيلي كوهين بتصاعد الضغط الدولي على "إسرائيل من أجل إنهاء الحرب" في ظل الجرائم المروعة التي يرتكبها جيش الاحتلال في غزة ضمن حرب الإبادة الجماعية المعلنة على الشعب الفلسطيني.
وقال كوهين إن "الضغط الدولي يزداد على تل أبيب لإنهاء الحرب"، مشيرا إلى أن أمام الاحتلال "أسبوعين للحسم قبل أن يصبح الضغط الدولي مؤثرا".
وزير الصحة الفلسطيني الأسبق والقيادي في حركة "حماس"، باسم نعيم، شدد على أن عرض الاحتلال الإسرائيلي لا يتعدى كونه مناورة إعلامية وحسب في ظل الضغط الدولي المتزايد جراء استهداف المستشفيات في قطاع غزة، وهو ما يعد "جريمة حرب" بموجب القانون الدولي الإنساني.
وأضاف نعيم في حديثه لـ"عربي21"، أن ما عرضه الاحتلال على مستشفى الشفاء من كمية قليلة جدا من الوقود لا يغطي حاجة المجمع الذي يحتاج إلى آلاف اللترات بشكل يومي، فضلا عن المخاطرة الكبيرة في الطريقة التي اشترطها الاحتلال على الكادر الطبي لاستلام الكمية المذكورة.
وأوضح الوزير السابق أن عرض الاحتلال جاء دون تنسيق مع المنظمات الدولية أو الأممية، مشيرا إلى أنه تواصل بنفسه مع الهلال الأحمر الدولي الذي أكد عدم تواصل أي طرف معه في هذا الصدد، وهو ما قد يثير مخاوف من كون العرض الإسرائيلي "مصيدة للإيقاع في العاملين في المستشفى وقتل المزيد منهم"، بحسب القيادي في حركة المقاومة.
وكان مدير مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة، محمد أبو سلمية، كشف أن الاحتلال تواصل معه لأجل الحصول على 300 لتر سولار فقط، لكنهم اشترطوا أخذها بعد منتصف الليل في مكان خارج المستشفى.
وأشار أبو سلمية إلى أنه "لا يأمن حدوث قصف لفريق الإسعاف وهم في الطريق لاستلام كمية الوقود المزعومة"، لا سيما أن الكمية التي عرضها الاحتلال "لا تشغل مولدات المستشفى إلا لمدة ربع إلى نصف ساعة" فقط، موضحا أن "المستشفى يستهلك نحو 500 لتر في الساعة الواحدة".
وفند أبو سلمية، مزاعم الاحتلال الإسرائيلي بشأن رفض المستشفى أو حركة "حماس" استلام الوقود، مؤكدا أنه طالب الاحتلال بـ"إحضار الوقود عبر الصليب الأحمر الدولي أو أي مؤسسة دولية".
إلى ذلك، نوه القيادي في حركة حماس، باسم نعيم، إلى أن "الاحتلال لو كان صادقا في ادعائه عزمه تسليم مستشفى الشفاء كمية من الوقود، لكان استجاب للضغوطات الدولية المتواصلة منذ أسابيع حول ضرورة إدخال الوقود إلى مستشفيات قطاع غزة".
" سعي لكسر إرادة الفلسطينيين"
وحول أسباب تصعيد الاحتلال خلال الأيام الأخيرة عدوانه على المستشفيات، شدد نعيم خلال حديثه لـ"عربي21" على أن الاحتلال يسعى إلى تحقيق هدفين رئيسيين عبر استهداف المستشفيات ضمن حرب الإبادة الجماعية على أهالي قطاع غزة، أولهما تهجير مناطق سكان الشمال قسريا إلى الجنوب لا سيما وأن المراكز الطبية تمثل عنوانا من عناوين الأمن وهو ما دفع عشرات آلاف الفلسطينيين مع اشتداد العدوان إلى الاحتماء بها.
وأشار نعيم إلى أن قصف المستشفيات وإجبار المحتمين داخلها على النزوح يساهم بشكل كبير في تحقيق الاحتلال لهدفه الرئيسي من العدوان، وهو تهجير الفلسطينيين من أراضيهم نحو الجنوب أو إلى خارج القطاع بشكل تام إن استطاع.
وثانيا، نوه وزير الصحة الأسبق إلى أن ضرب المستشفيات يهدف إلى كسر إرادة المواطن العادي والمقاتل على حد سواء، وذلك لما تمثله من خطوط حمر عريضة في الحروب، بحسب تعبيره.
وعن تركيز الاحتلال على مستشفى الشفاء تحديدا، شدد نعيم على أن المجمع الطبي يمثل جزءا من الرمزية والسيادة في قطاع غزة، حيث تواجدت فيه وسائل الإعلام وإدارة القطاع الصحي فضلا عن العديد من الإدارات المدنية منذ بدء العدوان، واستهدافه بحسب الوزير السابق يهدف إلى كسر البعد المدني الإداري في قطاع غزة في سبيل إحكام السيطرة على المجتمع الفلسطيني، بحسب تعبيره.
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي قصف العديد من المستشفيات في قطاع غزة، لا سيما المتواجدة في الشمال، ما تسبب في خروج أكثر من 22 مستشفى عن الخدمة بشكل كامل، فيما يستمر الاحتلال في منعه دخول أي كمية من الوقود ضمن المساعدات المحدودة التي سُمح لها بالعبور من الجانب المصري، رغم مناشدات المنظمات الدولية والأممية.
ويحاول جيش الاحتلال تبرير استهدافه المستشفيات والمرافق الطبية في قطاع غزة بحجة استخدامها من قبل فصائل المقاومة كغطاء لعملياتها العسكرية، وهو ما نفته "حماس" مرارا، داعية الأمم المتحدة إلى تشكيل لجنة دولية لتفقد كافة المستشفيات في قطاع غزة من أجل "فضح كذب الرواية الإسرائيلية".
ولليوم الثامن والثلاثين على التوالي، يواصل الاحتلال عدوانه على غزة؛ في محاولة لإبادة أشكال الحياة كافة في القطاع، وتهجير سكانه قسريا، عبر تعمده استهداف المناطق والأحياء السكنية وقوافل النازحين والمستشفيات.
وارتفعت حصيلة الشهداء جراء العدوان الوحشي إلى أكثر من 11180 شهيدا؛ بينهم 4609 أطفال و3100 امرأة، فضلا عن إصابة ما يزيد على الـ28 ألفا آخرين بجروح مختلفة، وفقا لأحدث أرقام وزارة الصحة في غزة.