في مقابل الدعم والتبرير الذي يقدمه الكاتب الفرنسي الصهيوني المعروف
برنار هنري ليفي للعدوان الإسرائيلي على
غزة، عبرت شقيقته الكاتبة فيرونيك ليفي عن
إدانتها لهذا
العدوان، وذهبت لوصفه بـ"الإرهاب، وحتى التطهير العرقي".
وقالت في تسجيل فيديو تم بثه، قبل أيام، على مواقع التواصل:
"أود التعبير بشأن الوضع المأساوي في غزة، كإنسانة، كامرأة، كمسيحية،
وكيهودية متحولة إلى المسيحية. إنها أسوأ من المأساة، إنه ما أسماه البابا فرانسيس
بإرهاب الدولة بسبب إلقاء مئات القنابل على آلاف المدنيين، والتي خلفت أكثر من 20
ألف شخص، وضحاياها في المقام الأول من النساء والأطفال والرضع، الذين تصلنا صورهم
المروعة عبر شبكة الإنترنت، يومًا بعد يوم". وأكدت فيرونيك ليفي “هذا يسمى
إرهاب، وحتى تطهير عرقي".
وأضافت الكاتبة وبصوت جد حزين أنه "عندما نعلم أن هؤلاء السكان
ليس لديهم مفر، وأنهم ليس لديهم مكان يهربون إليه، وأنهم في عزلة إقليمية، مما
يعني أن غزة تصبح أكثر من مجرد سجن مفتوح، ومقبرة جماعية مفتوحة، مما يؤدي إلى
تجريد هؤلاء الأطفال والنساء من إنسانيتهم مرتين، فبعد أن جعل (الإسرائيليون) منهم
حيوانات، فقد حولوهم إلى أشياء". وأكدت "أفكر بكل تأثر بهؤلاء الأطفال
في غزة، القريبين جداً من بيت لحم (مسقط رأس المسيح)، الذين ولدوا بين الأنقاض
وأجساد أمهاتهم الممزقة".
وأضافت الكاتبة "العار، العار لمن لا يجرؤون على الإدانة! عار
على أولئك الذين يستعملون معاداة السامية كابتزاز بغيض"، وأنه "ليس من
معاداة السامية إدانة هذا الرعب، وما هو أسوأ من الظلم، هذه المذبحة، والمجزرة (في
غزة)، فالكثير من اليهود اليوم يقولون (هذا العدوان الإسرائيلي) ليس باسمنا، سواء
كانوا يهودًا في الولايات المتحدة أو في أوروبا أو بعض الإسرائيليين بالطبع"،
متهمة حكومة بنيامين نتنياهو بـ "تعريض اليهود للخطر، ولكن أبعد من ذلك،
الإنسانية جمعاء".
ودعت فيرونيك ليفي "الزعماء الغربيين إلى الانغلاق في فكرهم
الثنائي، وممارسة الإرهاب الفكري على الذين ينددون بهذه اللاإنسانية". وختمت
رسالتها بـ"الصلاة لله من أجل أن يحل السلام بهذه الأرض المقدسة".
الأذرع الإعلامية الفرنسية، التي تمارس أسوأ أنواع الدعاية الصهيونية
لتبرير العدوان الإسرائيلي، لم يكن مفاجئا منها ألا تشير لهذا الانتقاد من فيرونيك
ليفي، رغم أنها توفر مثلا "بروفايلا" مناسبا ـ كونها تحولت إلى المسيحية
الكاثوليكية ـ لقناة مثل "سي نيوز" اليمينية العنصرية، التي يملكها
"امبراطور الإعلام" الكاثوليكي الأصولي الفرنسي المتطرف فانسون بوليري،
الذي فرض نقل الصلوات المسيحية وبرامج دينية مسيحية في القناة، التي للمفارقة تزعم
الدفاع عن "اللائكية" (العلمانية الفرنسية) من التهديد الإسلامي!..
أفكر بكل تأثر بهؤلاء الأطفال في غزة، القريبين جداً من بيت لحم (مسقط رأس المسيح)، الذين ولدوا بين الأنقاض وأجساد أمهاتهم الممزقة
في المقابل تفرد هذه القناة والأذرع الإعلامية الأخرى المساحات
الكبيرة لشقيقها "الفيلسوف" برنارد هنري ليفي، ودفاعه عن الكيان
الصهيوني، وتبريره لجرائمه، وبرفع دائما "معاداة السامية كابتزاز بغيض"
(كما تقول شقيقته)، وكذلك استعمال جرائم "الهولوكوست" المدانة في حق
اليهود، والتي لا علاقة للفلسطينيين بها!
وقبل تحولها للمسيحية عام 2012 بعد حياة مضطربة، ولدت فيرونيك ليفي
في
فرنسا عام 1972، وسط عائلة يهودية من أصول جزائرية، وهي الشقيقة الأصغر بـ23
سنة عن برنار هنري، وقبله بيار الراحل بعد حادث مرور".
وقالت فيرونيك إن "جدها الأكبر كان حاخامًا، لكن والدها كان
علمانيًا جدًا"، وعلى الرغم من ذلك فقد ذكرت أنه أخبرها وهي صغيرة "لا
تنسي أنك أميرة. أنت جزء من إحدى أقدم العائلات اليهودية.. ومن قبائل إسرائيل
الـ12".
وكشفت أنها لما قررت اعتناق المسيحية، عبر شقيقها برنار هنري عن
اندهاشه وعدم تصديقه وأنها "نزوة عابرة"، وأنها ستعود لليهودية، لكنها
تمسكت بتحولها، وكشفت أن "برنارد هنري حضر حفل تحولها للمسيحية".
وكان جدها لأمهما (دينا سيبوني) حاخاما كذلك في مدينة تلمسان (غرب
الجزائر). أما والدهما أندريه ليفي فهو من مدينة معسكر (غرب الجزائر)، وكان انضم
وهو في الـ 18 من العمر للقتال في صفوف الجمهوريين في إسبانيا.
وفي سنة 1946 استقر والدهما بمدينة الدار البيضاء المغربية، التي
كانت تحت الوصاية الفرنسية، وأسس شركة لاستيراد الأخشاب الإفريقية. وبعد قضاء عدة
سنوات في المغرب، استقرت عائلته في فرنسا، في نويي سور سين، في عام 1954.
وكانت فيرونيك ليفي تعرضت لانتقادات من يهود فرنسيين صهاينة يقدمون
أنفسهم كعلمانيين ولا دينيين حتى بسبب تحولها للمسيحية، مثل الكاتب والوزير السابق
جاك أتالي (من يهود الجزائر أيضا)، والذي وصفها بـ"شقيقة برنارد هنري ليفي
(ليس حتى باسمها!) المرأة الضائعة الهشة، التي يتلاعب بها اليمين الهوياتي المتطرف
المناهض للصهيونية". رغم أن الواقع أظهر بالعكس، مع العدوان الإسرائيلي على
غزة، أن فيرونيك عبرت عن إنسانيتها.
في المقابل غرق جاك أتالي، مثله مثل برنارد هنري ليفي وغيرهم من
اليهود الصهاينة في "الخندق الهوياتي" للدفاع عن الكيان الصهيوني، ومع
اليمين الفرنسي المتطرف المعادي تاريخيا لليهود، والعميل للاحتلال النازي لفرنسا،
والمتواطئ معه في إبادة والتنكيل باليهود في فرنسا (أثناء الحرب العالمية
الثانية)، وحتى الجزائر المستعمرة آنذاك. بينما ساهم مسجد باريس، الذي يشرف عليه
جزائريون مثلا في إنقاذ وحماية العديد من اليهود، بإعطائهم وثائق تقول إنهم مسلمون
وليسوا يهودا! وكذلك الشأن في الجزائر، عندما تضامن وساعد المسلمون المضطهدون
فيها، اليهود الذين كانوا يتعرضون لـ "انتقام" شديد من قبل حكومة
"فيشي" الفرنسية العميلة للنازيين حينها، بلغ حد نزع الجنسية الفرنسية
منهم، ومنعهم من الدراسة والعمل، مثلما تروي الكاتبة الفرنسية هيلين سيكسو، وهي
يهودية من مواليد الجزائر، وتؤكد أن اسم عائلتها مشتق من "سكسكو" أي
"الكسكي" بالأمازيغية.
ومثلما هو الحال في اللقب مع المترشح الفاشل للانتخابات الرئاسية
الفرنسية العنصري الصهيوني (المناصر للعدوان الإسرائيلي على غزة) المتطرف إيريك
زمور، الذي كان للمفارقة اتُهم بمحاولة تزوير التاريخ بالزعم كذبا أن رئيس الحكومة
الفرنسية العميلة النازية لألمانيا "فليب بيتان" بأنه أنقذ آلاف اليهود
الفرنسيين من المحرقة النازية في ألمانيا! واللافت أن لقب "زمور" يعني
بالأمازيغية "زيتونة"، وأصل عائلته من يهود الجزائر، وقد هاجرت إلى فرنسا في نهاية الخمسينات فقط (حيث ولد هناك)،
فيما يزايد زمور بفرنسا وهويتها وبمعاداة المهاجرين والعرب المسلمين بالذات، مثلما
ينتقده المؤرخ اليهودي الفرنسي (الذي ولد في الجزائر) بن جامين سطورا، الذي انتقد
زمور بأنه "يهودي عربي"، عكس ما يدعي أي من اليهود الذين عاشوا في
المنطقة العربية، وكثير منهم لجأوا خاصة للمنطقة المغاربية من إسبانيا بعد انهيار
حكم المسلمين في الأندلس (الذي عاشوا فيه برفاه وخدموا حتى كوزراء فيه)، وذلك
فرارا من البطش المسيحي لمحاكم التفتيش خلال ما سميت بحروب الاسترداد المسيحية
الرهيبة، والمفارقة أن إيريك زمور، أطلق اسم "الاسترداد" (بكل ما لذلك
من إحالة!) على حزبه الذي فشل مثله في الانتخابات الفرنسية!
*كاتب جزائري مقيم في لندن