نشرت صحيفة "
واشنطن بوست"
مقالا للصحفي إيشان ثارور، قال فيه إن الحرب التي دامت حوالي ثلاثة أشهر تركت
غزة
في حالة خراب. ويبدو أن سعي إسرائيل للقضاء على حركة
حماس لم ينته بعد، بغض النظر
عن حصيلة القتلى المرتفعة بين الفلسطينيين.
وقال عارف حسين، كبير الاقتصاديين في
برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، لمجلة "نيويوركر" هذا
الأسبوع: "لقد رأيت جميع أنواع الصراعات وجميع أنواع الأزمات. في حياتي، لم
أر شيئا كهذا من حيث الخطورة، ومن حيث الحجم، ومن حيث السرعة أيضا."
وأضاف الكاتب أن البؤس الإنساني
المنتشر في مختلف أنحاء غزة لا يجد قدرا كبيرا من التعاطف في الخطاب العام
الإسرائيلي، حيث تظل الأولوية هي قهر حماس.
أما الهدف الثاني، فهو إطلاق سراح
الرهائن المحتجزين في معاقل حماس في غزة. وفي الواقع، فإن قرع الطبول المتواصل من
المشرعين الإسرائيليين وغيرهم من السياسيين قد حث على مصير أكثر تدميرا للقطاع.
ودعا أعضاء في الائتلاف اليميني الذي
يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى إسقاط قنبلة نووية على قطاع غزة المكتظ
بالسكان، والإبادة الكاملة للقطاع كعلامة على الانتقام، وإفقار شعبه إلى درجة
أنهم لا يملكون أي خيار سوى ترك وطنهم.
وفي هذا الأسبوع وحده، ظهر برلماني من
حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو على شاشة التلفزيون وقال إنه من الواضح لمعظم
الإسرائيليين أن "جميع سكان غزة بحاجة إلى التدمير".
بعد ذلك، قالت سفيرة إسرائيل في
بريطانيا للإذاعة المحلية إنه لا يوجد حل آخر لبلادها سوى هدم "كل مدرسة،
وكل مسجد، وكل منزل" في غزة لتدمير البنية التحتية العسكرية لحماس.
يشكل هذا الخطاب المتراكم جزءا من
الطلب المؤلف من 84 صفحة الذي قدمته حكومة جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل
الدولية، متهما إسرائيل بارتكاب أعمال ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية أو الفشل
في منع الإبادة الجماعية.
وعلى الرغم من إدانتها لهجوم حماس في
7 تشرين الأول/ أكتوبر، إلا أن قضية جنوب أفريقيا تقول إنه "لا يمكن لأي
هجوم مسلح على أراضي دولة مهما كانت خطورته - حتى الهجوم الذي ينطوي على جرائم
وحشية - أن يقدم أي مبرر محتمل أو دفاع عن انتهاكات" اتفاقية الإبادة
الجماعية.
ويوضح التقرير أن الحملة العسكرية
الإسرائيلية في غزة قد "ألحقت الدمار بمناطق واسعة من غزة، بما في ذلك أحياء
بأكملها، وألحقت الضرر أو دمرت ما يزيد على الـ355 ألف منزل فلسطيني"، ما جعل
مساحات واسعة من الأراضي غير صالحة للسكن لفترة طويلة من الزمن القادم.
وزعمت شكوى جنوب أفريقيا أن السلطات
الإسرائيلية فشلت في قمع "التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة
الجماعية" من قبل مجموعة من السياسيين والصحفيين والموظفين العموميين
الإسرائيليين.
ويشمل ذلك شخصيات يمينية متطرفة مثل
وزير المالية بتسلئيل سموترتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، اللذين لا
يفعلان الكثير لإخفاء رؤيتهما لغزة مُطهرة عرقيا.
وقال سموترتش في مقابلة مع إذاعة
الجيش الإسرائيلي: "ما يجب القيام به في قطاع غزة هو تشجيع الهجرة. إذا كان
هناك 100 ألف أو 200 ألف عربي في غزة وليس مليوني عربي، فإن المناقشة برمتها في
اليوم التالي للحرب ستكون مختلفة تماما".
ودعا بن غفير بشكل منفصل إلى الهجرة
القسرية الفعلية لمئات الآلاف من غزة.
وأدان مسؤولون أمريكيون وغربيون آخرون
هذه التصريحات ووصفوها بأنها "تحريضية وغير مسؤولة". لكن مثل هذه
الانتقادات لا تفعل الكثير لتغيير لهجة الصراع. وقد حاول نتنياهو نفسه، وفقا
لزملائي، إقناع مصر والحكومات العربية الأخرى والدول في أماكن أخرى باستقبال
اللاجئين من غزة - وهو أمر غير مقبول بالنسبة للكثيرين في الشرق الأوسط، الذين
يخشون المزيد من مصادرة أراضي الفلسطينيين.
قد لا تعكس الدعوات الإسرائيلية
للتطهير العرقي الفعلي والاستيطان الإسرائيلي المحتمل في غزة الموقف الفعلي
لحكومة الحرب الإسرائيلية.
قال زملائي في تقاريرهم: "في
السر، يقول المسؤولون الإسرائيليون إن المقترحات لنقل سكان غزة تنبع من الضرورات
السياسية لائتلاف نتنياهو واعتماده على الأحزاب اليمينية المتطرفة للحفاظ على
السلطة".
وقال شخص مطلع بشكل مباشر على
المحادثات داخل الحكومة الإسرائيلية لصحيفة "واشنطن بوست"، تحدث بشرط
عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول له مناقشة الأمر: "إن المتخصصين في الجيش
والمؤسسة الأمنية يعرفون أن هذا ليس في نطاق الاحتمالات. إنهم يعرفون أنه لا
يوجد مستقبل بدون سكان غزة في غزة والسلطة الفلسطينية كجزء من الحكومة".
لكن نتنياهو وحلفاءه ما زالوا غامضين
بشكل واضح بشأن نهاية اللعبة المتخيلة في غزة. ويؤكد المحللون أن عدم اليقين هذا
لا يؤدي إلا إلى تعميق المخاوف بشأن نوايا إسرائيل بين جيرانها العرب، بما في ذلك
دول الخليج التي كانت تتقارب مع الدولة اليهودية.
وكتب مايكل كوبلو وديفيد هالبرين من
منتدى السياسة الإسرائيلية: "لن يتخذ أحد الخطوات التي من شأنها أن تسبق
اتفاقيات التطبيع الجديدة عندما يرفض نتنياهو مطالب الدول العربية بشأن عملية
سياسية تقوم على حل الدولتين ويصر أيضا على ضرورة تمويلهم إعادة إعمار غزة دون
طرح أسئلة أو فرض شروط".
وأضافا: "لن يتم ردع إيران
ووكلائها عندما يقوم مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى زائرون مرارا بطرح رؤيتهم
لغزة ما بعد الحرب، ويتسابق أعضاء الحكومة الإسرائيلية إلى استوديوهات التلفزيون
لتقديم تفنيدات علنية". موضحين أنه من الضروري أن تقوم إدارة بايدن بدفع
الإسرائيليين لمواجهة هذه الحقائق.
في هذه الأثناء، كتبت مجموعة من
الإسرائيليين البارزين، بما في ذلك مشرعون سابقون وكبار العلماء والمثقفين،
رسالة مشتركة تدين السلطات القضائية الإسرائيلية لعدم كبح جماح خطاب الإبادة
الجماعية الذي يظهر على نطاق واسع.
وكتبوا: "للمرة الأولى التي
يمكننا أن نتذكرها، تحولت الدعوات الصريحة لارتكاب جرائم فظيعة، كما ذكرنا، ضد
ملايين المدنيين، إلى جزء مشروع واعتيادي من الخطاب الإسرائيلي. اليوم، أصبحت مثل
هذه الدعوات هي مسألة يومية في إسرائيل".