يسعى قائد قوات الدعم السريع في
السودان محمد حمدان دقلو "
حميدتي"، من خلال اتفاقه مع
المدنيين وجولاته
الخارجية، إلى تحقيق
مكاسب سياسية وشرعنة وجوده لحسم معركته مع
الجيش.
وبقي "حميدتي" في الظل
خلال الأشهر التسعة الأولى من النزاع في السودان، إلى أن وقّع مؤخراً إعلاناً مع
المدنيين وقام بجولة أفريقية، لبحث شرعية دولية وحسم معركته مع الجيش.
وتزامناً مع تحقيق قوات الدعم
السريع تقدماً ميدانياً، استبدل حميدتي بزيه العسكري ملابس مدنية، وقام بجولة
خارجية تخللها لقاء مسؤولين كبار في أوغندا وجيبوتي وكينيا وإثيوبيا وجنوب أفريقيا.
ويرى الخبير في الشأن السوداني
أليكس دي فال أن دقلو "في حالة صعود".
ويقول كليمان ديهي، المتخصص في
الشؤون السودانية في جامعة السوربون بباريس، إن "حميدتي" تمّ استقباله "بمراسم
تخصص لرئيس دولة".
ومنذ اندلاع القتال في 15 نيسان/ أبريل
بين الحليفين السابقين
البرهان وحميدتي، فقد أودت
الحرب في السودان بأكثر من 12190
شخصا، وفق تقديرات منظمة "مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة
وأحداثها" (أكليد)، وهي حصيلة يُعتقَد أنها تبقى دون الفعلية.
وتسببت في نزوح أكثر من سبعة
ملايين شخص داخل وخارج البلاد، بحسب الأمم المتحدة.
أبعد من الميدان، يحاول حميدتي
تحقيق مكاسب سياسية في حربه ضد الجيش، فقد وقّع الثلاثاء في العاصمة الإثيوبية
إعلاناً سياسياً مع عبد الله
حمدوك الذي سبق له تولي رئاسة الوزراء في السودان قبل
الإطاحة به عبر انقلاب عسكري قاده البرهان و"حميدتي" عام 2021.
وكانت الهيئة التنسيقية للقوى
الديمقراطية المدنية برئاسة حمدوك دعت مؤخرا لعقد "لقاءات عاجلة (مع الجيش
وقوات الدعم السريع) تبحث قضايا حماية المدنيين وتوصيل المساعدات الإنسانية وسبل
وقف الحرب عبر المسار السلمي التفاوضي".
ونتيجة لاستجابة الدعم السريع فقط
لهذه الدعوة إلى الآن، فقد وقّع حميدتي وحمدوك "إعلان أديس أبابا" الذي تبدي
من خلاله قوات الدعم "استعدادها التام لوقف عدائيات فوري وغير مشروط عبر
تفاوض مباشر مع القوات المسلحة".
كما أنها تتعهد بـ"فتح ممرات آمنة
لوصول المساعدات الإنسانية"، و"تهيئة الأجواء لعودة المواطنين غلى منازلهم
في المناطق التي تأثرت بالحرب".
ويرى أستاذ الدراسات الأمنية في
جامعة كينغز كوليدج في لندن أندرياس كريغ، أن الإعلان "هو الخطوة الأكثر أهمية
التي يمكن (لدقلو) القيام بها لكسب الشرعية".
ويقول ديهي لوكالة فرانس برس، إن
"توقيع المدنيين على اتفاق مع ’حميدتي’، على الرغم من التطهير العرقي في دارفور
والاغتصاب والنهب الممنهج في وسط السودان ودارفور، يمنحه الشرعية في نظر المجتمع
الدولي".
وقبل نشوب النزاع بينهما، كان دقلو
نائبا للبرهان، وقاما بتنظيم انقلاب تشرين الأول/ أكتوبر 2021 الذي أطاح بالحكومة
المدنية برئاسة حمدوك. وأعيد الأخير إلى منصبه لفترة وجيزة، قبل أن يستقيل في مطلع
2022 ويغادر السودان.
ولم يلتق القائدان العسكريان منذ
اندلاع الحرب رغم محاولات الوسطاء.
من جهتها، ترى المحللة السودانية
خلود خير أن جولات دقلو الخارجية أشعرت البرهان بـ"استياء"، خصوصا مع
محاولات الأول الذي يرأس مجلس السيادة "تقديم نفسه كزعيم سياسي وطني".
وفي كلمة ألقاها الأسبوع الماضي
لمناسبة استقلال السودان، انتقد البرهان زيارات دقلو ومضيفيه.
وخاطب الدول "التي تستقبل
هؤلاء القتلة بأن كفوا أيديكم عن التدخل في شأننا (..) وأن استقبال أي جهة معادية
للدولة لا تعترف بالحكومة القائمة يعتبر عداء للدولة".
إلا أن اللقاء بين حمدوك و"حميدتي" أعاد فتح الباب أمام تكهنات قديمة.
وتوضح خير لـ"فرانس برس" أن "الشائعات حول وجود صلة بين قوى الحرية والتغيير وحميدتي، والتي كانت منتشرة
حتى قبل الحرب، زادت الآن بسبب مشهد الاجتماع بين حمدوك ودقلو بغياب البرهان".
وفي مقاطع فيديو نشرت على منصات
التواصل لاجتماع أديس أبابا، شوهد حمدوك وغيره من السياسيين وهم يصطفون لمصافحة
دقلو. وتقول خير: "ظهر حميدتي خلال الاجتماع وكأنه هو المسؤول".
وكانت الهيئة التنسيقية للقوى
الديمقراطية المدنية نشأت من كتلة المعارضة الرئيسية، أي ائتلاف قوى الحرية
والتغيير الذي أدى دورا رئيسيا في الإطاحة بالرئيس عمر البشير. وترى خير أن هذا
التحالف المشكل حديثا لا يزال "ائتلافًا ضعيفًا مكونًا من ائتلافات
ضعيفة"، وقد لا يمتلك القدرة على تغيير الأوضاع.
واتهم نشطاء حمدوك بخيانة المدنيين
لتحقيق مكاسب سياسية. وكتب مستخدم على منصة "إكس"، "هذا هو حميدتي
ذاته الذي اتفق مع (الجيش) لفض الاعتصام وشارك في انقلاب 25 أكتوبر"، في
إشارة إلى الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم في حزيران/ يونيو
2019 للمطالبة بالحكم المدني.
ويستبعد خبير الشؤون الأفريقية في
مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن كاميرون هيودسون أن يلبّي البرهان
حاليا دعوة حمدوك للقائه، خصوصا بعد الإعلان بين الأخير ودقلو.
إلا أنه يرجح أن يكون "هذا هو
القصد تحديدا (من الطرفين)، لأنه (عدم لقاء البرهان بحمدوك) سيجعل الجيش يبدو
معارضا للسلام ويصور حميدتي على أنه الطرف الأكثر عقلانية ومسؤولية".
ويرى دي فال أن حمدوك ارتكب
"خطأ دبلوماسيا" فادحا بالظهور مع "الدعم السريع" وبعيدا عن الجيش.
من جهته، يعتبر ديهي أن الجيش أصبح
"معزولا أكثر فأكثر"، وأن ما تكبدته القوات المسلحة من خسائر في الميدان
أبعد عنها حلفاء أقوياء مثل القاهرة.
ويضيف أنه بات في مقدور دقلو الآن
"بدء المفاوضات من موقع قوة"، محذّرا من أن عزل البرهان بشكل إضافي
"سيؤدي حصرا إلى تعقيد الوضع وتوفير مزيد من الوقت والمجال لاستمرار القتال".