أجمع خبراء قانونيون ومحامون وبرلمانيون دوليون
على أن ما تمارسه إسرائيل في قطاع
غزة للشهر الرابع على التوالي، يمثل إبادة
جماعية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وجرائم
حرب وجرائم ضد الإنسانية يجب توحيد
الصفوف من أجل وقفها.
جاء ذلك في
ندوة قانونية عقدتها المنظمة
العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا أول أمس الخميس 18 كانون الثاني/ يناير 2024، بعنوان
"كيف يمكن دعم قضية جنوب أفريقيا ضد
الاحتلال الإسرائيلي في محكمة العدل
الدولية؟".
وشارك في الندوة فرانسيس بويل، الخبير في
القانون الدولي، والنائبة في البرلمان البريطاني كلاوديا ويب، بالإضافة إلى مات
كارثي وريتشارد بويد باريت الأعضاء في البرلمان الإيرلندي، كما حضر الندوة أيضا
مصطفى كايا عضو البرلمان التركي، ومدير مؤسسة الحق شعوان جبارين، والمحامية
السابقة في المحكمة الجنائية الدولية ديالا شحادة، وميشيل بيراس العضو السابق في
البرلمان الإيطالي، وهوارد لي تشوان العضو في البرلمان الماليزي، والدكتور رالف
وايلد الأكاديمي والخبير في القانون الدولي العام.
تناول المتحدثون الأسس القانونية لمحاسبة
إسرائيل في القضية المقامة ضدها من دولة جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية
بتهمة الإبادة الجماعية ضد غزة، وصولاً إلى دور البرلمانات المختلفة في الضغط على
حكوماتها للانضمام إلى القضية، كما تناول النقاش الأزمة الإنسانية في غزة، وأهمية
توثيق وتقديم الأدلة على انتهاكات حقوق الإنسان التي تحصل هناك، والسبل القانونية
للدفاع عن ضحايا الإبادة.
في كلمتها أكدت العضو في البرلمان
البريطاني كلاوديا ويب، على ضرورة توافق أفعال المملكة المتحدة مع إرادة الناخبين
والمساهمة الفاعلة لحل الكارثة الحاصلة في قطاع غزة، وقد وصفت الوضع الحالي قائلة:
"إن النظام السياسي في المملكة المتحدة يتعارض مباشرة مع إرادة الناخبين..
فالمملكة المتحدة تتحمل مسؤولية خاصة وواضحة للقيام بكل ما في وسعها لحل الكارثة
في غزة وإنهاء المجازر والتهجير القسري الذي طال مليوني شخص".
وأضافت: "هتاف الجماهير في المملكة
المتحدة واضح وصريح، وأنا أقف إلى جانب نضال وصمود الشعب
الفلسطيني، كما سأستمر في
بذل الجهد والسعي لتغيير السلبيات ودعم الإيجابيات، فما يجري هو حرب ضد الإنسانية،
وأعتقد بأن الأشخاص الذين يخرجون إلى الشوارع أسبوعيا في المملكة المتحدة هم على
الجانب الصحيح".
في كلمته أشاد مات كارثي العضو في البرلمان
الإيرلندي، بجنوب أفريقيا لتقديمها هذه القضية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية،
قائلاً: "بتقديم القضية ضد إسرائيل إلى المحكمة الدولية، قدمت حكومة جنوب
أفريقيا خدمة عظيمة للإنسانية"، ولفت كارثي إلى طبيعة القضية المقدمة من قبل
الفريق القانوني الجنوب أفريقي، مؤكدًا: "إن القضية التي تم تقديمها ضد
إسرائيل من قبل الفريق القانوني الجنوب أفريقي كانت مقنعة تمامًا... وإن إسرائيل
تنتهك القانون الدولي بشكل صارخ، وأعتقد أن إسرائيل تنتهك اتفاقية الإبادة الجماعية."
وشدد كارثي على ضرورة التصرف الفوري من قبل
إيرلندا ودول أخرى تشاركها الرؤى، قائلاً: "حان الوقت لإيرلندا وللدول
المتشابهة الرؤية والتي تفخر بأن لديها نهجا متسقا تجاه القانون الدولي، للتصرف
الآن، والدفاع عن القانون الدولي وقانون الإنسانية الدولي وميثاق الأمم
المتحدة"، وأبرزت تصريحات كارثي
أهمية الالتزام بالقانون الدولي ودعم قضية جنوب أفريقيا كوسيلة لمحاسبة إسرائيل
على انتهاكاتها.
ريتشارد بويد باريت عضو البرلمان الإيرلندي
ناقش الأزمة الإنسانية في غزة بشكل أعمق وتطرق إلى دور البرلمان الإيرلندي في
الدفاع عن حقوق الإنسان الدولية، حيث قال: "إسرائيل ليست دولة عادية؛ إسرائيل
هي دولة بنيت على التطهير العرقي والاحتلال، وإن المجزرة التي نشاهدها الآن هي
نتيجة منطقية لمرحلة بُنيت على هذا النوع من النظام الوحشي وغير المتحضر"،
وأكد في تصريحاته على اعتقاده الراسخ بأن "العنف الجاري في غزة هو نتيجة
مباشرة لنظام غير متحضر ووحشي يستند إلى التطهير العرقي".
وشدد باريت على قوة حجة الفريق القانوني
الجنوب أفريقي، مؤكدًا: "قدم الفريق الجنوب أفريقي أدلّة دامغة لا يمكن
تجاوزها على الإبادة الجماعية, وإن أي شخص يستمع إلى الفريق القانوني الجنوب
أفريقي يعرف بوضوح أن إسرائيل قامت بكل الأعمال المعرفة بأنها إبادة جماعية في
اتفاقية الإبادة الجماعية".
في كلمته أكد مصطفى كايا، عضو في البرلمان
التركي، على ما سبق قائلاً: "يجب زيادة القضايا ضد إسرائيل. حيث يتوجب إدانتها
كدولة إبادة. ويجب أن يرى العالم كله ذلك. وإن جنوب أفريقيا ليست وحدها, بل نحن
بحاجة إلى توحيد جهودنا ضد جرائم إسرائيل". مشددا على ضرورة زيادة الوعي على
الصعيد العالمي والدعوة لاتخاذ إجراء جماعي ضد الجرائم التي ترتكبها إسرائيل.
بالإضافة إلى ذلك، أكد كايا على أن الوضع
حرج جداً، قائلاً: "نظرًا لأن الإبادة الجماعية يمكن أن تجر منطقتنا بأكملها
وحتى البشرية إلى كارثة كبرى، ويجب اتخاذ خطوات عاجلة لتخفيف المعاناة في غزة ومن
أجل مستقبل مناطقنا".
ثم عبر كايا عن أمله في تغيير النظرة تجاه
إسرائيل بسبب أعمالها المستمرة من العنف. قائلا: "باستمرار الإبادة الجماعية
وقتل الأبرياء تفقد إسرائيل التعاطف معها، وأتمنى شخصيًا أن يتمكن الفلسطينيون في
المستقبل القريب من تحقيق موقف يمكنهم فيه إقامة دولتهم المستقلة كما يرسمون تعاطف
العالم بأسره".
وأثنى شعوان جبارين، مدير مؤسسة الحق، على
موقف جنوب أفريقيا الذي وصفه بالشجاع والدال على وفائها بالتزاماتها بموجب اتفاقية
الإبادة الجماعية. وأعرب عن تقديره العميق لالتزام جنوب أفريقيا بأداء واجباتها
القانونية.
وصرح جبارين قائلاً: "إن تصرف جنوب
أفريقيا شجاع ومحترم بشدة. وهو خطوة عبرت جنوب أفريقيا من خلالها عن احترامها
لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية".
وبالنسبة للوضع في قطاع غزة، أكد جبارين
بقوة أن حجم وشدة الجرائم المرتكبة تمثل مستوى فظيعا لم يشهده من قبل. وأكد هذا
قائلاً: "ما يحدث الآن في قطاع غزة ليس له سابقة من حيث كم الجرائم
المرتكبة... هذا يجعلنا نؤكد بقوة أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية".
ومن خلال الإشارة إلى إسرائيل بأنها
"دولة خارجة عن القانون"، نقلت ديالا شحادة، المحامية السابقة في
المحكمة الجنائية الدولية، اعتقادها بأن انتهاكات إسرائيل المستمرة للقانون الدولي
وقرارات الأمم المتحدة تضعها خارج حدود الأعراف والمبادئ المقبولة، حيث قالت
شحادة: "يجب اعتبار إسرائيل دولة خارجة عن القانون، لأنها من أكثر الدول التي
انتهكت قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة".
وعبر ميشيل بيراس، النائب السابق في
البرلمان الإيطالي، عن استيائه من السرد السائد، قائلاً: "كفى نفاقًا! توقفوا
عن تسمية نظام الفصل العنصري ديمقراطية, واحتلال الأراضي الأجنبية دفاعا عن النفس.
إذا كنتم تريدون السلام، فاعملوا من أجل السلام؛ وإذا كنتم تريدون العدالة،
فتعاملوا بعدالة. ليس هناك طريق ثالث".
وأضاف بيراس: "من الواضح أننا نواجه
حالة تطهير عرقي كنتيجة مباشرة لسياسة الاحتلال المستمرة والتقاعس الدولي في
التدخل الفعال". ولفت بيانه الانتباه إلى عواقب سياسة الاحتلال، مؤكدا على
عملية التطهير العرقي، منتقدا عدم وجود تحرك دولي فعال لمعالجة هذه القضية.
وفي مشاركته حث هوارد لي تشوان، عضو
البرلمان الماليزي، محكمة العدل الدولية على لعب دور حاسم في تحقيق العدالة وكشف
الحقيقة الكامنة وراء الدعاية التي تبثها إسرائيل وحلفاؤها، وشدد على أهمية تنفيذ
الإجراءات الاقتصادية والإجراءات القانونية لمحاسبة إسرائيل على أفعالها.
وأكد لي تشوان: "إننا ندعو محكمة العدل
الدولية إلى أن تكون بوتقة للعدالة، وتساعد محكمة العدل الدولية على القيام
بواجبها المتمثل في تفكيك الدعاية التي تنشرها إسرائيل وحلفاؤها. وهذا سيكشف
النقاب عن الحقيقة المروعة، التي لم تكتب بالحبر وإنما بدماء الفلسطينيين الأبرياء".
ولفت الدكتور رالف وايلد، الأكاديمي وخبير
القانون العام، إلى وجود قضيتين أمام محكمة العدل الدولية حالياً قائلا: "هناك
في الواقع قضيتان أمام محكمة العدل الدولية، إحداهما قضية الإبادة الجماعية التي
رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، والتي تمت الإشارة إليها حتى الآن. والقضية
الثانية لا تشمل فقط انتهاكًا محددًا للقانون الدولي من خلال ارتكاب جرائم
الإبادة الجماعية، ولكن نطاق أوسع بكثير من القضايا. فأنا أشكك على وجه التحديد في
الأسس القانونية لممارسة إسرائيل السلطة العسكرية ليس فقط على قطاع غزة الفلسطيني
ولكن أيضًا على الضفة الغربية الفلسطينية".
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يشن
الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة خلّفت حتى السبت 24 ألفا و927 شهيدا، و62
ألفا و388 مصابا، وكارثة إنسانية وصحية، وتسببت في نزوح نحو 1.9 ملايين شخص، أي
أكثر من 85 بالمئة من سكان القطاع، بحسب سلطات القطاع والأمم المتحدة.