شدد الأمين العام لمجلس مسلمي أوروبا، سمير فالح، على أن الموقف الألماني الداعم لدولة الاحتلال التي تشن عدوانا دمويا على قطاع
غزة، جاء نتيجة كون ألمانيا مدينة لليهود تاريخيا، موضحا أن الدولة الأوروبية قدمت الدَّين التاريخي على المبدأ الإنساني.
وقال فالح في حديث خاص مع "عربي21" على هامش مؤتمر أقامه "مجلس مسلمي أوروبا" في مدينة إسطنبول التركية، إن "الموقف الألماني تجاه قضية غزة والحصار والضحايا المدنيين بالدرجة الأولى قدم العلاقة التاريخية بينه وبين الكيان المحتل".
وأضاف أن البعد الإنساني كان حاضرا في موقف ألمانيا تجاه موضوع الهجرة السورية قبل سنوات ما دفعها إلى تبني قرارات إنسانية رغم المعارضة الداخلية، فيما غاب مثل هذا الموقف عن القضية الفلسطينية بسبب الدين التاريخي.
في الوقت ذاته، لفت فالح إلى وقوع تغييرات في الموقف الألماني بعد شهور من الحرب تختلف تماما عما كان عليه الوضع في الأيام الأولى من الحرب، موضحا أن هناك أصواتا ألمانية رسمية تدعو ولو بصوت خافت إلى إنهاء هذه الحرب أو على الأقل أن يكون هناك هدنة إنسانية.
وفي سؤال وجهته "عربي21" حول إمكانية أن تتسبب المواقف الشعبية المعارضة للعدوان في ألمانيا بتهديد السلم المجتمعي، شدد أمين عام مجلس مسلمي أوروبا على أن الوجود المسلم هو الأكثر حضورا في مثل هذه الفعاليات والتحركات، وهذا الوجود أخذ عهدا على نفسه بأن يتحرك ضمن إطار القانون.
ونوه فالح إلى دور الجيل الجديد والشباب في التحركات الشعبية الرافضة للحرب الإسرائيلي المتواصلة على قطاع غزة، مشيرا إلى أن هذا الجيل تحرر من سيطرة الإعلام الرسمي والرأي الواحد الموجه بفضل مواقع التواصل الاجتماعي.
وحول دور المجلس في دعم الشعب الفلسطيني في ظل العدوان المتواصل، قال فالح إن مجلس مسلمي أوروبا ساند الكثير من التحركات الداعمة للقضية الفلسطينية على المستوى الشعبي، وعلى المستوى القانوني، وعلى المستوى السياسي وعلى المستوى الإغاثي.
وشدد على أن الوجود المسلم في أوروبا معني بالقضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن "لهذه القضية بعدا إنسانيا ما يحتم علينا التحرك في داخل الوجود المسلم وخارجه من أجل التعريف بالقضية وإسنادها"، بحسب تعبيره.
وتاليا نص اللقاء كاملا:
خلال الأزمة في سوريا كان لألمانيا في عهد المستشارة أنغيلا ميركل موقف مشرف تجاه قضية اللاجئين، لماذا غاب مثل هذا الموقف عن ما يحدث من جرائم في قطاع غزة؟
في موضوع الهجرة السورية كان الحاضر بدرجة أولى هو الموقف الإنساني، الذي كان محركا في هذا الملف نحو تبني موقف إنساني رغم المعارضة الداخلية، إلا أن الحكومة الألمانية حينها قدمت المبدأ الإنساني على كل الحسابات الداخلية أو السياسية.
القراءة الآن للموقف الألماني تجاه قضية غزة وقضية الحصار بالدرجة الأولى والضحايا المدنيين، أن الموقف الألماني والأوروبي على فكرة، الكثير من الموقف الأوروبي، قدم العلاقة التاريخية بينه وبين الكيان المحتل. هذه العلاقة كانت في المقدمة وهي التي حكمت هذا الموقف.
لأن هذه العلاقة التاريخية التي تجعل ألمانيا مدينة لليهود عموما ثم يتبنون هذا الموقف بقطع النظر عن حجم الأزمة وحجم المأساة في غزة جراء الحصار وجراء الحرب على غزة.
ولكن الآن أصبحت هناك أصوات في ألمانيا بعد استمرار هذه الحالة، حالة الحصار وحالة الحرب والحالة الإنسانية الصارخة، أصبحت المواقف تتغير نوعا ما، ورأينا وزيرة الخارجية في تصريحاتها الأخيرة مقارنة بتصريحاتها في البداية، الآن أصبحت تتكلم عن الحالة الإنسانية وأصبحت تتكلم عن أنه لماذا كل هذا الحجم من الضحايا ومن الدمار، وتدعو ولو بصوت خافت إلى إنهاء هذه الحرب أو على الأقل أن يكون هناك هدنة إنسانية.
إذا كان هناك شعور بالذنب لدى ألمانيا، فهل يبرر ذلك التواطؤ مع جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان بحق الشعب الفلسطيني؟
هذه هي النقطة وهذه هي العقدة، هذا لا يبرر ولكن بعض السياسيين تخونهم الشجاعة في مثل هذه المواقف ويغلبون الموقف التاريخي والارتباط أو الدَّين إن صح التعبير، الدين الألماني، يغلبونه على أن يكون لهم موقف إنساني واضح وعادل من القضية.
ولكن في موقف الشارع، ليست هناك مقاييس واضحة، ولكن يبدو أن الشارع من خلال التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي ومن خلال حتى المشاركة في بعض الوقفات والمظاهرات ومن خلال بعض الفعاليات المدنية، الشارع لديه رأي مختلف عن رأي السياسيين.
بالحديث عن المواقف الشعبية، هناك تحركات في ألمانيا على الصعيد الشعبي معارضة للعدوان، هل تعتقد أن مثل هذه المواقف من شأنها أن تهدد السلم المجتمعي أو تضر بالوجود المسلم هناك؟
طبعا هذا يخلق توترات في المجتمع ولكن ما أستطيع أن أؤكده أن الوجود المسلم هو الأكثر حضورا في مثل هذه الفعاليات والتحركات، وهذا الوجود أخذ عهدا على نفسه أن يعمل ضمن إطار القانون. ويعرف أن هناك جهات أخرى تترصد خروجه عن القانون حتى تمنع مثل هذه الفعاليات.
وبالتالي هناك التزام بالضوابط والقوانين، وإن كانت ظالمة في بعض الأحيان. ولكن نلتزم بها أو المسلم يلتزم بها، ويدافع عن نفسه في القضاء، وقد كانت هناك عديد من القضايا التي رفعت ضد منع بعض المظاهرات أو الوقفات أو التحركات وربحها أصحابها، لأنه في الأخير القانون هو سيد الموقف وهو الفاصل في هذه النقطة.
من الواضح في التحركات والوقفات المعارضة للحرب الإسرائيلية في ألمانيا ظهور العامل الشبابي بشكل بارز، كما يحصل في العديد من الدول الغربية، هل لدى هذا الجيل شعور أعمق بالعدالة والقيم الإنسانية؟
دعني أقول إن هذا الجيل تحرر نوعا ما من سيطرة الإعلام الرسمي والرأي الواحد الموجه. لأنه يشتغل على مستوى ثان تماما، قضية السوشيال ميديا تجد كلاما مختلفا عما هو عليه الخط الرسمي والإعلام الرسمي.
وبطبيعة أن الشباب هم الذين يتعاملون أكثر مع وسائل التواصل الاجتماعي؛ فهم يتأثرون بها في المقام الأول. ولذلك كمية المعلومات أو الفيديوهات التي تنشر على الميديا، ساهمت في أن هذا الشباب بدأ يطرح عديد الأسئلة حول ماذا يقع في غزة وما يمكن فعله من أجل غزة، ولذلك هم الذين تحركوا وتزعموا مثل هذه الفعاليات، والآن كثير من المظاهرات يقوم بها شباب، هم الذين يدعون لها من خلال شبكات التواصل الاجتماعي وعندهم فاعلية كبيرة.
وهذا الجيل عنده مساحة أوسع في التحرك والعلاقات، لذلك أثره أكبر. نبدأ بالمدرسة. نبدأ بالثانويات. نبدأ بالجامعات بالشركات أو في أماكن عملهم. باعتبار أن لديهم علاقات مع زملائهم في المدرسة أو في الجامعة، فبالتالي هم قبل هذه الأحداث عندهم مساحة تحرك، وقد استفادوا من هذه المساحة وهذه والعلاقات، وتحركوا من خلالها.
ما هي الآليات التي يدعم مجلس مسلمي أوروبا من خلالها الشعب الفلسطيني وقضيته في أوروبا؟
المجلس من خلال مواقفه ومن خلال توجيهه للمسلمين ومن خلال تعاونه مع عديد المنظمات المتخصصة في شأن القضية الفلسطينية. دعم أو ساند الكثير من التحركات على المستوى الشعبي، على المستوى القانوني، على المستوى السياسي وعلى المستوى الإغاثي وهذا أيضا مهم.
ومن حيث الحجم والتأثير، ومع الاعتبار أنه يتحرك في داخل معطيات أو حيثيات قانونية، غير ما هي موجودة عليه في بلاد العالم الإسلامي مثلا، رغم ذلك فهذا الجهد وآثاره كبيرة.
وما ندعو إليه نحن، وقد ذكرناه حتى في بياناتنا، هو إننا نحن كمسلمين وكوجود مسلم معنيون بهذه القضية ولكن هي قضية إنسانية أيضا فلابد أن نتحرك في داخل الوجود المسلم وخارج الوجود المسلم للتعريف بهذه القضية وإسنادها بالطرق القانونية وبالأساليب السياسية والإغاثية.
وهذا تقديري أنه موجود ومتواصل، لو نقيس مثلا بداية الحرب على غزة والآن، التحول الذي طرأ على المواقف الشعبية وبعض المواقف السياسية، هذا من أسبابه الرئيسية يعود للوجود المسلم والتحركات التي قام بها وبيّن من خلالها كثير من الحقائق التي كانت تخفى على الرأي العام أو الطبقة والنخبة السياسية.