لا تعد زعيمة
عادية أو تقليدية، وإن بدت مبتسمة بشكل لافت، فهي من عائلة مثقلة بتاريخ أيرلندا
الشمالية، وتمثل -بحسب الكثيرين- الجيل الجديد في الحزب المنهك من الحرب والصراعات
الطويلة.
لا يوجد فرد من عائلة ميشيل أونيل المولودة عام
1977 في فيرموي، وهي بلدة في مقاطعة كورك، ثاني أهم مدن جمهورية أيرلندا، إلا وله
تجربة مع الجيش الجمهوري الأيرلندي، فوالدها كان سجينا وسياسيا من "الشين
فين" الجناح العسكري للجيش الجمهوري الأيرلندي، فيما غالبية أقاربهم لهم
تجارب مع الصراع الدامي في أيرلندا.
التحقت أونيل
بأكاديمية سانت باتريك للبنات، وهي مدرسة قواعد كاثوليكية في دونجانون، تيرون.
وبدأت بعد ذلك في التدريب كفني محاسبة، واستمرت في التدريب كمستشارة في مجال حقوق
الرعاية الاجتماعية، قبل ممارسة مهنة السياسية.
بدأ اهتمام
أونيل بالسياسة في سن المراهقة، من خلال دعم والدها بواجبات الدوائر الانتخابية في
وظيفته كمستشار مدينة دونجانون.
وفي سن 21
عاما، انضمت إلى حزب "شين فين" بعد اتفاقية "الجمعة العظيمة"
في عام 1998 التي أنهت نزاعا داميا دام ثلاثة عقود في أيرلندا الشمالية بين
الجمهوريين الكاثوليك والوحدويين البروتستانت.
وبدأت العمل
كمستشارة للسياسي الأيرلندي فرانسي مولوي في جمعية أيرلندا الشمالية حتى عام 2005،
ومولوي هو صاحب عبارة "سكان غزة لا يمكن هزيمتهم".
عملت ميشيل في
الحكومة المحلية كعضو في مجلس دونجانون من عام 2005 إلى عام 2010، وشغلت منصب أول
عمدة لمدينة دونجانون وجنوب تيرون من عام 2010 إلى عام 2011.
انتخبت في عام
2007 عضوا في الجمعية التشريعية الثالثة لأيرلندا حتى عام 2011، ثم في الجمعية
التشريعية الرابعة عام 2011 وحتى عام 2016، حيث أصبحت وزيرة للزراعة والتنمية
الريفية ثم وزيرة الصحة.
ويعد استقالة
السياسي المخضرم مارتن ماكغينيس من منصبه كنائب أول للوزير عام 2018، عينت أونيل
نائب رئيس "الشين فين" خلفا لماري لو ماكدونالد التي أصبحت رئيس الحزب
بعد تقاعد الزعيم التاريخي جيري آدامز.
وردا على خروج
بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، دعت إلى التصويت على إعادة توحيد أيرلندا "في أقرب وقت ممكن". وقادت حزبها في
المناقشات بين الأحزاب التي أعقبت الانتخابات، التي كانت تهدف إلى استعادة حكومة
تقاسم السلطة في أيرلندا الشمالية، لكن المحادثات فشلت.
وفي عام 2020، أصبحت أونيل نائب الوزير الأول حتى عام 2022، ولم تمض مدة طويلة حتى أصبحت في
شباط/فبراير الحالي الوزير الأول كأول جمهورية مؤيدة لإعادة توحيد أيرلندا تتولى
رئاسة حكومة أيرلندا الشمالية بعد عودة المؤسسات في المقاطعة إلى العمل.
وكانت قد
تعطلت المؤسسات في أيرلندا الشمالية لمدة عامين؛ بسبب مقاطعة الوحدويين التابعين
لـ"الحزب الوحدوي الديمقراطي" عملها، اعتراضا على الترتيبات التجارية مع
الاتحاد الأوروبي لمرحلة ما بعد "بريكست"، التي اعتبروها تهديدا لمكانة
أيرلندا الشمالية كجزء من المملكة المتحدة.
وفي عام 2022، تصدر حزب "شين فين" القومي الانتخابات المحلية في أيرلندا الشمالية،
محققا تحولا غير مسبوق في تاريخه، بعدما كان في السابق واجهة سياسية للجيش
الجمهوري الأيرلندي، لكن عرقلة "الحزب الوحدوي الديمقراطي" لعمل السلطات
منع ميشيل أونيل من تولي منصبها.
وبموجب اتفاق
عام 1998، لا يستطيع أي من الغريمين السياسيين الحكم دون مشاركة الطرف الآخر، حيث
يترأس الحزب المتصدر رئاسة الحكومة، فيما يتولى خصمه السياسي منصب نائب الوزير
الأول، ويتمتع بصلاحيات مساوية له.
لكن إصرار
"الوحدوي الديمقراطي" على المقاطعة في العامين الماضيين أدخل البلاد في
حالة شلل سياسي.
وبعد أشهر من
المفاوضات مع الحكومة البريطانية، أعلن "الوحدويون" إنهاء المقاطعة التي
أدت إلى شلل البرلمان والسلطة التنفيذية المحلية في أيرلندا الشمالية، حيث يتقاسم
السلطة جمهوريون مؤيدون لإعادة التوحيد مع جمهورية أيرلندا المجاورة، و"الحزب
الوحدوي الديمقراطي" المحافظ المتشدد المؤيد بشدة للانتماء إلى المملكة
المتحدة.
وتحدثت أونيل
أمام أعضاء البرلمان الذين تجمعوا في قصر ستورمونت في أيرلندا الشمالية عن
"يوم تاريخي" و"حقبة جديدة"، وتعهدت بأن يكون البرلمان
"للجميع"، مشددة على أنه "لم يكن من الممكن أن يتخيل جيل
والديها" أن يرأس قومي السلطة التنفيذية المحلية.
كما قالت بشأن
"الاضطرابات" التي خلفت 3500 قتيل إنه "يجب ألّا ننسى أبدا أولئك
الذين فقدوا حياتهم أو أصيبوا وعائلاتهم". وأضافت: "أنا آسفة على كل
الأرواح التي أزهقت خلال النزاع، من دون استثناء"، معربة عن تصميمها على مواصلة
العمل على تحقيق المصالحة. وأكدت أنه "لا يمكننا تغيير الماضي، ولكن يمكننا
بناء مستقبل أفضل".
وفي أول تصريح
صحافي لها خارج إطار الشأن الأيرلندي المحلي، قالت أونيل إن حركة المقاومة
الإسلامية (حماس) ستكون في نهاية المطاف شريكة في عملية السلام بالشرق الأوسط،
ودعت المجتمع الدولي إلى الوقوف صفا واحدا لوقف المجازر الإسرائيلية ضد
الفلسطينيين في قطاع غزة.
وأعربت عن
رفضها تبرير ما تقوم به دولة
الاحتلال بأنه "دفاع عن النفس"، وقالت إن
"البعض يبالغون حين يصفون موقف إسرائيل بأنه دفاع عن النفس، لكن ما يجري من
قصف متواصل يوما بعد يوم ومذابح للشعب الفلسطيني يقول عكس ذلك".
كما أعربت
أونيل خلال مقابلة مع إذاعة "إل بي سي" عن أملها في أن يتم التوصل إلى
اتفاق لوقف إطلاق النار وبدء حوار يفضي إلى حل نهائي يتمثل في قيام دولة فلسطينية
معترف بها، في إطار حل الدولتين الذي يدعمه المجتمع الدولي.
ودعت إلى
"وقف إطلاق النار ووقف المذابح ضد الفلسطينيين الأبرياء"، ووصفت غزة
بأنها "أصبحت مقبرة للأطفال"، وشددت على أن "الحرب على القطاع ينبغي ألّا تكون مقبرة للقانون الدولي".
وتتقاسم ميشيل
أونيل مع رئيسة الحزب، ماري لو ماكدونالد، حب فلسطين، حيث تنتشر صورة لهما على
مواقع التواصل الاجتماعي، تحملان العلم الفلسطيني، كتب فوقها "لتحرير
فلسطين".
ومن منطلق هذا
الصراع، ينحاز "شين فين" تلقائيا إلى القضية الفلسطينية. والشهر الماضي،
كتبت ميشيل أونيل في صحيفة "ذا أيريش نيوز"، أنه "في أيرلندا
الشمالية، وضمن المؤسسات الأوروبية، وعبر كل التزاماتنا الدولية، فإن شين فين سيواصل رفع الصوت عاليا ضد فظاعة حرب الإبادة الحاصلة في غزة، التي هي آخر فصول
تاريخ من القمع ترك تأثيره على أجيال من الفلسطينيين".
وأضافت: "نحن نؤكد أن إسرائيل يجب أن تحاسب على أفعالها".
ميشيل أونيل
أحد الوجوه السياسية البارزة التي سطح نجمها في مرحلة ما بعد إنهاء الصراع المسلح
في أيرلندا الشمالية، ويعد وجودها على رأس السلطة التنفيذية كأول مرة تتولى فيها امرأة هذا المنصب في المقاطعة
البريطانية.
وسيبقى صوتها
الوحدوي يتردد في بلادها على أمل توحيد أيرلندا، وربما في مرحلة لاحقة الانسحاب من
المملكة المتحدة بشكل نهائي.