قال السفير الفلسطيني لدى
الصين، فريز مهداوي، في مقابلة خاصة مع
"عربي21"، إنهم يتطلعون ويتوقعون أن تقوم "بكين بلعب دور مهم في
إعادة إعمار
غزة عقب انتهاء العدوان
الإسرائيلي الحالي"، واصفا الموقف الصيني
تجاه القضية الفلسطينية بأنه "متميز جدا، وتاريخي".
وأضاف: "إزاء حجم الأضرار والتدمير الهائل الذي تتسبب فيه الآلة
العسكرية الإسرائيلية، خاصة في محافظات غزة، فإننا نعول كثيرا على الإسهامات
والمشاركة الصينية المتوقعة في إعادة إعمار البنية التحتية، وبناء المؤسسات الصحية
والخدمية والمرافق الحيوية، خاصة مع ما تتميز به الصين من خبرات وقدرات كبيرة
ومتميزة في سرعة الإنجاز والجودة".
وتابع مهداوي: "الصين لا تبخل علينا مطلقا بتقديم ما لديها من
إمكانيات، بالرغم من كونها ليست دولة مانحة؛ لأنها توضع في مستوى دولة نامية؛ فمع
عظمة الاقتصاد الصيني، وحجم السكان الهائل، لا تُعتبر دولة مقدمة للمنح".
ونوّه إلى أن "الصين قدّمت مساعدات إنسانية للشعب الفلسطيني بشكل
مباشر من خلال إرسال كميات من المستلزمات الطبية والإغاثية بالتنسيق والتعاون مع
الجهات الرسمية في جمهورية مصر العربية عبر معبر رفح، إضافة إلى ما تقدمه بكين من
مساهمات مالية إلى منظمة الأونروا"، مؤكدا أن "المساعدات الصينية
لفلسطين مستمرة في كافة المجالات، سواء على المستوى التعليمي أو الإنساني أو
الاقتصادي".
وأشار إلى أن "اندلاع الحرب في بداية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي
تصادف مع رئاسة الصين لمجلس الأمن لشهر تشرين الأول/ أكتوبر، وهو الأمر الذي دفع
الدبلوماسية الصينية لأخذ زمام المبادرة للعمل المبكر من أجل استصدار موقف أو قرار
أممي لوقف إطلاق النار، إلا أن الفيتو الأمريكي حال دون ذلك".
ورأى مهداوي أن "الموقف الرسمي المُعلن من الجانب الصيني انسجم
تماما مع الموقف العربي والإسلامي، وقد بدا ذلك واضحا خلال زيارة الوفد الوزاري
العربي الإسلامي إلى بكين، ولقاءاته مع وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، ونائب رئيس
جمهورية الصين الشعبية، هان زهنغ".
جهود دبلوماسية صينية
وأكد أن "الصين حرصت على أن يكون موقفها وتصريحات متحدثيها خلال
الأشهر الماضية متمايزة بشكل واضح عن موقف واشنطن المنحاز إلى جانب إسرائيل، وأبدت
تعاطفا قويا مع معاناة الشعب الفلسطيني، وأدانت في المقابل الأعمال العدوانية
الإسرائيلية التي طالت السكان الأبرياء وعمليات القصف والتدمير الشامل التي تجاوزت
بنظر بكين حدود الدفاع عن النفس ورد الفعل على أحداث السابع من تشرين الأول/
أكتوبر".
ولفت إلى أن "الصين بذلت جهودا دبلوماسية مكثفة في أواخر تشرين
الأول/ أكتوبر بقيادة وزير الخارجية السيد وانغ يي لعقد جلسة خاصة لمجلس الأمن في
محاولة ثانية مع نهاية رئاستها الدورية لاستصدار قرار يدعو لوقف النار، إلا أن هذه
المحاولة لم تتكلل بالنجاح بسبب الفيتو الأمريكي مرة أخرى، وهو الأمر الذي استمر
على هذا النحو حتى الآن".
وأوضح السفير الفلسطيني لدى الصين، أن "بكين قامت على الصعيد
القانوني بتقديم مرافعة قانونية قوية وهامة أمام محكمة العدل الدولية تميزت بشكل
استثنائي بالتذكير بحق الشعب الفلسطيني بمقاومة الاحتلال العسكري الأجنبي وبكل
الوسائل استنادا إلى القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة".
وحول جهود محاسبة أمام محكمة العدل الدولية، قال مهداوي: "ما
يجري مؤخرا في لاهاي هو محصلة ونتيجة لجهد دبلوماسي فلسطيني وعربي وإسلامي مكثف،
وحصيلة هذه الجهود -كما نرى- أننا نستمع اليوم للنتائج والمترتبات القانونية التي
تبنى على ما تقترفه إسرائيل بحق شعبنا في غزة، وفي عموم الأراضي المحتلة".
وأضاف: "ما ترتكبه إسرائيل له عواقب في إطار القانون الدولي،
والاتجاه نحو القانون الدولي خطوة في غاية الأهمية، إذا أدركنا أهمية ضغط الرأي
العام العالمي الذي يبدأ من الشوارع في المظاهرات، ثم يصعد إلى مستوى الحكومات، ثم
إلى مستوى المؤسسات الدولية، وعلينا ألا نستهين أبدا بمثل هذه الجهود".
مركزية القضية الفلسطينية
وأردف: "لا تزال السياسة الصينية تؤكد تمسكها بمركزية القضية
الفلسطينية من حيث عدالتها، كما تؤكد دعمها للحل القائم على أساس الدولتين في إطار
حدود الرابع من حزيران/ يونيو عام 1967، كما تدعو إلى عقد مؤتمر دولي فعّال لتحقيق
هذا الحل، وتطالب باعتماد العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة كمنطلق
ضروري للتوصل إلى تسوية عادلة ودائمة".
وأوضح أن "الصين طرحت أكثر من مبادرة من أجل إيقاف العدوان
الإسرائيلي، وأهمها ما يقوم على أساس حل الدولتين المقبول دوليا، وتؤكد دائما أنه
لا يمكن الوصول إلى هدوء في الشرق الأوسط دون حل القضية الفلسطينية، وهي تفضل من
خلال مؤتمرها الدولي أن يكون مؤتمرا شاملا، وفاعلا، والصين حاضرة الآن وبقوة في
الشرق الأوسط".
ورأى أن "العلاقات الصينية الفلسطينية وطيدة وقوية واستراتيجية،
وهي تعود إلى زمن مؤتمر باندونغ المعروف باسم (المؤتمر الآسيوي الأفريقي)، هو أول
اجتماع لدول العالم الثالث عام 1955، وهو الذي شهد عقد لقاء جمع رئيس الوزراء
الصيني آنذاك تشوان لاي مع (مفتي القدس) المرحوم الحاج أمين الحسيني".
وذكر أن "العلاقة بين الجانبين قامت بشكل رسمي ودبلوماسي مع قيام
منظمة التحرير الفلسطينية عام 1965، ووصلت مؤخرا إلى مستوى شراكة استراتيجية خلال
زيارة الدولة التي قام بها الأخ الرئيس محمود عباس إلى بكين خلال شهر حزيران/
يونيو 2023، والتوصل إلى اتفاقيات ومذكرات تفاهم وتعاون في كل المجالات الاقتصادية
والعلمية والثقافية والرياضية".
علاقة شراكة استراتيجية
وقال: "رفع مستوى العلاقات مع الصين إلى مستوى (علاقة شراكة
استراتيجية) أمر هام للغاية؛ فهذا المصطلح من المصطلحات الصينية التي لا تُمنح إلا
لعدد محدود من الدول. في الواقع محور العلاقات العربية الصينية بالأساس هو فلسطين،
وهناك تطور كامل بين الموقف العربي والإسلامي والموقف الصيني، ولو تتبعنا نمط
التصويت الصيني في كل المؤسسات الدولية، فإنه لا يقل مطلقا عن أي دولة إسلامية مثل
تركيا، أو باكستان، أو إندونيسيا، أو أي دولة عربية؛ فهم معنا في كل
الأحوال".
وزاد: "الصين أخذت تاريخيا موقفا متميزا تجاه القضية الفلسطينية؛
فعلى سبيل المثال: سفارة فلسطين في بكين هي أول سفارة نفتتحها على مستوى العالم
بعد سفارتنا في الجزائر؛ فالموقف الصيني التاريخي تجاه القضية ينطلق من دعمها
لقضايا التحرر بشكل عام، وقد استعادت الصين مقعدها في
مجلس الأمن في بداية
السبعينيات من القرن الماضي، وفتحنا سفارتنا في الصين عام 1965 في عهد منظمة
التحرير الفلسطينية، لذا هو موقف سابق لأي دولة أخرى على الإطلاق".
وأشار الدبلوماسي الفلسطيني إلى أنه "لدى الصين سفارة في رام
الله، كما تكفلت الصين ببناء مبنى وزارة الخارجية الفلسطينية القائم في رام الله،
بالإضافة إلى العديد من المشروعات الأخرى".
واستطرد قائلا: "لقد لجأنا في مرحلة التحرر إلى الصين، واستفدنا
من التجربة الصينية، ودرسناها، وكانت تتضمن كل ما نحتاجه خلال المراحل السابقة،
وعندما أعلنا قيام الدولة الفلسطينية كانت الصين الدولة الثانية بعد الجزائر التي
رفعت مستوى التنفيذ إلى مستوى دولة كاملة، وهناك تعاون كامل على جميع
المستويات".
الصين والعالم العربي
كما ذكر أن "علاقة الصين الآن مع العالم العربي علاقة استراتيجية
ووصلت إلى مستوى القمة، ومستوى التبادل التجاري يصل لأكثر من نصف تريليون دولار،
والصين تستورد أكثر من 45% من حاجتها من الطاقة (الغاز والنفط) من الدول العربية،
من دول الخليج بشكل رئيسي، ومن الجزائر وليبيا".
وواصل مهداوي حديثه قائلا: "الصين حاضرة بكثافة من خلال شراكاتها
التي تسهم في البنية التحتية والصناعات للعديد من الدول العربية، والاستثمارات
الصينية موجودة في محور قناة السويس في مصر، وفي الجزائر، وفي كل الدول العربية
دون استثناء وبخاصة دول الخليج العربية ".
وتابع: "ميزة العلاقات الصينية مع العالم العربي أنها لا تميل
إلى مسألة المحاور، وتريد أن تكون علاقتها واضحة مع الجميع؛ فعلاقتها مع إيران،
ومع دول الخليج، ممتازة، والصينيون كانوا الضامنون للتفاهم الإيراني السعودي الذي
حدث في العام الماضي، وكانت هناك قمة صينية عربية استضافتها الرياض العام
الماضي".
وأردف: "الصين حاضرة على المستوى الاقتصادي، والثقافي، لكن ربما
ليست حاضرة على المستوى العسكري والأمني، حتى لا تتصادم أو تتعارض مع الحضور
الأمريكي الطاغي في المنطقة؛ فكلاهما له أولويات مختلفة عن الآخر، لذلك نحن نميل
إلى الشراكة مع الصين، ولا تزال أمريكا مترددة في قبول الدور الصيني، ولكنني أعتقد
أنه سيكون هناك تفاهم صيني أمريكي على هذا المستوى من خلال المنظمات الدولية، لأنه
لا غنى عن دور الشريك الصيني في تحمل الأعباء، سواء في حفظ السلام، أو في إعادة
البناء والتنمية الضرورية في المرحلة القادمة".
انهيار نظام الفصل العنصري
وتابع: "نحن نتذكر كيف انتهى نظام الفصل العنصري تماما في جنوب
أفريقيا نتيجة الضغوط الشعبية والدولية، ونتيجة المقاطعات، والإجراءات القانونية
التي يمكن أن تتخذها الدول، والمجتمعات، وحتى الأفراد، والحكومات، لذا نبني على
هذا النتائج؛ فلا يزال هنالك قانون، وهنالك منظومة دولية، وإسرائيل دولة موجودة
ضمن إطار هذا القانون، وعليها مترتبات والتزامات".
وزاد: "لقد استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن أن تغطي
على الكثير من الجرائم التي تقترفها إسرائيل، ولكن العالم قد ضاق ذرعا بمثل هذه
المعاملة، وليس صحيحا أن نتحدث حول كون القانون ملزما أو غير ملزم؛ فالإشكال في
آليات التنفيذ؛ فحتى يكون هناك إجراء دولي متفق عليه لا بد أن يمر من خلال مجلس
الأمن، ولكن إذا واجهنا «الفيتو» الأمريكي فيمكن تجاوز الأمر بالاتجاه نحو الجمعية
العامة للأمم المتحدة".
وأكمل: "أمام الجمعية العامة الكثير من الخيارات المتاحة؛ فعلى
سبيل المثال: فرض إجراءات عقابية على إسرائيل، وهذه يمكن أن تقوم به الدول دون أي
مانع على الإطلاق؛ فلا يوجد ما يمنع أن تقوم مجموعة من الدول (صغيرة أو كبيرة)
بإجراءات مباشرة تراها مناسبة بموجب قرار يصدر عن الجمعية العامة، وأعتقد أن
الجمعية العامة في غالبيتها العظمى قد اتخذت هذا المنحى، ولكن عندما ترتكز الجمعية
العامة على قرار استشاري صادر من أعلى هيئة قانونية في العالم، وخارج إطار
السياسة، بل وفي إطار القانون الدولي، فعندئذ سيعلم الجميع أننا لا زلنا نعيش في
إطار منظومة دولية محكومة بهذه الهيئات والمؤسسات".
وأضاف مهداوي: "نظام الفصل العنصري قد انهار نتيجة الضغوط،
وعلينا أن نتذكر أن آخر دولة انضمت للمجموعة الدولية من أجل اتخاذ إجراء تجاه نظام
الفصل العنصري كانت الولايات المتحدة الأمريكية، لذا سيبقى الضغط قائما تجاه
الموقف الأمريكي، وهو موقف وحيد في كل الأحوال".
واختتم بقوله إن "هناك مؤشرات إيجابية هامة على وجود تغيير في إطار
الرأي العام الأمريكي داخل الأجيال الشابة، التي باتت تتفهم وتدعم قضية الشعب
الفلسطيني، وتمارس ضغوطا لتغيير السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إسرائيل، ولعل
التصريحات الأخيرة للسيد تشاك شومر، رئيس الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، هي
ثمرة هذا التغيير".