حث
تقرير لمعهد واشنطن الإدارة الأمريكية على بذل مزيد من الجهد لإبطاء الانزلاق الذي
يلوح بالأفق نحو الحرب على الجبهة بين "إسرائيل" ولبنان.
وقال
المعهد في تقرير، أعده ديفيد شينكر الذي شغل سابقا منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون
الشرق الأدنى، إنه بعد ما يقرب من ستة أشهر على بدء حرب غزة، أدركت "إسرائيل"
أن الوضع الذي كان قائماً قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر في جنوب
لبنان لم يعد مقبولاً.
وسواء يتم إنشاء وضع راهن جديد من خلال المفاوضات أو قوة السلاح، فلا بد من أن يتم
التراجع من قبل كلا الطرفَين، والسؤال هو متى وتحت أي ظروف؟
ويوضح
شينكر أن الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة ظلت في حالة نزاع متوسط الحدة منذ السابع
من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ولا تزال المستوطنات الثماني والعشرون التي تم إخلاؤها
قبل أشهر فارغة، حيث مُنع نحو 80 ألف مستوطن من العودة إلى ديارهم وسط تبادل يومي لإطلاق
النار ومخاوف مستمرة من غزو على غرار ذلك الذي قامت به "حماس".
وبحسب
التقرير؛ يطلق
حزب الله النار بشكل رئيسي على المواقع والقواعد العسكرية
الإسرائيلية؛ كما يطلق بشكل دوري الصواريخ والطائرات المسيّرة على المناطق المدنية
الفارغة. ويستهدف الجيش الإسرائيلي البنية التحتية الرئيسية للحزب، ومستودعات الأسلحة
والعناصر التابعة له، لا سيما قوات وحدة "الرضوان" الخاصة التي يقدر عددها
بـ10 آلاف عنصر والتي انتشرت على طول الحدود عندما بدأت الأزمة.
وبصورة
إجمالية، قُتل نحو عشرة جنود إسرائيليين في هذه الاشتباكات، إلى جانب حوالي 300 مقاتل
على الجانب الآخر (وهو عدد يشمل أفراداً من "حزب الله" والمسلحين الفلسطينيين
الذين هاجموا من الأراضي اللبنانية بمباركة الحزب).
وبتقدير
شينكر فإن خطر التصعيد المفاجئ مرتفع، برغم أنهم في طهران ما زالوا يفضلون على ما يبدو
تجنب الحرب الشاملة في الوقت الحالي - وجزئياً للحفاظ على القدرات العسكرية القوية
للحزب، ولكن أيضاً لردع الهجمات الإسرائيلية على إيران نفسها، بما في ذلك ضد البرنامج
النووي المتسارع للنظام. إلا أن استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق واغتيال عدد
من كبار الضباط الإيرانيين يمكن أن يغيّر حسابات طهران بشكل كبير.
ويتناول
التقرير ما يصفه بـ"معضلة إسرائيل" حيث يتعرض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو
لضغوط داخلية متزايدة من أجل تسهيل عودة المستوطنين الذين تم إجلاؤهم في الشمال، خاصة
بعد الاحتجاجات الحاشدة التي جرت هذا الأسبوع ضد حكومته. ولكن لضمان سلامة هؤلاء العائدين،
يقول مسؤولو الجيش الإسرائيليون إن وحدة "الرضوان" التابعة لحزب الله، يجب
أن تبقى على بعد حوالي سبعة إلى عشرة كيلومترات شمال الحدود.
ويختلف هذا المطلب - الذي يعكس المدى التقريبي لصواريخ
"كورنيت" الفتاكة المضادة للدبابات التي يمتلكها "حزب الله" -
حتى عن كيفية توزيع قوات "حزب الله" قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، وبالتالي
سيتطلب إما تنازلاً كبيراً من جانب الحزب أو حملة عسكرية كبيرة ترغمه على التراجع بشكل
دائم. وما يزيد الأمور تعقيداً هو أن "إسرائيل" تأمل في تحقيق هذه الظروف
الجديدة بحلول شهر أيلول/ سبتمبر، وذلك لضمان أن يبدأ الأطفال في الشمال العام الدراسي
الجديد في مستوطناتهم.
منع
نشوب حرب شاملة
ومن
أجل منع نشوب حرب شاملة، تسعى إدارة بايدن، بحسب شينكر، إلى التوسط في وقف إطلاق النار
والتوصل إلى اتفاق أوسع نطاقاً يبقي بموجبه حزب الله جميع قواته على بعد سبعة كيلومترات
من الحدود، وفي المقابل، تنهي "إسرائيل" على الأقل بعض عملياتها الجوية فوق
لبنان، بينما تنشر بيروت 15 ألف جندي من الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني.
ويدعو
هذا الجهد بقيادة المبعوث الأمريكي آموس هوكستين، والرامي إلى تنفيذ بعض جوانب
"القرار 1701"، الطرفين أيضاً إلى بدء نقاشات حول النقاط الحدودية المتنازع
عليها على طول ما يسمى بـ "الخط الأزرق".
ويعتقد
المراقبون أن مثل هذه المفاوضات قد تؤدي على الأرجح إلى تعديلات حدودية تبلغ عدة مئات
من الأمتار لصالح لبنان في المناطق التي تعترف إسرائيل بأنها ذهبت إليها شمال
"الخط الأزرق"؛ ويشمل ذلك إعادة توحيد قرية الغجر المقسمة.
يمكن
لإدارة بايدن أن تحاول تشجيع حزب الله على الإذعان بصورة أكثر من خلال عرض دعم سليمان
فرنجية، مرشح الحزب المفضل لرئاسة الجمهورية في لبنان، وهو المنصب الذي ظل شاغراً منذ
ما يقرب من عامين. لكن في حين أن اختيار الرئيس هو أمر ضروري في النهاية للموافقة على
اتفاق الحدود، فإن دعم فرنجية يشكل مناورة غير حكيمة لن تؤدي إلا إلى تعزيز جهود حزب
الله المتقدمة أساساً للسيطرة على الدولة، بحسب شينكر.
ووفقاً
لبعض التقارير، تحاول واشنطن أيضاً تسهيل الاتفاق من خلال اقتراح ضمان رواتب الجيش
اللبناني وتطوير جنوب لبنان اقتصادياً، كل ذلك على أمل تثبيط المغامرات المستقبلية
لحزب الله ضد "إسرائيل". ومع ذلك، فمن المرجح أن يكون هذا الاحتمال غير مستساغ
لدى "حزب الله"، الذي لطالما سعى إلى منع الاستثمار في لبنان من أجل إبقاء
ناخبيه الشيعة معتمدين على سخائه، على حد زعم شينكر.
وتشكل
الطلعات الجوية الإسرائيلية نقطة شائكة محتملة أخرى. ونظراً لفشل "اليونيفيل"
الكامل في مراقبة امتثال حزب الله لشرط البقاء شمال الليطاني، فإن "إسرائيل"
لا تحبذ الاعتماد على هذه المنظمة بمراقبة ما إذا كانت وحدة "الرضوان" ستبقى
بعيدة عن الحدود.
ويكشف
تقرير المعهد بعض الأفكار قيد الدراسة لتعزيز قوة "اليونيفيل" من خلال وجود
بعثة ألمانية و/أو فرنسية منفصلة للمراقبة على الأرض.
لكن
شينكر يرجح أن الجيش الإسرائيلي سيصر على مواصلة الطلعات الاستطلاعية بطائرات بدون
طيار فوق جنوب لبنان بعد وقف إطلاق النار، ومن غير المرجح أن يوافق حزب الله على هذا
الشرط.
ويرجح
التقرير أنه حتى لو تم التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة وتراجع حزب الله عن التصعيد
رداً على ذلك، فقد تختار "إسرائيل" مواصلة المستوى الحالي من عملياتها في
جنوب لبنان.
ويبدو
أنه منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، أظهرت ضربات الجيش الإسرائيلي في لبنان مستوى عاليا من القدرة الهجومية والدفاعية، والاستهداف الاستخباراتي وجمع المعلومات الاستخبارية،
والاستعداد للمخاطرة التصعيدية. ويبدو أن "إسرائيل" تعمل الآن هناك من دون
قيود تُذكر، مثلما تعاملت مع التهديدات الإيرانية في سوريا طوال عقد من الزمن تقريباً.
ولذلك، قد يستنتج المسؤولون الإسرائيليون أن السماح للجيش الإسرائيلي بممارسة قواعد
الاشتباك الجديدة هذه في جنوب لبنان هو خيار أفضل من وضع ثقتهم في "اليونيفيل"
أو الجيش اللبناني لتقييد وحدة "الرضوان" أو حماية سكان المناطق الحدودية.
ويوصي
التقرير واشنطن بمواصلة الجهود الدبلوماسية لوقف التصعيد في لبنان، لكن دون تقديم تنازلات
بشأن رئاسة الجمهورية اللبنانية. وينبغي لها أيضاً المساهمة في ضمان استعداد "إسرائيل"
لمثل هذا النزاع في المستقبل من خلال تجديد ترسانة "إسرائيل" إذا لزم الأمر،
مع النص على عدم استخدام هذه الأسلحة في الحملة على رفح.
كما
يوصي التقرير واشنطن أن تحاول إشراك سكان جنوب لبنان والاستفادة منهم. وفي هذا الصدد،
يوفر وجود قوات "اليونيفيل" ميزتين فعليتين: زيادة النشاط الاقتصادي وتقليل
فرص التورط في اشتباكات مسلحة مع "إسرائيل". وإذا أرادت المدن الجنوبية جني
هذه الفوائد، فيُتوقع منها أن تطالب بشكل استباقي بمواقع ودوريات تابعة للأمم المتحدة
وترحب بها، حتى عندما يثبت أن عمليات الانتشار هذه تطفلية في بعض الأحيان. وفي أفضل
الأحوال، يعرب السكان المحليون أيضاً عن عدم رغبتهم في التسامح مع نشاط الميليشيات
بطرق أخرى.