مقابلات

غسان أبو ستة يتحدث لـ"عربي21" عن تجربته في غزة وعن بشاعة العدوان (فيديو)

غسان أبو ستة أكد أن اللوبي الصهيوني في بريطانيا يقود ضده "حملة شرسة" على خلفية موقفه من حرب غزة- عربي21
كشف الطبيب البريطاني من أصول فلسطينية، الدكتور غسان أبو ستة، أنه سيعود إلى قطاع غزة مرة أخرى خلال فصل الصيف المقبل، لافتا إلى أنه يقوم بترتيب أموره العائلية الآن ببريطانيا، ويُحضّر لتلك العودة المرتقبة قريبا.

وأوضح، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أنه يتعرض لـ "حملة شرسة وحرب شعواء تقف خلفها وسائل إعلام صهيونية ومنظمات صهيونية؛ فكل أسبوع تقريبا يكتبون مقالا لمهاجمتي خاصة بعدما فزت مؤخرا بانتخابات رئاسة جامعة غلاسكو الاسكتلندية، وهناك مقالات أسبوعية تحاول تشويه سمعتي ويحرّضون طلاب الجامعة من أجل رفض نتائج الانتخابات الأخيرة".

وفي 26 آذار/ مارس الماضي، فاز أبو ستة في الانتخابات التي أجريت على منصب رئيس جامعة غلاسكو بعد حصوله على أكثر من 80% من أصوات الطلاب في الجامعة.


واعتبر الخبير في الجراحة التجميلية والترميمية، هذا الفوز بأنه دليل على أن "التضحيات العظيمة لشعبنا في غزة تعيد رسم خارطة المنطقة بالكامل وتؤثر في الرأي العام العالمي، وهذا مؤشر على بداية انحسار المشروع الصهيوني وتحكمه بالعقل الغربي".

ووصف أبو ستة الوضع في غزة حاليا بأنه "صعب للغاية؛ فالطواقم الطبية أُنهكت نفسيا وجسديا وعاطفيا. لقد فقدنا أكثر من 400 زميل ما بين أطباء ومسعفين، وعدم وجود أي بارقة أمل لانتهاء الحرب يثقل كاهل الطواقم الطبية ويزيد من كارثية الأوضاع".

وإلى نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

ما تقييمكم لمجمل الأوضاع الصحية في غزة اليوم؟


إسرائيل تتبنى في حربها الحالية ضد قطاع غزة مشروعا خطيرا للغاية ألا وهو تدمير القطاع الصحي بالكامل، وقد شارفت على الانتهاء تماما من هذا المشروع بطريقة دائمة، خاصة في أعقاب تدمير مستشفى الشفاء التي كانت تُمثل 30% من القدرة الاستيعابية للقطاع الصحي في غزة؛ حيث أصبحت "الشفاء" حاليا غير قابلة للإصلاح بأي صورة من الصور ويجب هدمها وإعادة بنائها كمستشفى من جديد، فضلا عن تدمير مستشفى ناصر التي كانت تمثل 15% من القدرة الاستيعابية للقطاع، وبالتالي فقد جرى تدمير القطاع الصحي بشكل كامل تقريبا في قطاع غزة.

هل تعتقد أن تدمير مستشفى الشفاء يُمثل النهاية الكاملة للمنظومة الصحية والطبية في غزة؟

نعم بدون أدنى شك؛ فمستشفى الشفاء لا تُمثل فقط 30% من القدرة الاستيعابية للقطاع الصحي بغزة، وليس لأنها أكبر مستشفى في فلسطين، ولكن التخصصات الموجودة بها غير موجودة بأي مكان آخر، ومنها على سبيل المثال جراحة الأعصاب، والعناية المكثفة بأعداد كبيرة، وجراحة الأطفال الخدج، وقسم الحروق، وكل هذه التخصصات للأسف لم تعد موجودة بقطاع غزة، فضلا عن أن أجهزة الرنين المغناطيسي وأجهزة الأشعة المقطعية تم تدميرها بالكامل.

ما أصعب الإصابات التي تعاملت معها خلال فترة وجودك في غزة؟

بالنسبة لي، أصعب الإصابات هي إصابات الأطفال، وكان يأتي إلينا أطفال من كل الأعمار. أنا أذكر طفلا عمره ثمانية أشهر كانت عنده إصابة بالغة في جبهته وتعاملنا مع حالته بصعوبة؛ فإعادة ترميم وجه الأطفال أمر صعب تقنيا وصعب جدا نفسيا، وعمليات البتر التي تُجرى للأطفال هي من أصعب العمليات.

هل لجأت إلى إجراء عمليات بتر دون تخدير؟

للأسف لجأنا إلى ذلك بالفعل في مرحلة ما حينما نفد المخدر بالمستشفى الأهلي المعمداني، حيث كان يجب علينا إجراء عمليات تنظيف جراحية للأطفال الذين بدأ الالتهاب ينتشر في جروحهم فاضطررنا للقيام بالعمليات بدون أي نوع من التخدير وأي نوع من المسكنات، وهذا كان مؤلما للغاية على الأطفال وعلينا في ذات الوقت.

خدمت في غزة خلال الحروب الثلاث السابقة.. فما الفرق بين الحرب الحالية والحروب السابقة؟

أفضل وصف هو الفرق ما بين الفيضان وموجة التسونامي. خدمت أيضا في الحروب بالعراق واليمن وسوريا ولبنان لكن لا شيء يشبه حرب غزة الحالية على الإطلاق، ولأول مرة يتم قصف مستشفى أعمل بها خلال الحرب الحالية.

أثناء وجودك مؤخرا في غزة، هل رصدت قيام إسرائيل باستخدام أسلحة مُحرّمة دوليا؟

لقد جرى استخدام الفسفور الأبيض ضد المدنيين في شمال غزة، وتحديدا في أبراج الكرامة، وأثناء نزوح المدنيين من مخيم الشاطئ تم قصفهم بقنابل الفسفور الأبيض الحارقة، بالإضافة إلى استخدامه أيضا في بعض المناطق جنوب قطاع غزة.

ما الأسباب التي دفعتك لمغادرة قطاع غزة يوم 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي؟

اضطررت لذلك فبعد نفاد أدوية التخدير بمستشفى الأهلي المعمداني انتقلت إلى جنوب قطاع غزة، وآنذاك لم تبدأ إسرائيل بالاستهداف الممنهج للقطاع الصحي في الجنوب بنفس الطريقة التي انتهجتها في شمال غزة، وفي الوقت الذي كان فيه هناك نقص حاد بالمواد الطبية والأدوية لم يكن هناك نقص كبير في الكوادر الطبية سواء من الجراحين والأطباء، ولم يكن هناك ما يكفي من غرف العمليات القادرة على العمل بسبب نفاد الوقود والأدوية والمستهلكات، وبالتالي اضطررت لمغادرة غزة حينها.

هل من الوارد أن تعود إلى غزة مرة أخرى خلال الفترة المقبلة؟

بالطبع سأعود إلى غزة قريبا بدون أدنى شك بإذن الله، وأنا فقط أحاول ترتيب أموري العائلية الآن ببريطانيا، وأحضر للعودة خلال فصل الصيف المقبل.

لماذا داهمت الشرطة البريطانية منزلك أثناء وجودك في غزة؟

أرى أن تلك الخطوة جاءت على خلفية طلب من السلطات الإسرائيلية من أجل التضييق عليّ بسبب نشاطي الإعلامي وليس فقط وجودي في غزة كطبيب؛ فهم أرادوا بعث رسالة مفادها أنه "إذا كنت بغزة فنحن نستطيع الوصول لعائلتك في بريطانيا"، إلا أنهم تراجعوا عن ذلك لاحقا بسبب قدرتي على توكيل محام ومقاضاة الشرطة البريطانية، وبفضل ظهوري على وسائل الإعلام الدولية، وعندما وصلت إلى بريطانيا قدمت شهادتي إلى وحدة جرائم الحرب بسكوتلانديارد التابعة للشرطة البريطانية.

هل هناك تضييقات مما تتعرض له حاليا في بريطانيا؟

أنا أتعرض لحملة شرسة وحرب شعواء تقف خلفها وسائل إعلام صهيونية ومنظمات صهيونية؛ فكل أسبوع تقريبا يكتبون مقالا لمهاجمتي خاصة بعدما فزت مؤخرا بانتخابات رئاسة جامعة غلاسكو الاسكتلندية، وهناك مقالات أسبوعية تحاول تشويه سمعتي ويحرّضون طلاب الجامعة من أجل رفض نتائج الانتخابات الأخيرة، وبالتالي أواجه حملات مختلفة من المنظمات الصهيونية.

كيف استقبلت فوزك في انتخابات جامعة غلاسكو التي ترأسها صاحب الوعد الشهير آرثر جيمس بلفور الذي غيّر مجرى تاريخ الشرق الأوسط؟

هذه النتائج هي دليل على أن التضحيات العظيمة لشعبنا في غزة تعيد رسم خارطة المنطقة بالكامل وتؤثر في الرأي العام العالمي، وحرب الإبادة الإسرائيلية تُحرّك جيلا كاملا من طلاب الجامعات بأمريكا الشمالية، وفوزنا بهذه النتيجة الساحقة (80% من الأصوات) يدل على أن قضية فلسطين أصبحت الآن تتصدر اهتمامات جيل الشباب في جامعات العالم، وهذا الجيل هو الذي يقود العديد من المظاهرات التي تخرج أسبوعيا للتضامن مع غزة، وتأييد نضال الشعب الفلسطيني من أجل نيل الحرية والاستقلال.

ونضالنا كان ولا زال مستمرا منذ وعد بلفور المشؤوم وحتى الآن؛ لأننا نتمسك بأرضنا وهويتنا الفلسطينية، وبلفور هو شخص عنصري معاد للسامية، وكان يرى أن المشروع الصهيوني هو الحل الأنجع لمشكلة اليهود في أوروبا، ورسالة طلاب جامعة غلاسكو هي رفض هذا التاريخ العنصري الكولونيالي البريطاني، وصمود شعبنا وثباته أصبح يلهم جيل الشباب في كل أنحاء العالم، مع العلم أن اللوبي الصهيوني في بريطانيا سعى جاهدا لمنع فوزي في هذه الانتخابات لكنه فشل في نهاية المطاف، وهناك حملة شعواء ضدي الآن بسبب فقدانهم لهذا الموقع، وهذا مؤشر على بداية انحسار المشروع الصهيوني وتحكمه بالعقل الغربي.

هل اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا قوي وذو تأثير فعال؟

طبعا هذا اللوبي يسيطر على قيادات حزبي المحافظين والعمال، ويسيطر على جزء كبير من الإعلام البريطاني. هذا اللوبي يشعر بأن كل الجهود التي بذلها خلال العقود السابقة بدأت تنهار بسبب حرب الإبادة والإجرام غير المسبوق الذي تقوم به القوات الإسرائيلية في غزة، ولأن هناك امتعاضا وغضبا شعبيا بريطانيا من الإجرام الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وخاصة بعد استهداف ومقتل 7 عمال إغاثة يعملون مع منظمة "المطبخ المركزي العالمي" في غزة، ومن بين هؤلاء العمال ثلاثة بريطانيين.

هل تأثرت بشكل أو بآخر بالحملة الشرسة التي تُشنّ ضدك؟

نعم. لأن هذه الحملة من بين أهدافها هو إثقالك بالمصاريف والإجراءات القانونية، وبالفعل هي تثقل كاهلنا مع مرور الوقت، لكنها لم ولن تنال منا ولن توقف مسيرتنا.

قضيت ما يقرب من 30 عاما من العمل في "معالجة" الناجين من الحرب في سوريا واليمن والعراق ولبنان.. فكيف يمكن معالجة الناجين من حرب غزة برأيكم؟

يجب أن تكون هناك حملات منظمة لإدخال مستشفيات ميدانية بأعداد كبيرة إلى قطاع غزة، وإخراج المرضى للعلاج بالخارج؛ فأعداد المصابين هائلة ووزارة الصحة تقول إن هناك نحو 12 ألف جريح بحاجة الآن إلى علاج.

كيف تقيم الدور الذي تقوم به منظمة "أطباء بلا حدود" وغيرها من المنظمات الإنسانية والإغاثية في غزة؟

للأسف هذه المنظمات تعمل تحت السقف الإسرائيلي، والهجوم الإسرائيلي المتعمد على منظمة "المطبخ المركزي العالمي"، وهي منظمة قريبة للإدارة الأمريكية، كان يبعث برسالة إلى كل المنظمات الإنسانية الدولية أن إسرائيل ليس لديها أي خط أحمر، وكما يقولون بالعامية "ما في عندها كبير".

لو تحدثنا عن الحالة النفسية التي يمر بها الأطباء والطواقم الطبية عموما في غزة الآن..

الوضع صعب للغاية؛ فالطواقم الطبية أُنهكت نفسيا وجسديا وعاطفيا. زملاؤنا بغزة تعرضوا لفقدان بيوتهم وعوائلهم، لقد فقدنا أكثر من 400 زميل ما بين أطباء ومسعفين، وعدم وجود أي بارقة أمل لانتهاء الحرب يثقل كاهل الطواقم الطبية ويزيد من كارثية الأوضاع. الناس أُنهكت تماما، وكذلك الطواقم الطبية.

كيف تقيم الموقف البريطاني والأمريكي من العدوان الإسرائيلي على غزة؟

مشروع حرب الإبادة ضد أهل عزة تُمثل فيه إسرائيل رأس جبل الجليد، أما بقية جبل الجليد فهو الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا ودول الناتو. بالطبع لندن وواشنطن شركاء أساسيون بحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني.

لكن هل تلمس أي تغير في الموقف البريطاني والأمريكي من هذا العدوان؟

هناك تحول فقط في الموقف الإعلامي حتى هذه اللحظة، ولكن بريطانيا وأمريكا لم يتوقفا عن إرسال الأسلحة إلى الاحتلال الإسرائيلي، ولم يكن هناك أي حظر لمبيعات الأسلحة لإسرائيل، وبالتالي ليس هناك أي تحول فعلي أو حقيقي أو ملموس بالسياسات الأمريكية والبريطانية تجاه العدوان الإسرائيلي، وإنما هناك تغير إعلامي بفضل الضغط الشعبي والسياسي على الحكومات الغربية بسبب وقوف شعوب العالم مع الشعب الفلسطيني.

هل الأوضاع المأساوية التي تحدث الآن في غزة تفضح ازدواجية معايير وقيم الحضارة الغربية؟

بالطبع هناك ازدواجية معايير مفضوحة جدا، خاصة بعد حرب أوكرانيا عندما تحدث الغرب عن أهمية حقوق الإنسان والقانون الدولي، وحماية المدنيين، وتجريم الانتهاكات، وتجريم الاحتلال، بينما جاءت حرب غزة لتفضح هذا الغرب المنافق والذي هو شريك أساسي بحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني.

كيف يمكن للمجتمع الدولي دعم الجهود الطبية والصحية في غزة؟

يجب وقف الحرب فورا. فكرة أن يكون هناك عمل إغاثي إنساني بالوقت الذي تستمر فيه الحرب هو عبث حقيقي، وبالتالي فلا بد أولا من وقف الحرب في أقرب وقت، ولا بد من السماح للطواقم الطبية والإغاثية بالدخول إلى قطاع غزة من شماله إلى جنوبه، ويجب إعادة بناء القطاع الصحي عن طريق إدخال أعداد كبيرة من المستشفيات الميدانية.