دعا مدير التواصل والمرافعة
في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة
هيومن رايتس ووتش، أحمد بن شمسي، المجتمع الدولي إلى "ممارسة ضغوط جادة وحقيقية على
إسرائيل عبر وقف أو تعليق بيع الأسلحة؛ فهذه هي أنجع طريقة من أجل إجبارها على وقف جرائم
الحرب في
غزة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية".
وفي مقابلة مصورة مع
"عربي21"، أشار "بن شمسي" إلى أن "القضية المرفوعة ضد إسرائيل
في محكمة العدل الدولية ستصل يوما إلى نتيجة وحكم نهائي، وقد يكون لها عواقب وخيمة
على تل أبيب".
وأوضح الحقوقي الدولي،
أن المجزرة التي كشفت عنها منظمة "هيومن رايتس ووتش" مؤخرا في مبنى عمارة
المهندسين وسط قطاع عزة تُمثل "جريمة حرب محتملة"، مُشدّدا على أنهم لم يجدوا
مطلقا أيّة إشارة على أنه كان هناك هدف عسكري في العمارة أو قربها لتبرير مثل هذه الضربة.
وعن أسباب تأخر إصدار
تقرير مجزرة مبنى "عمارة المهندسين"، والتي حدثت في 31 تشرين الأول/ أكتوبر
الماضي، قال: "مثل هذه التحقيقات تستغرق وقتا طويلا؛ فقد قمنا بتحريات عميقة
ودقيقة جدا، ووثقنا الشهادات المؤلمة جدا، وقمنا بمعاينة وتحليل العديد من الصور ومقاطع
الفيديو وصور الأقمار الاصطناعية، وكل هذا يتطلب وقتا طويلا وجهدا كبيرا".
وتاليا نص
المقابلة المصورة مع "عربي21":
ما أبعاد
المجزرة التي كشفت عنها منظمة "هيومن رايتس ووتش" مؤخرا في مبنى عمارة المهندسين
وسط قطاع عزة؟
هذه الحادثة وقعت يوم
31 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أي بعد ثلاثة أسابيع تقريبا من بدء النزاع، وتركز على
ما حدث في مبنى مدني من ستّة طوابق وسط غزة اسمه "عمارة المهندسين". هذا
المبنى عادة ما كان يأوي قبل الحرب 200 شخص تقريبا من عائلات وأطفال ونساء، وقد لجأ
إليه العديد من السكان المحليين في أعقاب اندلاع الحرب؛ لأن هناك قاعة رياضة بالطابق
الأسفل للمبنى، وكان الكثير من اللاجئين ينامون هناك، وبالتالي كانت العمارة مكتظة
جدا بالسكان الذين بلغ عددهم نحو 350 مدنيا، والأطفال كانوا يلعبون كرة القدم أمام
وخلف هذا المبنى في الشارع؛ فلم تكن هناك أي مدارس تعمل بسبب بدء النزاع.
وكان المدنيون مكتظون
في الطابق السفلي بالعمارة لأنهم كانوا يشحنون هواتفهم النقالة، لأن الكهرباء كانت
مقطوعة عن جميع المباني في هذا الحي باستثناء تلك العمارة التي كانت بها مولدات الطاقة
الشمسية، ثم في حوالي الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، وبدون أي سابق إنذار، سقطت
4 قذائف على العمارة الواحدة تلو الأخرى خلال 10 ثواني، ثم انهارت العمارة على كل السكان.
توفي على الأقل 106 من المدنيين، منهم 54 طفلا، وبعض هؤلاء الأطفال كانوا يلعبون حينها
كرة القدم.
والخلاصة الأساسية
هي أننا بحثنا كثيرا لكي نجد ما قد يبرر مثل هذه الضربة الإسرائيلية، وتساءلنا عما
إذا كان هناك هدف عسكري أو هل كان هناك مركز قيادي لكتائب القسام سواء في العمارة أو
بالقرب منها؟، لكننا في الحقيقة لم نجد أي دليل على الإطلاق لوجود أي هدف عسكري يبرر
هذه الضربة، ما يجعلها "جريمة حرب محتملة".
هل تعتقد
أن الأدلة التي جمعتها "هيومن رايتس ووتش" ستُعتمد في المحاكم الدولية أم
لا؟
نتمنى ذلك. بالطبع
نحن لا نتحكم فيما تعتمده المحاكم الدولية، لكننا نعرف أنهم يتتبعون ويرصدون تقاريرنا؛
فعلى سبيل المثال محكمة العدل الدولية في إطار الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد
إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية، اعتمدت واستندت على أحد تقاريرنا، وهو التقرير الذي
نقر فيه بأن إسرائيل تستعمل التجويع كوسيلة حرب، ما يُشكّل جريمة حرب، وبالتالي فقد
اعتمدوا هذا التقرير كما اعتمدوا تقارير أخرى أصدرتها منظمات مختلفة، وهذا كان أحد
الأسباب التي دفعت محكمة العدل الدولية لإصدار أوامر وتدابير مؤقتة ضد إسرائيل، ونحن
نتمنى أن تعتمد المحاكم الدولية التقارير التي نصدرها من وقت لآخر، ومنها تقرير
"عمارة المهندسين"، وعملنا يساهم في تقديم أدلة ووثائق للعدالة الدولية.
والكل كان يعرف أن
سلاح التجويع مُستخدما في غزة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، لكن توثيقه من قِبل منظمة حقوقية
دولية جعل محكمة العدل الدولية تعتمده هذا التقرير لكي تصدر أوامر وتدابير بعينها،
وإن لم تكن إسرائيل تعبأ أو تهتم بذلك في الوقت الراهن، فستهتم بذلك إما عاجلا أم آجلا؛
لأن القانون الدولي لا ينسى، والرأي العام الدولي لا ينسى، والقضية المرفوعة ضد إسرائيل
في محكمة العدل الدولية ستصل يوما إلى نتيجة وحكم نهائي، وقد يكون له عواقب وخيمة على
تل أبيب.
لماذا تأخر
إصدار هذا التقرير رغم أن الجريمة حدثت في 31 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي؟
لأن مثل هذه التحقيقات
تستغرق وقتا طويلا؛ فقد قمنا بتحريات دقيقة جدا، ووثقنا الشهادات المؤلمة جدا؛ فما
بين كانون الثاني/ يناير وآذار/ مارس 2024 تكلمنا مع 16 شخصا من شهود عيان سواء من
الناجين من تلك العمارة أو من الجيران أو الأشخاص الذين تفقدوا الأشلاء البشرية بعد
القصف الإسرائيلي، كما قمنا بمعاينة وتحليل العديد من الصور ومقاطع الفيديو، ومنها
صور أقمار صناعية، وصور فوتوغرافية اُلتقطت في الميدان، وصور أخرى تم نشرها على وسائل
التواصل الاجتماعي بعدما تحققنا من صحتها، وقمنا بعمل تحري عميق جدا، وكل هذا يتطلب
وقتا طويلا وجهدا كبيرا.
وكان من الممكن أن
يأخذ التحقيق وقتا أقل من ذلك لو تمكنا من الوصول المباشر إلى هذا الحي، لكن كما تعرفون
إسرائيل أغلقت جميع المنافذ ولا تسمح بعمل المحققين أو الحقوقيين، ولذلك كان علينا
العمل عن بُعد، وهناك تقنيات وسبل أخرى يمكن اللجوء إليها في هذا العمل، ولذلك أخذنا
الوقت اللازم لكي نحقق جليا في الموضوع، ولكي نصل إلى نتيجة مدعومة بالأدلة الدامغة
التي لا يمكن التشكيك فيها.
هل تواصلتم
مع "إسرائيل" قبل إصدار هذا التقرير؟
بكل تأكيد تواصلنا
مع إسرائيل، وتحديدا مع الجيش الإسرائيلي، وهذه هي منهجية عملنا؛ فعندما نصدر أي تقرير
نتهم فيه أي طرف بارتكاب أي جريمة نتواصل مع الطرف المعني قبل صدور التقرير، ونقول
لهم: "ها هي حججنا وأدلتنا، وهذا ما لدينا.. ما جوابكم؟"، لكنهم لم يردوا
علينا ولم نتلق منهم أي إجابة إلى يومنا هذا.
لماذا لم
تتلقوا أي رد من جيش الاحتلال الإسرائيلي حتى الآن؟
يجب طرح هذا السؤال
على الجيش الإسرائيلي. نحن لا نعرف الجواب.
هل تتوقعون
قيام "إسرائيل" مستقبلا بوقف استهداف المدنيين في غزة؟
نتمنى ذلك، لكننا لا
نتوقع ولا نتنبأ ولا نتكهن بما سيحدث مستقبلا؛ فهذا ليس عملنا، نحن نحقق ونضغط لكي
نصل إلى نتائج، ونتمنى أن يصل ضغطنا، وضغط كل المنظومة الدولية، إلى نتيجة وهي وقف
الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية.
كيف تردون
على اتهامات "إسرائيل" لكم بمحاباة الفلسطينيين وأنكم تتبنون أجندة عدائية واضحة لـ"تل
أبيب"؟
هذه اتهامات باطلة
لا أساس لها. منهجية عملنا واضحة: نحقق في الجرائم المحتملة ثم نشخصها حسب القانون
الدولي. واستهداف المدنيين بدون هدف عسكري هو انتهاك صارخ لقانون الحرب، وقد يُشكّل
جريمة حرب، ونطبق هذا المبدأ على كل الأطراف، ونحن على سبيل المثال قلنا إن استهداف
واختطاف المدنيين الإسرائيليين يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر يُشكّل جريمة حرب، ولو كنّا
منحازين لما قلنا ذلك، لكن ما فعلته حماس لا يبرر على الإطلاق ارتكاب جرائم أخرى مضادة
من طرف إسرائيل، وإلا فسيكون قانون الغاب سيد الموقف، ونحن لا نؤمن بقانون الغاب، بل
بالقانون الدولي الذي هو ركيزتنا الأساسية.
ما خطورة
قيام "إسرائيل" باستخدام سلاح التجويع في حربها على غزة؟
استخدام التجويع كسلاح
هو جريمة حرب، وهذا منصوص عليه في قانون الحرب والقوانين الدولية. تطويق المدن أو عزلها
من الخارج ودفع كل مَن فيها للاستسلام أو الموت جوعا هي وسيلة قديمة للحروب، لكن بعد
الحرب العالمية الثانية اعتمدت المنظومة الدولية قوانين لكي لا تكرر البشاعات والفظاعات
التي كانت تُرتكب منذ زمن طويل، ومن ضمن هذه القوانين وُضع قانون لمنع استهداف المدنيين،
لأن الحرب يجب أن تكون بين المتحاربين فقط ما دام الطرفين لديهما سلاح، وبالتالي فاستهداف
المدنيين هو انتهاك فظيع للقانون الدولي، ناهيك عن استهداف مليوني مدني منهم أطفال
ونساء ورضع لمعاقبة جريمة قام بها قلة قليلة من المقاتلين؛ فهذا يُسمى عقاب جماعي وهو
جريمة حرب حسب القانون الدولي.
لماذا رفضتم
اعتزام واشنطن إنشاء رصيف بحري في غزة لاستقبال المساعدات رغم أن البعض يرى أنه سيخفف
من حدة الجوع في القطاع؟
نحن لم نرفض ذلك، بل
قلنا إنه إجراء غير فعّال وغير عملي، وكنّا ضمن 26 منظمة دولية غير حكومية انتقدت هذا
القرار ووصفناه بأنه مُكلف ومحفوف بالمخاطر، ونقول لواشنطن وكل مَن يقومون بإرسال المساعدات
جوا أو بحرا إنه إذا فعلتم ذلك فهذا يعني ضمنيا أنكم تستسلمون لمنطق إسرائيل الذي يمنع
أو يقوض بشدة وصول المساعدات عبر البر.
ووصول المساعدات الإنسانية
عبر البر هي أنجع وأسهل طريقة، لأن إسرائيل تسيطر على الموقف عسكريا ولديها كامل القدرة
على فتح الحدود، وترك الشاحنات تدخل وتأمين الطرق لمرور الشاحنات، وبالتالي لماذا لا
تفعل تل أبيب ذلك؟
ما أبرز
العوائق التي تحول دون تقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة؟
العوائق كثيرة للأسف؛
فالقصف الإسرائيلي لا زال مستمرا إلى الآن، والعمليات العسكرية البرية تعرقل تحرك حافلات
المساعدات الإنسانية، نظرا لافتقار إلى الضمانات الأمنية، وحتى عندما يتركون الشاحنات
تدخل إلى غزة فليس هذا ضمانة لعدم قصفها؛ فقد رأينا جميعا قصف إسرائيل بعض الشاحنات
التي سمحت سابقا بدخولها.
كما أن الأضرار الواسعة
التي لحقت بالطرق والبنية التحتية تحول دون دخول المساعدات الإنسانية القليلة إلى غزة؛
ففي بعض الأحيان يستحيل الوصول إلى مناطق بعينها لأن الطرق هناك تم تدميرها بالكامل،
رغم أن سكان تلك المناطق بحاجة ماسة للمساعدات، فضلا عن أن انقطاع الاتصالات يُسبّب
مشاكل في هذا الصدد؛ فهذا يؤدي لأزمات بسبب غياب التنسيق بخصوص عملية توزيع المساعدات
التي تتطلب تنسيقا بين جهات مختلفة.
وكذلك يجب أن نذكر
هنا أن القوات الإسرائيلية هاجمت قوافل المساعدات والعاملين فيها، ورأينا جميعا قبل
أيام القصف الإسرائيلي للعاملين في مؤسسة المطبخ المركزي العالمي الخيرية، والذي تحدث
عنه العالم بأسره. الجيش الإسرائيلي يطلق النار كذلك على الأشخاص المتجمعين لتلقي المساعدات،
وهناك فيديوهات توثق هذه الوضعية المأساوية؛ فكل هذا يجعل من وصول المساعدات إلى مَن
يحتاجها أمرا صعبا للغاية.
وإسرائيل استهدفت الكثير
من عمال الإغاثة وموظفي المنظمات الإنسانية الدولية، وقتلت ما يقارب 200 عضوا بالأونروا،
فضلا عن قتل أكثر من 200 عامل إغاثة منذ بداية هذه الحرب، ناهيك عن مقتل تقريبا
100 صحفيين؛ فكل هذه الحوادث تُضاف إلى بعضها البعض، وترسخ صورة عامة بأن إسرائيل دولة
لا تحترم قانون الحرب ولا تحترم النظام الدولي، ونحن نؤكد أنها إن لم تكن تبالي اليوم
فستبالي غدا، وسنواصل عملنا بالتوثيق والفضح.
لماذا ترفض
العواصم الغربية وقف مبيعات الأسلحة لـ"إسرائيل"؟
يجب طرح هذا السؤال
على تلك العواصم الغربية وليس علينا. نحن نضغط بشدة لكي يوقفوا مبيعات الأسلحة لإسرائيل.
برأيكم،
كيف يمكن ممارسة ضغوط حقيقة على "إسرائيل" من أجل إيقاف حربها على غزة؟
وقف أو تعليق بيع الأسلحة
بالنسبة لنا هو أنجع طريقة للضغط على إسرائيل، لأنه إذا لم يتوفر لهم أسلحة وذخائر
سيتوقفون عن الحرب مباشرة، ولذلك نطلب من الحكومات المعنية التي تبيع السلاح لإسرائيل
فرض عقوبات موجّهة وتعليق نقل الأسلحة فورا للضغط على تل أبيب لضمان وصول المساعدات
الإنسانية، لأن هذه القضية هي الأكثر إلحاحا وأهمية.
ولا يجب البحث عن أي
حلول مؤقتة لتلك الأزمة الإنسانية المتفاقمة؛ لأننا نريد حلول دائمة وناجعة وحاسمة
لهذه المأساة، والضغوط الخارجية الجادة على إسرائيل لها جدوى ونتائج، وخاصة تلك الضغوط
التي تمارسها الدول الحليفة لتل أبيب، والتي ندعوها لتعليق نقل الأسلحة فورا إلى إسرائيل.
كيف تقيم
الإجراءات الجارية الآن في المحاكم الدولية من أجل محاسبة "إسرائيل"؟
محكمة العدل الدولية
تقوم بعملها، والبت في تهمة الإبادة الجماعية سيأخذ وقتا طويلا ربما يمتد لسنوات، وهذا
طبيعة عمل محكمة العدل الدولية، لكن قبل أن تصدر حكمها النهائي أصدرت ما سمّوه تدابير
مؤقتة وأوامر مستعجلة لمحاولة تفادي ارتكاب الإبادة الجماعية، ومن ضمن تلك الأوامر
فك الحصار عن غزة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، لكن إسرائيل لم تطبق ولم تستجب
لهذا الأمر أو لغيره من التدابير الأخرى.
وماذا عن
المحكمة الجنائية الدولية؟
لقد أكد المدّعي العام
للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أنهم يحققون الآن في الجرائم الإسرائيلية، ولديهم
ولاية على فلسطين وإسرائيل منذ سنة 2021، وهذه الولاية تنطبق كذلك على الحرب الجارية
الآن، والسيد خان زار إسرائيل قبل نحو شهرين، وأكد أن ما يقع الآن يقع ضمن اختصاصاتهم
وهم يعملون بالفعل على ذلك، لكننا لا نعرف تحديدا كيفية وآليات عملهم، وكم سيستغرق
عملهم، ونتمنى أن يصلوا إلى نتائج في أقرب وقت ممكن.