نشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" مقالا، للصحفي جيريمي بيترز، قال فيه إن "هناك سيناريو يشكل كابوسا بالنسبة للديمقراطيين، وهو أن يقوم المتظاهرون بتعطيل مؤتمرهم في شيكاغو هذا الصيف، وأن يشتبكوا مع الشرطة، ويبدو الأمر وكأن الفوضى تترسخ".
وتابعت بأن هذا الكابوس قد لا يبدو مجرد خيال. مع استمرار تصاعد الاحتجاجات ضد حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة، وخاصة في حرم الجامعات، حيث يستعد الناشطون للتواجد في شيكاغو هذا الصيف، لحضور المؤتمر الوطني الديمقراطي.
"تعيد هذه الفكرة بعض الديمقراطيين إلى عام 1968، عندما طغى الاقتتال الداخلي والعنف على مؤتمرهم، الذي عُقد أيضا في شيكاغو، بين الشرطة والمحتجين المناهضين للحرب" تضيف
الصحيفة نفسها، مشيرة إلى أنه "في ذلك الوقت، كان لدى العديد من الناخبين الذين كانوا يشاهدون نشرات الأخبار المسائية انطباع بأن الحزب لا يستطيع السيطرة على مندوبيه، ناهيك عن بلد كان يتصارع مع حرب لا تحظى بشعبية".
واسترسلت بأن الاحتجاجات على حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة يمكن أن تؤدي إلى تعقيد مؤتمر هذا العام، والرسائل الديمقراطية للرئيس
بايدن، الذي وصفه
الجمهوريون بفارغ الصبر بأنه متسامح للغاية مع الفوضى والاضطراب في المجتمع الأمريكي.
وفي الأسبوع الماضي، عرضت "قناة فوكس نيوز" وغيرها من وسائل الإعلام المحافظة مرارا مظاهرات جعلت البلاد تبدو على حافة الهاوية؛ فيما أرسلت جامعة كولومبيا الشرطة لاعتقال الطلاب في الحرم الجامعي، والمتظاهرون يهتفون "إبادة جماعية" في وجه الرئيس بايدن، في إحدى محطات الحملة الانتخابية، ومتظاهرون يقيدون أنفسهم بالسيارات لعرقلة حركة المرور، ما يسبب اختناقا مروريا.
وقال ديفيد أكسلرود، وهو الخبير الاستراتيجي الديمقراطي ومستشار الرئيس السابق، باراك أوباما: "إن الرسالة الجمهورية بأكملها هي: العالم خارج عن السيطرة وبايدن ليس مسيطرا. وسوف يستغلون أي صور للفوضى لتعزيز هذه الصورة ودعمها".
إلى ذلك، فإن من المؤكد أن هناك اختلافات بين الآن وعام 1968، بدءا بكيفية إدارة المؤتمرات. حيث إنها يتم برمجتها بشكل أكثر إحكاما، مع عدد أقل من التحديات الميدانية، إن وجدت. والولايات المتحدة لديها تاريخ طويل ونابض بالحياة في تبني الاحتجاجات السياسية الصاخبة، لتحقيق غايات مثالية.
لكن مؤتمر عام 1968 طبع الديمقراطيين بإرث يصعب زعزعته. بينما سبق المؤتمر اغتيال روبرت كينيدي، والقس مارتن لوثر كينغ جونيور. وكان هيوبرت همفري، قد فاز بترشيح الحزب الديمقراطي بعد أن قرر الرئيس ليندن جونسون عدم الترشح لعلمه أنه لن يتمكن من الفوز.
كذلك، أدّت الاحتجاجات المناهضة للحرب إلى جعل البلاد على حافة الهاوية. بحلول أواخر الستينيات، كان أغلبية الأمريكيين يعارضون حرب فيتنام. لكن الحركة المناهضة للحرب أبعدت العديد من الناخبين، وقد أصبحت بعض المظاهرات عنيفة.
وقال أستاذ التاريخ والصحافة في جامعة روتجرز، ديفيد غرينبيرغ: "بحلول عام 1968، كانت أغلبية الأمريكيين تعارض الحرب بالفعل، لكنهم كانوا أكثر معارضة للحركة المناهضة للحرب، كان العديد من المتظاهرين المناهضين للحرب سلميين، لكنّ الكثيرين منهم لم يكونوا كذلك".
وخارج قاعة المؤتمر الوطني الديمقراطي، عام 1968، سخر المتظاهرون من الإجراءات. إذ ألقى البعض طلاء أحمر لمحاكاة الدم. واحتل آخرون الطرق الرئيسية لإغلاق حركة المرور، ورشّح حزب الشباب الدولي (Yippies) خنزيرا لمنصب الرئيس.
وعندما أقام المتظاهرون معسكرهم في حديقة محلية، تم استدعاء الشرطة. وهزّ العنف الذي أعقب ذلك البلاد وساعد في نهاية المطاف ريتشارد نيكسون، في الفوز في الانتخابات.
وقال تيموثي نفتالي، وهو أستاذ السياسة العامة في جامعة كولومبيا، إن "ما استخلصه الأمريكيون من مشاهد الشرطة والمتظاهرين الذين يتقاتلون في الشوارع، لم يكن أن العصيان المدني كان جزءا صحيا من الديمقراطية الأمريكية، بل أنهم فاض بهم الكيل".
وأضاف نفتالي: "من المثير للجدل ما إذا كانوا قد حققوا أي شيء آخر غير ضمان إعادة انتخاب ريتشارد نيكسون". مبرزا أن "السيناريو الكابوس بالنسبة للديمقراطيين هو مشهد فوضوي يشبه مؤتمر 1968".
وتساءل أكسلرود، بشكل مازح: "لدينا حركة كبيرة مناهضة للحرب، والكثير من الاضطرابات، ومؤتمر في شيكاغو. فأي شيء غير مرغوب يمكن أن يحدث؟".
لعدة أشهر، قاطع المتظاهرون أحداث الحملة الانتخابية لبايدن، وغيره من الديمقراطيين. لقد ألصقوا أيديهم بحائط وعطلوا الخطب، بما في ذلك مرة في حفل جمع تبرعات رفيع المستوى للرئيس في قاعة راديو سيتي للموسيقى، في مانهاتن، الشهر الماضي. وفي مرحلة ما خلال ذلك الحدث، تحدّى أوباما أحد المقاطعين، قائلا: "لا يمكنك أن تتحدث فقط ولا تستمع". فتلقى جولة من التصفيق الحار.
ولم يخجل دونالد
ترامب أبدا من تصوير خصومه السياسيين على أنهم يدللون المتظاهرين الجامحين. خلال حملة عام 2020، حاول ترامب أن يضع نفسه ضمن تقليد الجمهوريين مثل نيكسون، الذين دافعوا عن أنفسهم باعتبارهم حراس القانون والنظام. حتى إن ترامب أعلن نفسه "رئيسك للقانون والنظام".
وهكذا يقوم ترامب بتقليد الرئيس السابق، رونالد ريغان، الذي أمر الحرس الوطني عندما كان حاكما لولاية كاليفورنيا في عام 1969 بتفريق المتظاهرين الطلاب في جامعة كاليفورنيا في بيركلي. وأدى ذلك الحدث، الذي أصبح يعرف باسم "الخميس الدامي"، إلى اعتقال أكثر من ألف شخص مع دخول نحو ألفين من رجال الحرس. وارتفعت أسهم ريغان السياسية.
ولكن ما نجح مع ريغان قد لا ينجح مع الجمهوريين اليوم، ولو فقط بسبب دعم ترامب لمثيري الشغب الذين هاجموا مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني/ يناير 2021. فيما قال نفتالي: "ذلك شوّش بالفعل ما كان الجمهوريون معروفين به".