أعلنت السلطات الفرنسية، قبل أيام، عن تشكيل لجنة للتحقيق في "وجود
الإسلام السياسي في
فرنسا، وتعقب أدواره ونفوذه وأنشطته عمليا ونظريا، وتحديد مدى تأثير
جماعة الإخوان المسلمين في البلاد، وإعداد تقرير شامل حول هذا الأمر"، وذلك في
إطار جهود الحكومة الفرنسية لمكافحة ما تصفه بـ "الانفصالية الإسلامية".
وقالت وزارة الداخلية
الفرنسية، في بيان لها، إنه جرى تكليف الدبلوماسي المتقاعد فرانسوا غوييت، الذي كان
سفيرا في أكثر من دولة عربية منها
الإمارات وتونس وليبيا والجزائر، برئاسة هذه
اللجنة التي أثارت جدلا واسعا في الأوساط المسلمة بفرنسا.
وهذه الخطوة
الرسمية هي الأولى من نوعها في فرنسا، وربما تؤدي نتائجها -بحسب مراقبين- لفرض
سياسات جديدة على المسلمين في فرنسا، وقد تؤدي إلى مزيد من الإجراءات للتضييق على
المسلمين وأنشطتهم بزعم مكافحة "النزعة الانفصالية" التي تحدث عنها
الرئيس الفرنسي، إيمانويل
ماكرون، في خطاب شهير عام 2020، وأعقبه اتخاذ إجراءات ضد ما سمّاه
بـ"التأثيرات الأجنبية" على الإسلام في فرنسا بدءا من الأئمة الأجانب ووصولا
إلى تمويل المساجد.
وفي تموز/ يوليو
2021، تبنت الجمعية الوطنية في فرنسا (البرلمان) بشكل نهائي مشروع قانون "تعزيز
احترام مبادئ قيم الجمهورية" المثير للجدل، والذي جرى التعريف به أول مرة باسم
"مكافحة الإسلام الانفصالي"، رغم الانتقادات الكبيرة التي واجهها هذا
القانون.
خطوة غريبة
من جهته، قال عضو مجلس إدارة فيدرالية مسلمي فرنسا (اتحاد المنظمات الإسلامية
في فرنسا سابقا)، رئيس الفيدرالية الفرنسية للمدارس الإسلامية الخاصة، مخلوف مامش:
"لقد فوجئنا بالخبر الذي نشرته مؤخرا وسائل إعلام فرنسية حول دعوة رئيس الجمهورية
إلى اجتماع مجلس الدفاع للحديث عن تهديدات الإسلام السياسي ونشاطات جماعة الإخوان المسلمين
ويطلب منه تقريرا مفصلا".
وأكد، في تصريح خاص لـ"عربي21"، أن "هذه الخطوة غريبة؛ فماذا يقصدون بجماعة الإخوان المسلمين؟، هل نشاطات
(فيدرالية مسلمي فرنسا) وكل ما يدور في فلكها؟"، مضيفا أن "الفيدرالية هي جمعية
فرنسية تعمل وفق القوانين الفرنسية وليس عليها أيّ شبهات، وهي تعمل منذ نحو 40
عاما من أجل الإسلام والمسلمين في فرنسا وتحترم بشكل كامل قوانين الجمهورية
الفرنسية، وقراراتها مستقلة ولا علاقة لها بأي جهة أخرى سواء داخل أو خارج
فرنسا".
وشدّد مامش على أن "التضييق على الجمعيات والمراكز والمدارس الإسلامية،
وحتى العاملين في حقل الدعوة الإسلامية يخضعون منذ سنتين لمراقبة شديدة، وهذا أمر
لم يسبق له مثيل من قبل، بالرغم من أن هذه المؤسسات والأفراد الذين يسيرونها معروفون
ولم يُرفع ضدهم أي قضايا. فلماذا هذا التحول في المواقف؟".
تضييقات واتهامات متواصلة
وأشار رئيس الفيدرالية الفرنسية للمدارس الإسلامية الخاصة، إلى أنه
"لا يوجد في فرنسا نشاط تتزعمه جماعة الإخوان المسلمين، متسائلا: "ما المقصود
بالإسلام السياسي الفرنسي، خاصة أن التصريحات الأخيرة لوزير الداخلية لم تحدد الجمعية
المقصودة؟ وبالتالي نحن لا نعرف المُستهدف وأسباب استهدافه".
وتساءل: "لماذا كل هذا التركيز على المسلمين في فرنسا؟ ومتى تنتهي
هذه الشبهات والاتهامات والتضييقات؟ هل يمكن أن يكون هذا طريقا مختصرا لوصم جموع المسلمين
الذين يمارسون دينهم بشكل سلمي باتهامات لا أساس لها من الصحة على الإطلاق؟".
ولفت مامش إلى أن "بعض العنصريين وكارهي الإسلام يستخدمون فزاعة الإخوان
المسلمين أو السلفية أو الإسلام السياسي لمحاولة تأليب الفرنسيين ضد هذه الشريحة
التي هي جزء لا يتجزأ من المجتمع الوطني، وبالتالي فالتمييز ضد ممارسات ملايين المسلمين
ومساجدهم وجمعياتهم ومؤسساتها التعليمية واتحاداتها التمثيلية، وهذا أمر خطير يجب
التصدي له وإيقافه".
واختتم مامش بقوله: "نحن نرفض بشدة أي محاولة لعزل ووصم وتشويه سمعة الإسلام
والمسلمين في فرنسا، وسنتصدى لذلك بشكل واضح، وسنستمر في الدفاع عن الممارسة الحرة
للعبادة الإسلامية ومؤسساتها والجهات الفاعلة فيها بقوة القانون، وبما يضمن احترام
مبادئ العلمانية التي تفصل الدين عن الدولة".
فشل ماكرون الداخلي والخارجي
بدوره، قال الباحث والناشط السياسي حسين جيدل، إن "ماكرون يواصل مواجهة
فشله الداخلي والخارجي من خلال التقاطع الذي بدأه منذ 4 سنوات مع أفكار اليمين المتطرف،
بالتصدي لما يصفه بالنزعة الانفصالية الإسلامية أملا في الحصول على أصوات اليمين والوسط
التي فقدها".
وأضاف، في تصريح خاص لـ"عربي21": "هذا القانون تمليه أيضا أحداث
غزة؛ لأن الحديث عن الإسلاميين والانفصالية الإسلامية وجماعة الإخوان هو محاولة يائسة
للحد من زخم الدعم الذي أظهره جزء كبير من الفرنسيين حيث وصل صداه إلى الجامعات والثانويات؛
فقد أراد ماكرون التذكير بأن دعم غزة هو دعم للإخوان المسلمين الذين تُمثلهَم حماس".
وأشار جيدل إلى أن "اللوبي الصهيوني في فرنسا يمارس ضغطا رهيبا للحد من
تعاطف الرأي العام مع فلسطين ولزيادة الدعم لإسرائيل".
وأكد جيدل أن "هذه الخطوة تُعبّر أيضا عن مخاوف جدية كانت حتى قبل اندلاع
عملية (طوفان الأقصى) لدى البعض مما وصل إليه المسلمون في فرنسا من استقلالية مالية
ونشاط سياسي وثقافي ووصول عشرات الآلاف من المسلمين والمسلمات إلى مناصب سامية ومهمة
سواء في الدولة أو في المجتمع أو في النسيج الاقتصادي، وبات السياسيون يخشون تعاطي
المسلمين مع السياسة، لأن عددهم قد يؤهلهم لأن يكونوا في المستقبل رقما في المعادلة
الانتخابية".
وتابع: "تجد هذه القضية خيوطها في الهجمة الشرسة ضد زعيم اليسار الفرنسي
جان لوك ميلانشون، وهو زعيم حزب (فرنسا الأبية) الذي يُشكّل الفرنسيون من أصول مهاجرة،
خصوصا المسلمين، وعاء انتخابيا كبيرا يمكنه أن يحدث الفارق في الانتخابات الأوروبية
التي ستجرى يوم 6 حزيران/ يونيو المقبل، والتي يمكن أن تعطي ميلانشون دفعا قويا للترشح
لرئاسيات 2027".
وزاد: "لقد أعطى تأييد ميلانشون للقضية الفلسطينية لخصومه فرصة لتلويث
المشهد السياسي، وتغييب القضايا التي تمس يوميات الفرنسي، بمهاجمة المسلمين واللعب
على حبل المخاوف من أخطار وهمية يُشكّلها وجود المسلمين في فرنسا".