أهداف المقال
1- توجيه قناعات وميول القيادة التركية إلى الاهتمام
بمشروع
الهوية الوطنية وأهميته المركزية في إدارة وإصلاح الكثير من الملفات
الأساسية والتحديات التي تواجه
تركيا الآن.
2- تعريف القيادة التركية بأهم الأزمات الخاصة بالهوية
التركية.
3- تقديم أهم الحلول المقترحة لمواجهة أزمة الهوية التركية.
عناصر المقال
1- المقدمة.
2- الأزمات.
3- الحلول والمشاريع المقترحة.
المقدمة المفاهيمية التأسيسية
1- إدارة الصراع مع الخصوم الكبار الذين يمتلكون
تفوقا وقد رسخوا نظما ومعايير وأدوات لترسيخ سيطرتهم على العالم؛ تتطلب حكمة كبيرة
وعميقة في تحديد نوع وتوقيت ومكان العمليات والمعارك المتنوعة التي تتم صناعتها
وإدارتها، مع المحافظة على عدم الاستدراج لعملياتهم ومعاركهم ولا قوانينهم وأدواتهم،
لا بد من الخروج من صندوق الخصم وسحبه لمعارك جديدة عليه ولا يمتلك أدواتها، وخارج
بيئته المعتادة التي يتحكم في مقوماتها ومفاصلها.
إدارة الصراع مع الخصوم الكبار الذين يمتلكون تفوقا وقد رسخوا نظما ومعايير وأدوات لترسيخ سيطرتهم على العالم؛ تتطلب حكمة كبيرة وعميقة في تحديد نوع وتوقيت ومكان العمليات والمعارك المتنوعة التي تتم صناعتها وإدارتها، مع المحافظة على عدم الاستدراج لعملياتهم ومعاركهم ولا قوانينهم وأدواتهم
2- منهج الإسلام في بناء الهوية والدولة الجديدة،
أو استعادة الدولة لهويتها الأصلية وقوتها وتموضعها الريادي، يتعامل بمنطق الحلول
الجذرية العميقة والبدائل الإسلامية الخاصة وليس بمنطق إطفاء الحرائق.
3- النظام العالمي تم تصميمه وتطويره على مقومات ونماذج معيارية غربية خاصة
قامت على فلسفة الكفر والطغيان والاستعمار والاستبداد، بهدف ترسيخ وجوده وقطع
الطريق على صاحب الحق الأصلي المنافس الكبير له المشروع الحضاري الإسلامي (نظام اقتصادي-
نقدي- مالي- ثقافي- تعليم- ثقافة- فن- إعلام- سلاح- سياسة.. الخ)، مما يتطلب نظما
ونماذج معيارية إسلامية بديلة تخرج على هذا النظام وتثبت وجودها، وتتمدد وتكسب
المساحات وتسترد حقوقها ومكانتها الريادية (نموذج بديل عن نموذج وليس مشتركا معه).
4- النظام العالمي بكل مكوناته ينطلق من فلسفة خاصة متمردة على الله تعالى،
كافرة بمنهج الله، لها عقيدة وفلسفة خاصة لا يمكن التلاقي معها، ولا بد من
المحافظة على الاستقلال والتمايز والإعلان الإيماني والمفاصلة معه.
5- المشروع الإسلامي يحتاج إلى مجتمع إسلامي واع بمشروعه ومعتز به وعلى استعداد
للتضحية من أجله، ولا يقوم على من يحمله لكونه الأكثر نفعا، ولا ليتاجر أو ينتفع
منه، ولا لمن لا يمتلكون الوعي ولا الإيمان به، ويُتصور توظيفهم لتحقيقه.
6- المجتمع والدولة الإسلامية لا
يقبلان إلا البداية الصحيحة والمسار الصحيح والوسائل والأدوات الصحيحة ولذلك يبدأ
صغيرا جدا ولكنه بصحته ينطلق سريعا، ففي أقل من ربع قرن انطلق المشروع من الصفر
إلى العالمية، فما بالنا بعد 22 عاما في السلطة وقد عظمت الإنجازات المادية ولم
يتغير شيء في واقع المجتمع المُعلمن.
7- فكرة الانتماء للأمة الإسلامية
الواحدة (للهلال) وتقدم الولاء للعقيدة على الولاء للقومية كجزء من العقيدة الإسلامية،
ودورها في الولاء والدعم الفردي والجماعي من المسلمين من كافة القوميات للمشروع الإسلامي.
8- سنة وقانون الله تعالى أن
صراع الشيطان مع الإنسان دائم وجوهره صراع الحق والباطل، الإيمان والكفر، ومن ثم فالعلاقة
بين منهج الإسلام وغيره من المناهج علاقة حق وباطل، وتدافع وصراع دائم، ويعيش
العالم كله حربا دائمة تنقسم إلى عمليات متنوعة المجالات الثقافية والهوياتية والاقتصادية
والسياسية.. الخ، وتنقسم العمليات إلى معارك. وادعاء الوصول إلى والمحافظة على
السلم والأمن والاستقرار العالمي إنما هو ادعاء خادع؛ لإبقاء العالم على ما هو
عليه من سيادة إمبريالية للغرب الظالم على العالم.
9- القيم والهوية ليست
مسألة ثانوية أو ذات أولوية ثانية متأخرة في بناء الدولة، بل هي الأساس
العقدي والمفاهيمي الذي أسس الرسول صلى الله عليه وسلم عليه بناء المجتمع المسلم
الجديد لتحقيق التغيير الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي. أما بشأن تأخير معالجة
ظاهرة الأصنام حول الكعبة والتحلل الخُلقي لدى قريش فتمت مواجهتهما باستراتيجية المجتمع
الإسلامي البديل الجديد القوي الجارف، والتمكين القيمي والهوياتي بسيادة قانون وقوة
الدولة الجديدة.
10- القيم والهوية ليست
مسألة ثقافية ثانوية أو ذات
أولوية متأخرة بعد ملف الاقتصاد والجيش والأمن، بل القيم والهوية تمثل 90 في المئة
من الوعي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وحقيقة الأمر أن القوة السياسية الحقيقية
لنظام الحكم والدولة في قوة الوعي الشعبي، وليست في قوة الحشود وأصوات الانتخاب.
11- الحكومات التقليدية غير
الرسالية تبحث عما يطلبه الشعب وتسعى لتلبيته وإرضائه
قدر الإمكان بهدف كسب أصواته الانتخابية والمحافظة على البقاء في السلطة، بينما تسعى الحكومات الرسالية إلى بناء وتقوية شعبها والارتقاء بإنسانياته
وكرامته وهويته الإسلامية الأصلية، وتعزيز وعيه بذاته الإيمانية ورسالته في الحياة
وبواقعه والعالم من حوله، ومشاركته واستعداده للتضحية والعمل لبناء دولته وأمته
القوية الحرة المستقلة، وفي تعزيز وعي الشعب حل لكل التحديات التي يمكن أن تواجه أي
حكومة في العالم. الحكم بالمطالب الجماهيرية خاطئ، وبالمطالب الجماهيرية غير الواعية
كارثي، والصحيح هو الحكم بالرؤية الرسالية السياسية الواعية التي تقود الشعب لمصالحه الاستراتيجية بوعيه وإرادته ومشاركته لحكومته وصبره على النتائج.
12- هوية تركيا بين أتاتورك
وأردوغان:
- أتاتورك بدعم الغرب
صبغ الهوية الإسلامية لتركيا بالهوية العلمانية في خمس سنوات، وانحرف بمسار الأمة التركية
من الأممية العالمية إلى القُطرية المحلية..
-
أردوغان والعدالة والتنمية
في الحكم منذ 22 عاما ولم يتمكنوا من إحياء الروح العثمانية وحشد المشاركة والدعم
الإسلامي العالمي، وانغلقوا على أنفسهم وتحملوا المسؤولية وحدهم، ولم يتمكنوا حتى
2024 من إزالة الصبغة العلمانية عن تركيا وإعادة الشعب التركي إلى أصوله الإسلامية.
جميع الأزمات أسباب تعقيدها وحلها عند القيادة السياسية والمجتمع: تتعقد بغياب بوصلة ورؤية القيادة السياسية، وبغياب وعي المجتمع وارتيابه وتشككه وارتباكه وتقلب قناعاته وتوجهاته وخياراته المقرونة بالمصلحة الآنية العاجلة، وتُحل برؤية القيادة السياسية ووعي وتعاون المجتمع، وأدوات كل ذلك مشروع الهوية الوطنية الإسلامية
13- جميع الأزمات أسباب تعقيدها وحلها عند
القيادة السياسية والمجتمع: تتعقد بغياب بوصلة ورؤية القيادة السياسية، وبغياب وعي
المجتمع وارتيابه وتشككه وارتباكه وتقلب قناعاته وتوجهاته وخياراته المقرونة
بالمصلحة الآنية العاجلة، وتُحل برؤية القيادة السياسية ووعي وتعاون المجتمع، وأدوات
كل ذلك مشروع الهوية الوطنية الإسلامية (التضخم- صراع الأقليات القومية- صراع
النفوذ القديم- اللاجئون- الإرهاب المصطنع المفتعل- دمج الشباب في القضايا العامة-
اقتصار رؤية قرن تركيا على
العدالة والتنمية فقط وربما ليس كل أعضاء الحزب.. الخ).
14- معيار نجاح الأحزاب في نظم الحكم
الرسالية هو تعميق الهوية لدى أصحابها، ونشرها وتمكنها شعبيا وتمددها في أفكار
وبرامج القوى السياسية والأحزاب المختلفة وتجسير الفجوة المفاهيمية مع المنافسين.
15- ملف الهوية
الوطنية..
أهم تحديات وأزمات العدالة والتنمية
2002-2024م
1- عدم وضوح هوية الدولة التركية والاستناد إلى هويتين؛
الإسلامية الأصل تقوي والعلمانية المستحدثة الاستثناء، والتي تمثل هوية الخصوم والتي
تفرق وتضعف، وإهمال وتهميش هذا الملف والتركيز على بناء القوة المادية للدولة اقتصاديا
وعسكريا فقط (تم تناوله في المقال السابق).
2- غياب التمايز الإسلامي الأصلي عن العلماني المستحدث
على مستوى القيادات والبنية الفكرية واستراتيجيات وبرامج الحزب.
3- ارتباك وتقاطع سلم القيم المجتمعية للمجتمع التركي.
4- الوقوع فريسة لخطط وشراكات النظام الدولي والافتتان
بفلسفته ومنهاجه وقوته والعمل تحت سقفه:
- التفكير والعمل بنفس تفكيره والعمل بنفس أدواته وتحت
مظلة قوانينه ومعاييره التي أسسها ويعيش بها ويفرضها على العالم.
- الخوف منه وغياب الجرأة عليه.
- القبول بالفكرة الخاطئة (الإسلاموفوبيا) والاستحياء
من الإسلام، ومحاولة الدهن وعد إعلان وإبراز الذات بالبيان والقوة المطلوبة التي تُظهر
وتعلي مميزات الذات الإسلامية.
5- عجز الثقات من العلماء والمفكرين المجددين في كل
التخصصات الإنسانية والكونية الذين يضعون البنية الفكرية والعلمية لإعادة الإحياء
وبناء القوة من جديد.
6- عدم الاستماع للرأي الآخر من خارج الحزب، والاستغراق
في نشوة الانتصار في العمليات والمعارك الأولى.
عدم وضوح هوية الدولة التركية والاستناد إلى هويتين؛ الإسلامية الأصل تقوي والعلمانية المستحدثة الاستثناء، والتي تمثل هوية الخصوم والتي تفرق وتضعف، وإهمال وتهميش هذا الملف والتركيز على بناء القوة المادية للدولة اقتصاديا وعسكريا فقط
7- إهمال الاستثمار الفطري الطبيعي في الذات العثمانية
العظيمة المؤسسة للدولة وسبب بناء وقوة الدولة والإمبراطورية العثمانية التي قادت
الأمة الإسلامية ستة قرون متتالية، والتي تمتلك رصيدا من الحب والثقة والأمل والانتماء
والولاء لكل مسلم في كل قارة ودولة ومدينة وشارع في العالم من كافة قوميات العالم.
8- الاشتباك التقليدي مع النظام الدولي فيما يتعلق
بقضايا الإسلام والعمل الإسلامي بمنطق إطفاء الحرائق، لا إحياء ودعم تحرك الذات الإسلامية
في شعوب العالم الإسلامي لتتحمل هي مسؤولياتها في الذود عن الإسلامية ومعالجة
قضاياها مع أعدائها بنفسها.
9- اتخاذ مسار الإصلاح الناعم البطيء الذي يمنح الخصوم
فرص المقاومة والهدم، بدلا من خيار الإصلاح التغييري الإحلالي القوي المحكم،
المؤسس على تطهير هوية المجتمع مما اعتراها من دخن العلمانية، بمشروع قوي وواضح
للهوية الوطنية التركية الإسلامية.
الحلول والمشاريع المقترحة
1- ترجمة رؤية قرن تركيا؛ من مجرد رؤية نظرية إلى رؤية
عملية، بتصميم البنية الثقافية والهوياتية لها (فكر وتخطيط وتنفيذ)، من أدبيات
فكرية ونظام فكري متكامل الأهداف والمفاهيم والمعايير، ومشاريع وطنية، والقيادات
والمؤسسات التنفيذية، ونظام المتابعة والتقويم وقياس الإنجاز في واقع تطور المواطن
والدولة.
2- مشروع الهوية الوطنية للأمة التركية، شاملا منظمة
الدول التركية لمجموعة الدول التركية كأساس ونظام فكري موحد لازم لـ:
أ- تطوير الدستور التركي.
ب- منهج لبناء القوة البشرية اللازمة لتحقيق رؤية
القرن التركي.
ج- الروح الملهمة والباعثة لجسد الأمة التركية.
د- مرجع لتوحيد وحشد الأمة التركية داخليا والشعوب الإسلامية
مع تركيا خارجيا.
هـ- جسر ربط وتأصيل وتوثيق الأمة التركية بالتاريخ الحضاري
الإسلامي للعالم أربعة عشر قرنا من الزمان، في مواجهة أمريكا ذات الـ300 عام.
و- إعلاء الأنا والذات الشخصية التركية الواضحة
للشراكة والتحالف مع القوى العالمية.
ز- تأمين الأمة التركية من التحولات المستقبلية غير المتوقعة.
ح- امتلاك نظام إنذار مبكر ذاتي لمراقبة والتحذير من
مشاكل ومخاطر تقلب الهوية (الاختراق- الدخن- التفكيك والذوبان- الزلزال الاجتماعي-
الصراع الأهلي.. الخ).
3- تأسيس وزارة للهوية الوطنية التركية بقيادة وإدارة
ملف الهوية الوطنية بالتنسيق مع الوزارات السبع لبناء الإنسان والشعب التركي.
4- تصميم البنية الفكرية للعقيدة العسكرية والأمنية
التركية الأممية لتصبح الأساس والمرجع والمعيار الدستوري الراسخ لتطوير العقيدة
العسكرية والأمنية لتركيا، وخطة بنائها وتمكينها في هوية ووعي الشعب التركي بالتوازي
مع وعي ومهنية الجيش والأمن التركي.
5- مشروع النظم المعيارية لكافة مجالات حياة الأمة
التركية لتعزيز وترسيخ الهوية العميقة للأمة التركية واستقلال القوة والإرادة
التركية، وصناعة البديل التركي الخاص عن النموذج العالمي الغربي الداعم للهيمنة الأمريكية
على العالم:
- النظام المعياري للتعليم التركي.
- النظام المعياري للنظام النقدي والمالي والاقتصاد التركي.
- النظام المعياري للصناعات التركية.
- النظام المعياري للصحة التركية، للأمن التركي،
للعسكرية التركية.. الخ؛ لكافة مجالات الحياة.
6- مشروع استقطاب والاستثمار في العقول الإسلامية
العلمية الكبيرة في العلوم الإنسانية والكونية، وبناء وتنشيط البيئة المعرفية
العلمية والابتكارية التركية كقاعدة لنهوض تركيا والأمة الإسلامية (استقطاب رأس
المال العلمي الإسلامي المتناثر عالميا لخدمة المشروع الغربي):
أولا: الوافدة إلى تركيا خلال العقد الماضي بعد أحداث
الربيع العربي الأول.
ثانيا: حصر العلماء المسلمين في العالم العاملين
بالمراكز العلمية العالمية.
ثالثا: العلماء المسلمون الناشئون المرتقبون.
7- مشروع كليات ومراكز إعداد قادة تركيا بديلا عن
تدريب قادة العالم الإسلامي في كليات القادة الأمريكية والأوروبية.
8- مشروع النظام المعلوماتي والأمني الخاص بالدول
والأجهزة الإسلامية فقط وفق المعايير التركية، وتضم إليه الأجهزة والدول الموثوق
فيها تباعا.
9- مشروع تتريك التعليم الأساسي والجامعي التركي، وتحريره
من قبضة النفوذ والتوجيه الغربي.
10- مشروع إحياء الروح العثمانية الإسلامية محليا وإقليميا
وعالميا، وإعادة بناء البنية التحتية لرؤية
مشروع قرن تركيا والأمة التركية العالمية؛ مركز قيادة العالم الإسلامي والقطب القوي
الثالث الفاعل في النظام العالمي الجديد.