نشرت مجلة "
ذي نيويوركر" مقالا، لجنين سوك غيرسن، وهي أستاذة القانون بجامعة هارفارد، ناقشت فيه مصير
حرية التعبير في
الجامعات الأمريكية.
وتحت عنوان "حرية التعبير في ظل العقاب"، قالت إن الجامعات ظلّت وعلى مدى السنوات الماضية ميّالة لحماية حرية التعبير، وأقل ميلا لمعاقبته، لكن بعد احتجاجات الربيع فمن الصعب عليها العودة إلى الوراء.
وأوضحت أنه في العام الدراسي الذي لم يكد يبدأ في 7 تشرين الأول/ أكتوبر توّج هذا الربيع بالجدل والتعطيل والاتهامات بالكراهية والقمع في جامعات البلاد. فيما شهد شهر نيسان/ أبريل نصب مخيمات مُؤيدة لفلسطين في أكثر من 130 مقعد للتعليم العالي، حول البلاد وأدّت إلى الآلاف من الاعتقالات.
ومع اقتراب حفل التخرج بجامعة هارفارد، فكّك مخيم اعتصام بطريقة سلمية، أقامه طلاب طالبوا الجامعة بسحب استثماراتها من دولة الاحتلال الإسرائيلي، واستمر لمدة 21 يوما، وبدون اعتقال أو إجبار، حيث وعدت الجامعة المنظمين أنها ستعقد اجتماعا معهم ومناقشة استثماراتها وكذلك "موضوعات أكاديمية تتعلق بالنزاعات الطويلة في الشرق الأوسط"، إلا أن الخلافات بشأن جزء رئيسي في الصفقة جعل من الانفراجة قصيرة الأمل.
وتمحور الخلاف الجديد حول الطلاب المحتجّين الذين صدرت بحقهم قرارات تأديبية لمشاركتهم في إقامة مخيم في ساحة الجامعة، حيث حذّر مسؤولو الجامعة الطلاب مرارا من أن إقامة مخيم هو ضد سياسة الجامعة التي تمنع "التدخل في أداء موظفي الجامعة لواجباتهم العادية ونشاطاتهم"، ولهذا أصدرت الجامعة سلسلة من القرارات التأديبية ضد عدد من الطلاب.
وعندما تم تفكيك المخيم وعد القائم بأعمال مدير الجامعة، ألان غاربر، بتوصية عاجلة لمعالجة وضع الحالات التي صدرت بحقها قرارات تأديبية، بمن فيهم الطلاب المُؤهلين للتخرج لكي يشاركوا في حفلاته.
وتعامل المحتجون مع تصريحات المسؤول بتفاؤل، وأن الطلاب الكبار ممن يواجهون قضايا معلقة سيتمكنون من التخرج بعد عدة أيام. وبدلا من ذلك قرّرت اللجنة التأديبية فرض عقوبات تأديب ومراقبة بحيث لن يتمكن الطلاب الكبار من التخرج إلا في الفصل المقبل.
ونتيجة لهذا صدرت رسائل متضاربة وقّعها المئات في هارفارد، وناقش كل طرف فيها أي من الخيارات غير المسبوقة والخطيرة وغير المنصفة أفضل: التساهل أم العقوبات.
وصوّت أعضاء كلية الآداب والعلوم لمنح شهادات تخرج لـ13 طالبا مرشحا للتخرج ورغم الإجراءات التأديبية ضدهم. إلا أن شركة هارفارد، أعلى مؤسسة إدارية في الجامعة رفضت قرار الكلية قائلة إن الطلاب المعنيين "ليسوا في وضع جيد" ولا يستطيعون الحصول على شهاداتهم.
وتعلّق الكاتبة أن تركيز الاحتجاج تحوّل من غزة إلى مصير مجموعة من الخريجين في هارفارد. وكما قال أحد المنظّمين في مسيرة احتجاجية طارئة: "أصدرتم قرارات تأديب ضد 35 طالبا، منهم 14 طالبا لا يمكنهم التخرج، وفوق كل هذا تمر
فلسطين في إبادة جماعية".
وترى الكاتبة أن الدعم في حرم الجامعات الأمريكية للطلاب الذي اعتقلوا أو صدرت بحقهم أحكام تأديبية بسبب احتجاجهم على غزو دولة الاحتلال الإسرائيلي لغزة وحّد الكثيرين ممن اختلفوا مع الحرب، وبسبب الفكرة الطاغية وهي أن الجامعة هي مكان لحرية التعبير.
ففي جامعة هارفارد، يتمتّع الطلاب بالحق في حرية التعبير والعمل السياسي، وتقوم سياسة الجامعة على تقوية الطلاب لـ"تنظيم والمشاركة في الجمعيات السياسية وعقد وإدارة لقاءات عامة وتظاهرات ومواقف اعتصامية سلمية، والدفاع ونشر الرأي بالكتابة والإشارات والأصوات".
وتنص إرشادتها المتعلقة بحرية التعبير على أن "الخيارات الصعبة المتعلقة بالوقت المناسب والطريقة يجب من المفترض أن تكون في صالح حرية التعبير".
فعندما أقام المحتجّون مخيما سلميا في ساحة الجامعة في أثناء حركة احتل عام 2011، تخلت الجامعة عن التزاماتها من أجل حق حرية التعبير للمتظاهرين والتأكد من سلامتهم مع الآخرين. فلم يكن هناك حديث عن قرارات تأديبية بحق الطلاب، وبرغم وجود نفس السياسة من ناحية التدخل في "الواجبات العادية والنشاطات".
وبعد 13 عاما، كانت رسالة غاربر للمجتمع الطلابي عن مخيم دعم الفلسطينيين وبخط عريض أن حرية التعبير "ليست لا محدودة" وهدّد بتداعيات تأديبية.
وتقول الكاتبة إن التناقض في رد الفعل على المحتجّين، أدى لتعزيز الإتهامات بأن هناك في حرم الجامعات والأماكن الأخرى شيء اسمه "فلسطين مستثناة" من حرية التعبير. ومن المهم ملاحظة التغيرات التي حدثت منذ عام 2011، فقد أصبح المسؤولون معتادين على استخدام التأديب كحل وليس كملاذ أخير. فإن التركيز على التأديب أصبح واضحا في العشرية الثانية من القرن الحالي، حيث تعرضت الجامعات لضغوط ماسة من أجل معالجة التمييز الجنسي والتحرش.
الأمر الثاني، أنه مع مرور الوقت، لم يعد التزام الجامعات بحرية التعبير قويا، نظرا لزيادة شكوك الطلاب الليبراليين من حرية التعبير لأن التصريحات المزعجة قد تضر بالمهمشين والناس المعرضين للخطر. والمشكلة في حراسة حرية التعبير هي تحديد أين ينتهي، بحيث لا يضر بالآخرين. ولهذا تم إعادة مدى التوازن بين حرية التعبير مع القيم الأخرى وبشكل تدريجي.
وبدون الدخول في نقاش عن وجود استثناء "فلسطين" من حرية التعبير، فليس من المستغرب لجوء الجامعات في عام 2024 إلى الإجراءات التأديبية ضد الاحتجاجات التي تعرقل نشاطات الجامعة أو عدم الترحيب بالخطاب الحساس، مثل الهتافات التي شجبت الإبادة الجماعية أو الداعية الانتفاضة واعتبارها معادية للسامية ودعوة للتطهير العرقي لليهود.
فالدّاعون لمعاقبة المحتجين في هارفارد تعاملوا مع أفعالهم بأنها ليس حرية تعبير محمية بل تحرشا ضد الهوية اليهودية والإسرائيلية وخطاب كراهية، وتهديدا بالعنف ضد اليهود أو الصهيونية.
وكان غاربر واضحا في رسالته للإشارة إلى هذا وحديثه عن "التقارير المتزايدة بأن البعض في داخل وبعض الداعمين للمخيم قاموا بتخويف والتحرش بأعضاء من مجتمعنا". وواصل قائلا: "عندما طلب طاقم هارفارد بطاقات الهوية من أجل تطبيق سياستنا قام الدّاعمين للمخيم في بعض المرات بالصراخ عليهم وحاول محاصرتهم وتدخلوا والحالة هذه بعملهم. وتلقّينا أيضا عن مواجهة المارة ومراقبتهم ومواجهتهم".
وبالتأكيد هذا الكلام فيه خلاف، ولم يتم تقديم تفاصيل عن الإجراءات التأديبية. ولو كانت مزاعم غاربر صحيحة، فمعظم الطلاب الذين تلقوا أوامر تأديبية عوقبوا ليس بسبب مشاركتهم في مخيم الاحتجاج بل ولأنهم خرقوا سياسات الجامعة المتعلقة بالتحرش والتمييز والتنمر.
وتتعرض الجامعات ومنذ العقد الماضي لضغوط من وزارة التعليم التي تحقق في فشل الجامعات بمن فيها هارفارد بمعالجة مناسبة لمزاعم سوء السلوك الجنسي. وهي مهددة بقطع الدعم الفدرالي والإعفاء الضريبي. أو عدم معالجة مزاعم معاداة السامية. وأصدرت لجنة في الكونغرس، تقريرا، وبّخت فيه جامعة هارفارد لأنها لم تتّخذ إجراءات تأديبية مناسبة، وهناك عدد من القضايا القانونية التي تقاتلها الجامعة بناء على "الباب السادس" الذي يمنع التمييز بناء على العرق واللون أو الأصل الوطني، وتزعم هذه القضايا أن الجامعة تساعد على معاداة السامية ولا تؤدب المتهمين بها.
والجامعة في مأزق حقيقي عندما يتعلق الأمر بالطلاب الذين ينتهكون سياسات الجامعة من التحرش والتمييز والتنمر. ومن هنا استبق غاربر الذين يقاضون الجامعة بالإعلان عن مشاركة من أدّبتهم بنشاطات انتهكت سياسات الجامعة. ولا تقتصر الضغوط على الإدارات الأكاديمية، فإن جانبي النزاع يمارسان لعبة شجب لبعضهما البعض.
ففي دعوى قضائية مرفوعة ضد جامعة كولومبيا من مجموعة "طلاب ضد معاداة السامية"، حيث يزعم المشتكي أن بعض الطلاب اليهود لديهم "قوائم من الأساتذة معلمة: ليس صديقا لليهود" أو "معقد" أو "متردد" أو "صديق لليهود" من أجل تجنب أخذ مساقات مع الأساتذة الذين عبروا عن مواقف معادية للسامية.
ونشرت "مبادرة أماتشا" وهي منظمة مؤيدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي تراقب مؤسسات التعليم العالي قائمة بـ200 أستاذ جامعي في الشرق الأوسط غير مؤيدين لدولة الاحتلال الإسرائيلي بسبب توقيعهم على رسالة تدعو للمقاطعة الأكاديمية للاحتلال ولهذا يجنب الطلاب أنفسهم "الإستماع للتحيز ضد إسرائيل أو ربما خطاب محتمل معاد للسامية".
ولدى "مهمة كاناري" التي "توثّق أسماء أفراد ومنظمات تنشر الكراهية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل واليهود في جامعات شمال أمريكا وخارجها" قاعدة بيانات لأساتذة وطلاب يعتبرون معادون الاحتلال الإسرائيلي أو معادون للسامية مع صورهم.
وفي الوقت نفسه هناك دعوات لمقاطعة الأكاديميين الإسرائيليين والتجارة الصهيونية. ففي أيار/ مايو ظهر جدول بيانات على منصة التواصل الاجتماعي "إكس" وانتشر بسرعة "هل كاتبك المفضل صهيوني؟"، وحدّدت مئتي كاتب تقريبا بناء على فئات "مؤيد لإسرائيل/ صهيوني" إلى "مؤيد لفلسطين/ معاد للصهيونية". وفيما يتعلق بالمؤلفين المصنفين كصهاينة، اقترح الجدول "لا تعطيهم المال بشراء كتبهم" او مشاهدة المسلسلات القائمة عليها.
وتقف أمينة حسين، وراء المبادرة وهي تعمل كناشرة رسائل استراتيجية في "مشروع النشاط الشبابي" الهادف إلى مساعدة "الناشطين المراهقين على بناء المهارات والشبكات والمصادر لقيادة حركة في مجتمعهم".
وقالت حسين إن الهدف من جدول البيانات ليس منع كتب بعينها أو استهداف كتاب يهود "هناك إبادة جماعية" و"لا أفهم ماذا يقول أي شخص عن هذا الأمر بخلاف القول: نحن نبذل قصارى جهدنا لوقف هذا".
وعندما سألت الكاتبة إنها سمعت عن كتاب يحاولون تجنب ظهور أسمائهم على القائمة خشية خسارة فرصة نشر أو مبيعات لكتبهم، قالت حسين إن جهودهم "هي سبب يجعلني وضع أسمائهم على القائمة"، وأضافت "ربما لم يكن عليهم دعم بلد يروج للإبادة".