تتوافق التقديرات الإسرائيلية بشأن تدهور العلاقات مع
واشنطن لدرجة غير مسبوقة، لكنها في الوقت ذاته تعتقد أن النقطة التي وصل إليها هذا التدهور في هذه العلاقات نتيجة لعملية طويلة الأمد، وحرب
غزة لم تؤد فقط إلا لتسريعها، في حين لم تقم حكومات الاحتلال الإسرائيلية بمعالجة المشكلة،
ووصفتها بأنها استراتيجية فحسب، بل ساهمت أيضا في التدهور، أحيانا بإهمال، وأحيانا بوعي، ومن ثم فإن المعادلة الجديدة التي تم إنشاؤها في الرأي العام الأمريكي، وستؤثر على دولة الاحتلال في المستقبل أيضا، سيكون صعبا بالفعل تغييرها.
وفي هذا السياق، أكدت يونا ليبزون، وهي مبعوثة "
القناة 12" إلى واشنطن، بأن "وتيرة الحرب متعددة الساحات التي يخوضها الاحتلال، كشفت عن عملية طويلة الأمد من التغيير الداخلي العميق لدى أفضل أصدقائه، وبغض النظر عن سلوكه الحالي في الحرب، فإن الولايات المتحدة تمر بعمليات واضطرابات اجتماعية، وهي للأسف تؤثر علينا أيضا، ويمكن رؤية التأثير الأكثر وضوحا في اليسار الأمريكي، حيث اكتسبت حركاته الاجتماعية شعبية وسلطة سياسية، وفي الوقت ذاته، فإنهم يعارضون وجود دولة الاحتلال".
وأضافت في
مقال ترجمته "عربي21"، أن "اليساريين الأمريكيين لم يعترفوا بدولة الاحتلال في الوقت المناسب فحسب، بل كانوا مشغولين على مدى عقدين من الزمن بإضافة صراع آخر لهذه القائمة، وهو نقل النضال الفلسطيني من النضالات المحلية إلى النضالات الوطنية، حتى بات هناك تقريبا قضية واحدة تتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية".
وأردفت: "شيء واحد دائما على جدول الأعمال، وهو دولة الاحتلال والصراع الفلسطيني، وإذا كانت الرسالة الرئيسية في البداية هي معارضة الاحتلال، والدعوة لمقاطعة المستوطنات، فقد تحولت الآن لمقاطعة دولة الاحتلال ككلّ، ومعاداة للصهيونية".
وأوضحت أن "المعادلة الناشئة في أمريكا اليوم هي بسيطة: إذا عرّفت نفسك بأنك يساري تقدمي، وتريد أن تكون جزءا من منظمات معينة، فلا يمكنك دعم دولة الاحتلال، وإذا كنت تريد أن تسير معنا، وتكون مرتبطا بنا، فعليك أن تختار: إما دعم الصهيونية، أو تكون جزءا منا، ولا يمكنك القيام بالأمرين معا؛ لأنها أهداف متعارضة، ومن بين جميع المشاكل في العالم، فإن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بات القضية الأكثر إلحاحا في النقاشات الأمريكية، ويرمز للفجوة بين الأجيال الأمريكية فيما يتعلق بالنظرة لدولة الاحتلال".
وأكدت أنه "مع مرور الوقت بدأت شعبية الفكرة الصهيونية تتآكل بين الأميركيين، وها نحن هنا بعد عملية طويلة وعقود ضائعة، مع أن هذه العملية كانت معروفة لدى الحكومات الإسرائيلية منذ أجيال، بل سمعنا بعض العناوين الرئيسية حول الحرب التي تخوضها وزارة الخارجية، وإنشاء وزارة الشؤون الاستراتيجية لمحاربة جهود نزع الشرعية وحركة المقاطعة، ومكافحة معاداة السامية في الجامعات، لكن ذات الحكومات أيضًا لم تضع إمكانية تدهور العلاقات كأحد التهديدات الاستراتيجية للدولة، بجانب تهديدات إيران وحزب الله وحماس وآخرين".
وأوضحت أن "نزع الشرعية عن إسرائيل بين الجماهير الأمريكية لا يضر بمكانته على المدى القريب فحسب، بل لسنوات قادمة أيضا، وبات أصحاب هذه الأفكار المعادية لها قوة صاعدة في الولايات المتحدة، وهؤلاء هم شباب اليسار الذين يكتسبون قوة سياسية، ويزداد وزنهم، ولم يعد ممكنا تجاهلهم".
وفي الوقت نفسه، أشارت إلى أنه: "نرى في استطلاعات الرأي على مر السنين، أن الدعم لإسرائيل يتآكل بين الديمقراطيين، أما دعم الفلسطينيين فيتزايد فعليا، وقد بدأ هذا التغيير بالفعل منذ 2015".
إلى ذلك، يؤكد الإحباط الإسرائيلي من تضرر العلاقات بالولايات المتحدة، أن التخوف ما زال في الطريق عبر زيادة عزلة الجمهور الأمريكي بأكمله عن الاحتلال، وتعزيز المعادلة التي مفادها أن معارضته باتت من الاعتبارات السياسية الواضحة في السياسة الأمريكية الداخلي، وهذه التصرفات لا تؤجج النيران فحسب، بل تلحق الضرر بدولة الاحتلال على المدى الطويل.
صحيح أنه كانت دائما مواجهة بين الإدارات الأمريكية وحكومات الاحتلال الإسرائيلية، لكن ليس بهذه الطريقة العلنية السافرة، التي ستسفر عن دفع ثمن في الرأي العام الأمريكي، مما يجعلنا أمام وصفة سياسية غير ناجحة أبدا، تم إعدادها في أسوأ توقيت، وعشية اندلاع الحرب في غزة.