تزداد التوترات الأمنية
الإسرائيلية يوما بعد يوم في
الجبهة الشمالية، ويستيقظ الإسرائيليون على احتمال حرب فتحت أعينهم على كوابيس جديدة، وخفضت كل توقعاتهم من مدى ردود الدولة، وصولا إلى شيوع حالة من اليأس، وقبول للوضع القائم، وسط خيبة أمل من نتيجة شعارات الحكومة التي ظلت تردد "النصر المطلق"، حتى تجسّد فعلا في الكارثة المتحققة في مستوطنة "
كريات شمونة" وجاراتها الشمالية.
ووصف مراسل "
القناة 12" في منطقة الشمال، مناحيم هوروفيتس، الوضع في مستوطناتها قائلا إن "شوارعها تبدو فارغة، والأمكنة خالية، والمستوطنون باتوا يفتقدون الحديث عن عطلة السبت والأعياد اليهودية، وهذه أحد أكبر التغييرات التي أحدثتها الحرب، بجانب نقل الثقل والمسؤولية من الدولة إليهم، من خلال الطلب من المنظمات المدنية الضخمة تقديم حلول لوجستية لعشرات الآلاف ممن تم إجلاؤهم بعد تخلي الدولة عنهم، لكن الشيء الأعمق أن الإسرائيليين عموما باتوا يدركون أن التصريحات والتقييمات والتوقعات التي يسمعونها من رؤساء الدولة ليست توراة يجب تصديقها".
وأضاف هوروفيتس، في مقال ترجمته "عربي21" أنه "كيف لنا أن نقبل حقيقة مطلقة كلاما ممن فشلوا في منع وقوع هجوم السابع من أكتوبر، من سياسيين وعسكريين ومعلقين، ما زلنا نراهم ونسمعهم ونقرأ لهم، والنتيجة أن هذه الحرب فتحت أعيننا، وخفّضت توقعاتنا مما قد يأتينا من الدولة، بعد أن أصابنا اليأس من الواقع، والتشكيك الصريح بالنصر الكامل بعد ثمانية أشهر من القتال المُضني، لكن كريات شمونة لا زالت مهجورة، ولا تزال ضمن النطاق الذي يرغب به حزب الله، من خلال صواريخه المضادة للدبابات وقذائفه وطائرات بدون طيار".
وأوضح أن "التقييمات غير الدقيقة التي تتحدث عن بضعة أسابيع صعبة من القتال المتوقع مع حزب الله لا تبدو قابلة للتصديق، والحديث عن انتهاء الجيش من حماس، ثم التحول للتصدي للتهديد القادم من الشمال، كلام غير منطقي، لأنه لا أحد يتحدث جديا عن إزالة التهديد "مرة واحدة وإلى الأبد"".
وذكر "اليوم أدركنا أن دولة الاحتلال غير قادرة على ضمان أمن مستوطنيها الذين يعيشون على الحدود، عرفنا هذا منذ سنوات عديدة، فلدينا تاريخ طويل جدًا من القصف والهجمات حتى في الأوقات الأكثر هدوءًا، لكن العدو كان يباغتنا كل مرة من الجانب الآخر من الحدود".
ومن جهته، أكد المراسل العسكري "
للقناة 12"، نير دفوري، أن "الصور في شمال فلسطين المحتلة صعبة هذه الأيام، وبينما يبرز السؤال حول التالي فيما يتعلق بصفقة التبادل مع حماس، واستمرار الحرب ضدها، فإن الشمال يحترق بنيران حزب الله، والمستوطنون متعطشون لتغيير هذا الواقع المعقد، لكن في الوقت الحالي لا يبدو ذلك في الأفق، مما كشف عن مرونة مفقودة لدى القيادة التي لا تمتلكها الدولة، بعد أن أثبتت 245 يوماً، أننا لا نواجه حماس في غزة فحسب، بل نواجه أيضاً حزب الله في القطاع الشمالي".
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أن "اندلاع الحرائق في عدة مناطق من الجليل الأعلى، واشتعال مناطق كثيرة، دليل على أن الدولة يتيمة بسبب غياب القيادة، لأنه لو كان هناك "صاحب منزل" لاستطاع الجمهور اجتياز هذه الأيام الصعبة، لكن للأسف ليس هذا هو الحال، في حين أن من يقوم بدور القيادة في مخاطبة الجمهور وعكس الواقع الصعب، هم الجيش ورؤساء السلطات المحلية، في ظل غياب القيادة عن اتخاذ قرارات مهمة، حتى لو كانت صعبة".
وأوضح أنه "في غضون ذلك، لا تزال المستوطنات في الشمال تتعرض لإطلاق النار، وتهديد كبار المسؤولين الإسرائيليين بأن
لبنان سيعود بالزمن للوراء إذا ارتكب خطأً ما، قد يتحقق بالفعل هنا في دولة الاحتلال، ومن المهم التأكيد على أن الجيش ليس مسؤولا عن ذلك، فالمقاتلون يخوضون الآن معركة دفاعية في الشمال، لأن هذا ما حدده لهم المستوى السياسي، وهي معركة قاسية، وليست حاسمة، وفي النهاية علينا أن نقرر ما إذا كنا نريد تغيير الواقع، والمضي قدماً في الهجوم، مما يستدعي منه الاندفاع باتجاه عملية واسعة النطاق في لبنان، لأنه من المستحيل الاستمرار في العيش في هذا الواقع الذي يحدث منذ ثمانية أشهر".
لقد أوجدت أكثر من 17 عاما من الهدوء منذ حرب لبنان الثانية لدى الإسرائيليين وهما بأن المشاكل الأمنية قد انتهت، بعد أن أثبت واقع اليوم بأن قوة الردع التي طالما تحدث عنها قادة الاحتلال لم تعد قائمة، رغم أن دورهم هو حماية مستوطني الدولة، ومنع الوضع الذي يتعرضون فيه لتهديد دائم بالحرب والمواجهة، لكن أحداث الشهور الأخيرة على الحدود الشمالية تؤكد أن الدولة لم تعد قادرة على ضمان ذلك بشكل كامل، مما يستدعي ألا ينتظروا تقييمات غير واقعية، وليس لها حسابات سوى الانتخابات واستطلاعات الرأي.