بعد مرور ثمانية أشهر على الحرب متعددة الساحات التي يخوضها جيش
الاحتلال الإسرائيلي، أصبح من الممكن بالفعل إسكات شعارات رئيس الوزراء ووزير حربه، ووضع سلسلة التهديدات التي أطلقها قائد القوات الجوية ورئيس الأركان قائد المنطقة الشمالية جانبا، لأنهم يدركون أن خطاباتهم "المتعجرفة" لا تحمي الإسرائيليين، ولا تخيف حزب الله وحماس وباقي قوى المقاومة، ممن دأبوا على الاستماع للتهديدات الإسرائيلية بإعادتهم إلى العصر الحجري، والطيارون يجلسون في قمرات القيادة يستعدون لإلقاء الحمم النارية على رؤوس المدنيين.
إيتاي لاندسبيرغ نيفو الخبير في مكافحة الفساد الحكومي، والعنصرية والعنف في المجتمع الإسرائيلي، أكد أن "ما نفذه الجيش في مخيم النصيرات في عملية محدودة لإنقاذ أربعة رهائن، انطلق في تحقيقها من مبادئ تخلى عنها تمامًا في الحرب الكبرى التي يخوضها في
غزة، وقد بات الوضع اليوم مُلحاً لفحصها في ضوء الحرب المعقدة التي تُشن فوق الأرض وتحتها، في الجو والبحر والبر ضد العدو الذي يواجهنا في غزة".
قادة دجالون وكذابون
وأضاف في مقال نشره موقع "
زمن إسرائيل" العبري، وترجمته "عربي21" أن "مبادئ المفهوم الأمني الإسرائيلي أقرّت منذ سنوات نقل الحرب إلى أراضي العدو، على أن تكون حربا قصيرة، وقرارات سريعة لتجنب تعبئة احتياطية طويلة ومكلفة، وإلحاق الضرر باقتصاد الدولة، لكن ما يحدث اليوم من جلوس ساستنا في الحكومة ويطالبون بعد ثمانية أشهر من حرب هجومية في الجنوب، ودفاعية في الشمال، باجتياح لبنان، وهزيمة حزب الله، فإننا بالتأكيد أمام خطوة غير محتملة وليست ممكنة، لأنها صادرة عن قادة يفتقرون لأي خبرة عسكرية عملية ومهنية، دجالين وكذابين وهواة، ينفخون صدورهم أمام قواعدهم الحزبية".
وأوضح أن "الجيش الإسرائيلي في الحرب الممتدة منذ عشرة أشهر خالف المبادئ العسكرية العشرة التي حددت كل عملياته القتالية، وأولها التمسك بالمهمة في ضوء الهدف، حينها سينفذ الجندي مهمته بأمانة، متغلباً على كل عقبة وعدو، رغم الخطر والصعوبة الجسدية أو العقلية، لكننا اليوم بالتأكيد لم نحدد هدفاً للحرب في لبنان، وثانيها إنهاك القوة من خلال الاستخدام الأمثل لها، مع الجمع بين القدرات المختلفة، بما فيها التكنولوجية، واليوم استنفدت قوة الاحتياط نفسها بالفعل بعد الخدمة الطويلة في غزة، بجانب أضرار هائلة للاقتصاد".
وأكد أن "المبدأ الثالث الذي تم اختراقه هو المبادرة والهجمات، حيث من الواضح أن الجيش اليوم لا يبادر لعمليات هجومية في لبنان، بل منغمس في توجيه المستوى السياسي في معركة دفاعية مستمرة، تتسبب بتدمير مستوطنات الشمال، وإجلاء عشرات الآلاف من المستوطنين من منازلهم دون تحديد موعد مستهدف لعودتهم، ويفشل في توفير الأمن، وتحقيق أهداف حربه الدفاعية، دون تحديد أهداف له على الحدود الشمالية، أما المبدأ الرابع فهو الخداع والمفاجأة في ضوء حيازته للميزة التكنولوجية الهائلة، لكنه لم يستخدمها جيدا في انتزاع إنجازات إضافية مقابل إطلاق سراح المختطفين، والمطالبة بإنهاء الحرب التي تمزق المجتمع".
انكشاف الجبهة الداخلية
وأشار إلى أن "المبدأ الخامس يتمثل في تركيز الجهود في غزة، وتجنب تركيزها في قطاعات أخرى، لأنه لا يملك ما يكفي من القوات، والمستوى السياسي هو المسؤول عن هذا الإغفال، والمبدأ السادس يتعلق بالاستمرار في ممارسة الضغوط المتواصلة لمنع العدو من تنظيم نفسه، وتوظيف انكشاف ضعفه، لكن اليوم لا يبدو أن هناك استمرارية في هذه الحرب لأنها أطول من كل الحروب التي خاضتها الدولة، وفي الوقت ذاته شهدت اختلال كل المبادئ المذكورة أعلاه".
ولفت إلى أن "المبدأ السابع يتركز في العمق والتحفظ الضروريين لدرء التهديدات، والصمود بوجه الأزمات، حيث لم يتم تدريب جنود الاحتياط بعد أن تم حشدهم بصورة جزئية، لكنه لا يكفي حين تعيّن على الجيش القتال لفترة طويلة على عدة جبهات، واليوم ينفجر الواقع في وجوهنا جميعا بسبب فشل التخطيط وسوء الإدارة، في حين أن المبدأ الثامن يرتبط بالجانب الأمني، وتجنب الضعف الناتج عن تركيز الجهد، وانكشاف الجبهة الداخلية، في ظل عدم اتخاذ إجراءات من شأنها التصدي لمبادرات العدو، لكن الحاصل اليوم أن حزب الله يهاجم المستوطنات الشمالية دون انقطاع، وحماس تهاجم مستوطنات الغلاف ووسط الدولة، والحوثيون يهاجمون في إيلات".
وأشار إلى أن "المبدأ التاسع يتعلق بالروح القتالية، وتحفيز الجندي لتحقيق الهدف، وهو ضروري لجيش صغير، وتعويض للضعف المادي، لكن الجيش اليوم يفتقر للوسائل والذخيرة اللازمة لقتال طويل الأمد، وبدون القطار الجوي والبحري للولايات المتحدة، سنظل بدون ذخيرة بالفعل في الأسابيع الأولى من القتال، في حين أن هذه الروح القتالية لدى الاحتياط بدأت تضعف، ناهيك عن التفكك على المستوى السياسي، واستحالة تحمّل عبء القتال، والأضرار الاقتصادية الناجمة في الأعمال التجارية والحياة الأسرية".
الهزيمة المحتومة
وختم بالقول إن "المبدأ العاشر الذي تم اختراقه في هذه الحرب هو الاحترافية، لكن ما يحصل اليوم أن الجيش يقاتل فوق الأرض مسلحين موزعين، وليس ضد كتائب مشاة ومدرعات يمكن تدميرها من الجو، في حين أن القتال تحت الأرض أكثر تعقيدًا، مما يتطلب من الجيش اكتشاف كل نفق وما يخفي فيه".
يكشف هذا السرد الإسرائيلي المطول أن القتال الدائر في غزة اليوم معقد، ومعقد جدا، حيث لم يجد سلاح الجو حتى الآن حلولاً للطائرات بدون طيار المنخفضة والسريعة، ولا للصواريخ بعيدة المدى، ما يكشف أن استمرار الحرب سيؤدي لإطلاق المزيد من الصواريخ والقذائف والمسيرات، مما يؤكد أن حكومة الاحتلال ليس لديها مبادئ حرب، ولا تلتزم بأي مبدأ يضعه الجيش.
كل ذلك يؤكد انهيار المفهوم الأمني لدولة الاحتلال الذي قادها لمدة 76 عاماً، لأنها لا تعرف اليوم كيف تخوض معركة حاسمة سريعة، عندما يدور القتال فوق وتحت الأرض، وضد تكنولوجيا المقاومة الصاروخية الجديدة في عدة قطاعات، والنتيجة أن هذه القيادة الجبانة والهاوية، قادت الاحتلال إلى الهزيمة، لأنها لا تفكر إلا بالبقاء في السلطة، حتى لو حوّلت الدولة إلى خراب.