أعربت
تركيا عن رغبتها الواضحة بالانضمام إلى مجموعة "
بريكس"، ما فتح الباب أمام التساؤلات مجددا بشأن علاقات أنقرة مع قطبي القوى في الشرق والغرب، وحول ما إذا كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى إلى تعزيز علاقات بلاده مع
روسيا، على حساب علاقتها مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وغذى كل هذه التساؤلات حديث وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال زيارته الأخيرة إلى الصين، عن رغبة بلاده بالانضمام إلى "بريكس" التي ينظر إليها على أنها بديل عن مجموعة دول السبع التي تقودها دول غربية، خصوصا في وقت تعمل فيه تركيا على رفع ثقة المستثمرين في
الغرب باقتصادها، وذلك في إطار سياستها المتبعة للتخلص من عبء معدلات التضخم المرتفعة وتراجع قيمة الليرة.
والاثنين، وصل فيدان إلى العاصمة الروسية موسكو، في زيارة استمرت يومين، شارك خلالها في اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة "بريكس+" الذي عقد في مدينة "نيجني نوفغورود"، والتقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في لقاء مغلق، شدد فيه على سير العلاقات بين بلاده وروسيا بشكل جيد، وفقا لوكالة الأناضول.
ورحبت روسيا على لسان المتحدث باسم الرئاسة الروسية "الكرملين" دميتري بيسكوف، باهتمام تركيا بمجموعة دول "بريكس"، مشيرا إلى أن ذلك سيكون على جدول أعمال القمة الوزارية، التي دعي إليها 15 دولة من خارج أعضاء المجموعة.
وقال بيسكوف: "نرحب بالاهتمام المتزايد للدول المجاورة بالمجموعة، بما في ذلك شركاؤنا المهمون مثل تركيا"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن "المجموعة قد لا تلبي المصالح الكاملة لجميع البلدان التي ترغب في الانضمام إليها، لكن بريكس تفضل الحفاظ على تواصلها مع جميع الدول المهتمة"، حسب تعبيره.
و"بريكس" هي مجموعة جرى تأسيسها عام 2006 من قبل روسيا والصين والبرازيل والهند، قبل أن تنضم إليهم جنوب أفريقيا، واسمها هو عبارة عن الأحرف الأولى من أسماء هذه الدول باللغة الإنجليزية. وقد توسعت هذه المجموعة مطلع العام الجاري، بعدما انضمت إليها كل من مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات العربية المتحدة.
وتهدف هذه المجموعة التي تتولى روسيا رئاستها الدورية، إلى تعزيز التفاعل بين الدول ذات إمكانات النمو الاقتصادي العالية، كما أنها تطور خطابا جديدا حول نظام عالمي عادل متعدد الأقطاب، وتعارض كثيرا من القواعد التي تفرضها مؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وترفض التمثيل الضعيف للدول في هذه المؤسسات.
وفي حال تمكنت أنقرة من الانضمام إلى "بريكس"، فستكون أول دولة في حلف شمال الأطلسي "الناتو" ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ينضم إلى هذا التكتل، الذي تعرف العديد من الدول المنضوية تحت مظلته بالعمل على سياسة الابتعاد عن الدولار الأمريكي في المعاملات التجاري؛ بهدف كسر هيمنة الولايات المتحدة.
"توازن بين الشرق والغرب"
في هذا السياق، يرى الأكاديمي التركي في جامعة إسطنبول أيدن، راغب كوتاي كاراجا، أن اهتمام تركيا بمجموعة بريكس ينبع من رغبتها في زيادة فرص التعاون الاقتصادي، والاندماج في المؤسسات المالية الدولية الجديدة، وخلق بدائل اقتصادية وسياسية.
ويضيف في مقال له نشر في صحيفة "
دنيا" التركية، إلى عدم انضمام أي دولة من دول الناتو أو الاتحاد الأوروبي أو منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى مجموعة "بريكس"، مشددا على أن هذا الوضع سوف يجذب تركيا إلى مناقشات تحول المحور من الغرب إلى الشرق مرة أخرى.
ويستنكر الأكاديمي التركي مثل هذه المناقشات، حيث يشير إلى أنه بالنظر إلى هيكل مجموعة "بريكس"، فمن الخطأ القول إنها نظير لحلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي، موضحا أن هذه المنصة لا تتمتع ببنية مؤسسية تجعلها مختلفة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في الوقت الحالي.
ويشدد كارجا على أن مجموعة "بريكس" لا تشكل أي تهديد مباشر للمصالح الغربية، لاسيما أن دولا أعضاء مثل البرازيل والهند هي أقرب إلى الغرب منها إلى الصين أو روسيا، مبينا أنه لا يوجد أي عقبة أمام انضمام أنقرة إلى المجموعة لدى كلا الجانبين، خصوصا أن موقع تركيا جغرافيا يقع على ممرات نقل البضائع والطاقة، ما يسمح لها بوضع سياسات تجاه العالمين الغربي والشرقي.
واستبعد الأكاديمي التركي أن تختار تركيا أحد الجانبين على الآخر، مرجحا أن تجد أنقرة طريقها الخاص عبر الاستمرار في سياسة التوازن بين الشرق والغرب.
"الابتعاد عن الدولار"
شدد الباحث التركي في العلاقات الدولية حسن أونال على أهمية مجموعة "بريكس"، مشيرا إلى أن هناك فيها دولا عملاقة على صعيد التكنولوجيا مثل الصي،ن وأخرى غنية بالنفط والموارد الطبيعية مثل روسيا، مشددا على عدم وجود أي سبب يمنع تركيا من السعي إلى الانضمام إلى هذه المنصة.
ولفت في حديث له بصحيفة "أيدن لك" التركية، إلى أن "معظم دول بريكس لديها سياسة الابتعاد عن الدولار الأمريكي، ومن الممكن أن يتم اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه، معتبرا أنه من غير الصواب أن تبتعد تركيا عن هذه المناقشات، لاسيما أن الانضمام إلى بريكس لا يتطلب من أنقرة مغادرة حلف شمال الأطلسي، أو الانفصال عن العالم الغربي.
وأوضح أنه من الممكن البقاء في الناتو والحفاظ على العلاقات مع الدول الغربية والانضمام إلى بريكس، مشيرا إلى أن أكبر الشركاء التجاريين للصين، العضو البارز في المجموعة، هما الولايات المتحدة وأوروبا.
وفي معرض حديثه عن أهمية المجموعة، أشار أونال إلى أن الولايات المتحدة تستخدم هيمنتها على نظام الدفع الدولي عبر الدولار كأداة للعقوبات، ما يحتم على العالم الخروج من هذا النظام، مبينا أن ما يقرب من جميع الدول الأعضاء حاليا في بريكس تتبنى هذا الرأي، وتعمل على زيادة تمويل التجارة الخارجية بالعملات الوطنية.
وأكد الباحث التركي "الحاجة لإنشاء نظام دفع دولي بديل؛ لأنه بخلاف ذلك، فإن الولايات المتحدة ستواصل الحصول على الأموال المجانية، لمجرد أن عملتها تستخدم في جميع أنحاء العالم".
"بديل عن السوق الأوروبية"
في هذا السياق، أوضح الباحث التركي بالعلوم السياسية أومور توغاي يوجل، أن بنية بريكس لم تبن على بنية غير متكافئة تهيمن عليها دولة واحدة وحضارة وثقافة واحدة مثل مجموعة السبع"، لافتا إلى أن المجموعة هي عبارة عن تشكيل يستضيف العديد من الحضارات والثقافات، حيث لا يمكن لأي دولة أن تهيمن بمفردها، وحيث يتمتع الجميع بحقوق متساوية وحيث يكون لما يقرب من نصف سكان العالم كلمة".
وشدد في حديثه مع صحيفة "
أيدن لك"، على أنه "لهذا السبب لن يفرض أحد في مجموعة بريكس الدولار على تركيا، ولن يظهر لنا عصا. "يمكنك استخدام هذا السلاح هنا أو لا تتعاون مع هذا البلد، ولن يهدد أحد بسحب الاستثمارات"، موكدا أن بريكس "لا تتبع سياسة الضغط والإكراه والعقوبات".
وقال يوجل؛ إن "بريكس تتمتع بإنتاج واستهلاك وتصدير واستيراد وسوق ضخمة"، مشيرا إلى أن "زيادة صادرات تركيا إلى هذه الدول، تعني أن أنقرة تجذب الاستثمارات من هذه الدول، التي من الممكن أن تكون القوة الرئيسية في نمو الاقتصاد التركي، ويمكنها أيضا أن تكون بديلا للسوق الأوروبية".
علاوة على ذلك، شدد الباحث التركي على أن "التعاون بين دول بريكس في مجال التكنولوجيا، يمكن أن يجعل تركيا قوة فضائية بشكل أسرع، فضلا عن مجال الطاقة الذي يتمتع بأهمية حيوية بالنسبة لأنقرة، التي تستطيع أن تحصل على هذه التكنولوجيا التي لم يقدمها لها حلفاؤها الغربيون، من دول بريكس".
واختتم حديثه بالتأكيد أن "كل ما سبق لن يكون سهلا ولن يحدث بشكل فوري"، وأشار إلى أن إدارة هذا الملف بشكل صحيح هو الأمر الأكثر أهمية"، موضحا أن "حديث فيدان عن الانضمام من الصين، يؤكد أن تركيا مصممة على اتخاذ هذه الخطوة".