سياسة تركية

تركيا وحماس.. هل تحل أنقرة عقدة التوازن بين الدعم وتجنب الضغط الأمريكي؟

تركيا نفت انتقال مكتب حماس السياسي إلى أراضيها- وزارة الخارجية التركية
أعادت التقارير حول انتقال مكتب حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى تركيا تسليط الضوء على العلاقات المتقدمة بين الجانبين، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات عديدة حول الدور المحتمل لأنقرة في ظل تعليق قطر للوساطة في المفاوضات الرامية لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، فضلا عن الخيط الرفيع الذي يتبعه الجانب التركي لتجنب أي ضغوطات غربية.

وقبل أيام، قالت مصادر في وزارة الخارجية التركية ردا على تقارير إسرائيلية حول انتقال مزعوم للمكتب السياسي لحماس إلى تركيا، إن "أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس يزورون تركيا من وقت لآخر".

وأضافت المصادر، بحسب وكالة الأناضول، أن "الادعاءات التي تشير إلى أن المكتب السياسي لحركة حماس انتقل إلى تركيا لا تعكس الحقيقة".

من جهته، قال المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري إن "قادة حماس ليسوا في الدوحة الآن"، مضيفا في إطار حديثه عن التقارير حول إغلاق مكتب حماس في العاصمة القطرية أنه "في حال صدر قرار بإغلاق المكتب فسيصدر بشكل رسمي، لكن ذلك لم يحدث".

موقف تركيا من حماس
تحافظ تركيا على علاقة وطيدة مع حركة حماس، حيث رفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرارا وتكرارا بعد السابع من أكتوبر وصف الحركة الفلسطينية بأنها "منظمة إرهابية"، مشيرا إلى أنها حركة تحرر وطني. كما شبهها بحركة التحرر التركية التي نشطت من أجل استقلال تركيا إبان انهيار الدولة العثمانية.

والتقى أردوغان بالعديد من قادة حماس بشكل علني في إسطنبول بالتزامن مع العدوان على قطاع غزة، بما في ذلك رئيس مكتبها السياسي السابق إسماعيل هنية، الذي اغتاله الاحتلال الإسرائيلي خلال زيارة كان يجريها إلى العاصمة الإيرانية طهران، نهاية شهر تموز /يوليو الماضي.


ورغم الدعم التركي المعلن لحركة حماس والقضية الفلسطينية والمواقف الحادة ضد الاحتلال، فإن هذه العلاقة الوطيدة بين الجانبين لم تصل إلى مستوى يضع أنقرة في مواجهة مباشرة مع البيت الأبيض الذي يتجهز لاستقبال إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، والتي برز فيها أسماء عديدة داعمة للاحتلال الإسرائيلي بقوة، حسب محللين.

ويلفت الكاتب التركي طه آكيول، إلى أن "أنقرة ترى أن استضافة حماس بشكل رسمي قد لا تكون مناسبة لموقعها في المنطقة"، مضيفا أن "تركيا لا تصنف الحركة كمنظمة إرهابية، لكنها تدرك أن مثل هذه الخطوة قد تثير حساسيات دولية، خاصة في ظل ضغوط الولايات المتحدة وإسرائيل".

هذا الحذر التركي يتجلى في محاولات أنقرة المستمرة للتأكيد على أن تواصلها مع حماس يتم في إطار العلاقات الدبلوماسية والسياسية، دون تجاوز الخطوط التي قد تُفقدها دور الوسيط المحتمل الذي تسعى إليه.

وفي حين سارعت أنقرة إلى نفي صحة التقارير المشار إليها، سارعت الولايات المتحدة بدورها إلى تحذير تركيا من مغبة اتخاذ قرار بشأن استضافة مكتب حماس السياسي على أراضيها.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، "سنوضح للحكومة التركية أن الأمور لم تعد بإمكانها أن تستمر كما كانت من قبل مع حماس".

وأضاف خلال مؤتمر صحفي، أن الولايات المتحدة "تعتقد بأنه يجب ألا يعيش زعماء منظمة إرهابية في راحة"، حسب تعبيره.

تعليقا على هذه النقطة، يشير المحلل التركي علي أسمر في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن تركيا تدرك حساسية هذا الملف، خاصة في ظل ارتباطها بالولايات المتحدة كعضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو".

ويقول إنه من "غير الممكن لأنقرة تجاهل الضغوط الغربية، خصوصا مع الأزمات الاقتصادية التي تواجهها"، موضحا أن "فتح مكتب رسمي لحركة حماس قد يؤدي إلى زيادة التوتر مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو أمر لا تحتمله أنقرة في هذه المرحلة".

وبحسب أسمر، فإن "الوجود غير الرسمي لبعض قيادات حماس في تركيا لا يعني أن أنقرة تسعى لتصعيد العلاقة مع الحركة. بالعكس، هذا الوجود يتيح لأنقرة لعب دور الوسيط دون أن تظهر كطرف منحاز في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي".

الأبعاد الإقليمية والدولية
لطالما حاولت تركيا تقديم نفسها كوسيط في القضايا الإقليمية، خاصة في النزاعات الكبرى مثل الحرب الروسية الأوكرانية والعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول /أكتوبر 2023.

ويرى أسمر أن استضافة حماس رسميا في تركيا قد تتعارض مع دور الوساطة الذي تطمح إليه أنقرة، ويتابع أن "تركيا قادرة على لعب دور الوسيط إذا حافظت على مسافة متوازنة من جميع الأطراف. وجود مكتب رسمي لحماس قد يجعلها طرفا صريحا في النزاع، مما يضعف من قدرتها على التوسط".

في الوقت نفسه، يشير إلى أن تركيا قد ترى في الوساطة لتحقيق تقدم في ملف حل الدولتين فرصة لتعزيز موقعها الإقليمي والدولي "لكن هذا يتطلب تنسيقا دقيقا مع الولايات المتحدة، التي تلعب دورا حاسما في أي تسوية سياسية”.

ورغم تعقيدات العلاقة بين تركيا وحماس، إلا أن أنقرة حافظت على دعمها للقضية الفلسطينية كجزء أساسي من سياستها الخارجية، حسب طه أكيول.

ويلفت آكيول في مقال نشره في موقع "قرار" الإخباري التركي، إلى أن "الدعم التركي للقضية الفلسطينية لا يعني التماهي الكامل مع حماس، إذ تدرك أنقرة أهمية الحفاظ على علاقتها مع الغرب، وبالتالي فهي تسعى لتحقيق التوازن بين دعمها للفلسطينيين وضمان عدم الإضرار بمصالحها الاستراتيجية".

ويتفق أسمر مع طرح آكيول إلى حد كبير، حيث يشدد على أن تركيا "لن تتخلى عن موقفها إزاء حماس، لكنها أيضا لن تسمح بأن تصبح هذه العلاقة عائقا أمام مصالحها الدولية".

"لذلك، تعمل تركيا على البقاء في موقف حذر، تسعى من خلاله إلى تحقيق توازن دقيق بين الأطراف"،  يقول الباحث التركي.

وتأتي التقارير حول انتقال مكتب حماس إلى تركيا في وقت حساس تمر به العلاقات الدولية والإقليمية على وقع مخاوف من اتساع دائرة النار المشتعلة في الشرق الأوسط.

ومع صعود إدارة أمريكية جديدة قد تكون أكثر دعما للاحتلال الإسرائيلي، واستمرار الأزمة الاقتصادية الضاغطة على أنقرة التي تسعى في الوقت نفسه إلى الوصول إلى توافق مع الولايات المتحدة يسمح لها بتنفيذ عملية عسكرية جديدة في سوريا، تبدو الخيارات أمام تركيا إزاء حماس محدودة.

يرى طه آكيول أن "تركيا بحاجة إلى إعادة النظر في سياستها الإقليمية بمنطق عقلاني يأخذ بعين الاعتبار توازن القوى في المنطقة"، ويعتبر أن "الدعم غير المشروط لحماس قد يؤدي إلى نتائج عكسية، خاصة في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية”.

أما أسمر، فيرى أنه "من الممكن أن تلعب تركيا دورا أكبر في القضية الفلسطينية إذا ما حافظت على توازنها السياسي. الوساطة تتطلب الابتعاد عن الخطاب التصعيدي، والعمل على تقريب وجهات النظر بين الأطراف".