انخفضت الاستثمارات الأجنبية في "
إسرائيل" خلال الربع الأول من السنة الحالية بنسبة 55.8 بالمئة، وهو أدنى مستوى منذ الأشهر الثلاثة الأخيرة من سنة 2021، بحسب أحدث تقرير صادر عن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، وهو ما يعد الجانب الأكثر ثقلا من الحرب.
نشرت صحيفة "
لوبوان" الفرنسية تقريرا ترجمته "عربي21" تحدثت فيه عن مواجهة "إسرائيل" عزلة متزايدة في المجتمع الدولي بسبب الحرب المستمرة ضد قطاع
غزة، قائلة إن القرار الفرنسي بإقصاء المشاركين الإسرائيليين من معرض "يوروساتوري" أدى إلى صدمة في "إسرائيل"، إلى جانب إلغاء عقود من قبل الشركات ردا على دعوات المقاطعة.
وحتى لو أعلن القضاء الفرنسي في نهاية المطاف أن ذلك غير قانوني فإن استبعاد العارضين الإسرائيليين من معرض "يوروساتوري" الذي أعلنته فرنسا في 31 أيار/ مايو، تسبب في زعزعة الثقة بـ"إسرائيل" التي كانت أقوى، لأن هذه الخطوة لم تكن متوقعة على الإطلاق، وبعيدا عن بعدها السياسي الدبلوماسي، فإن هذه القضية تشكّل جزءا من عزلة "إسرائيل" المتزايدة داخل المجتمع الدولي.
وقالت الصحيفة إن "الأمر يتعلق بالطبع بالحرب ضد حماس، وما خلفته من خسائر بشرية مأساوية على الجانب الفلسطيني - ما لا يقل عن 35 ألف ضحية وفقا لحماس - دون أن ننسى الدمار الهائل وتشريد السكان الذين نزحوا عدة مرات، وباعتبارها المسؤولة الوحيدة في نظر الرأي العام الذي أصبح أصما تجاه الحجج العسكرية والسياسية الإسرائيلية، واجهت البلاد بسرعة كبيرة مقاطعة ثقافية وأكاديمية، واليوم، بات هذا الرفض لإسرائيل يؤثر أيضا على اقتصادها".
حذر المستثمرين
أشارت الصحيفة إلى أن هذا الجانب من الحرب أكثر ثقلا لأنه لم يكن متوقعا، ونظرا لطول أمد العمليات العسكرية، فإنه لا يمكن السيطرة عليه أو تقديره بالأرقام، مضيفة أنه "من ناحية أخرى يمكننا بالفعل تحديد القطاعات المتضررة بدءا من الاستثمارات الأجنبية".
وذكرت أنه "حسب أحدث تقرير صادر عن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، فقد انخفضت الاستثمارات الأجنبية في الربع الأول من السنة الحالية بنسبة 55.8 بالمئة، وهو أدنى مستوى منذ الأشهر الثلاثة الأخيرة من سنة 2021".
وأوردت الصحيفة أن المعلومة لا تتعلق بالاستثمارات المالية ولاسيما التكنولوجيا العالية، ففي هذا المجال، لا يمكننا الحديث عن مقاطعة بل عن الرغبة في الابتعاد عن الأضواء، لجعل العلاقات مع "إسرائيل" أكثر سرية، لكن الأمر يتعلق أيضا بالحد من المخاطر من خلال تجنب الاستثمار في دولة في حالة حرب وتواجه أيضا مشاكل التجنيد.
أضافت الصحيفة أن أكثر من 20 بالمئة من جنود الاحتياط الذين يقاتلون في غزة هم موظفون في مجال التكنولوجيا المتقدمة، وقد أدى غيابهم لعدة أشهر إلى تعقيد إدارة العديد من الشركات الناشئة بشكل كبير.
ولتجنب الاضطرار إلى إلغاء العمليات أو تقويض تطورها، قامت المزيد من الشركات بتسريح موظفيها الإسرائيليين لتوظيف أجانب.
ومن جهته، حذّر ميخا كوفمان، المؤسس المشارك والمدير العام لشركة "فايفر" التي توظف 770 شخصًا في "إسرائيل"، في رسالة إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزيري المالية والاقتصاد، من هروب وظائف التكنولوجيا الفائقة إلى الخارج، مؤكدا أنه "بات من الصعب جدا للشركات الإسرائيلية توفير التمويلات اللازمة بسبب الضغوط على المستثمرين لقطع علاقاتهم مع إسرائيل".
ونقلت الصحيفة عن إيال بينو، مؤسس وشريك صندوق رأس المال الاستثماري، قوله إن "الأمريكيين يشعرون بأن الاستثمار في إسرائيل أصبح خطيرًا. لن يخبروك بذلك بشكل مباشر. لكنهم سوف يطرحون عليك أسئلة حول المخاطر التي ينطوي عليها. بالطبع، إذا كنت يهوديا وتريد مساعدة إسرائيل، فسوف تستثمر. إذا لم تكن كذلك، فهذا يضيف مخاطر أخرى إلى تلك الكامنة بالفعل في أي استثمار مالي في هذا القطاع". إذا صدقنا إيال بينو، في دوائر التكنولوجيا المتقدمة الأمريكية، فإن الاتجاه الحالي سيكون دفع الشركات الإسرائيلية إلى الهجرة إلى الولايات المتحدة.
الانسحابات مستمرة
تتمثل النقطة السوداء الثانية في مجال الشركات الكبيرة التي تم تأسيسها بالفعل في البلاد أو هي في طور التأسيس.
وهناك ثلاثة أمثلة على الانسحاب شغلت الرأي العام في الأسابيع الأخيرة: أولا إعلان شركة إنتل قبل حوالي عشرة أيام عن تعليق مشروع توسيع مصنع أشباه الموصلات التابع لها في كريات غات.
ونتيجة لهذا فإنه اختفى الاستثمار الإضافي الذي بلغ 15 مليار دولار، الذي وُعد به علنا في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وهذه أخبار سيئة للغاية بالنسبة للدوائر
الاقتصادية الإسرائيلية، وتأسست شركة المعالجات الدقيقة الأمريكية العملاقة في "إسرائيل" منذ خمسين سنة، وقد احتلت على مر السنين أحد المواقع الرائدة في تطوير الصناعات المبتكرة في "أمة الشركات الناشئة".
ومن حيث حجم الأصول، فإن "إسرائيل" تعد الدولة الثالثة التي تستقر فيها شركة إنتل بعد الولايات المتحدة وإيرلندا.
وأشارت الصحيفة إلى أن هناك قرارين أقل شهرة ولكنهما حقيقيان تسببا في رد فعل عالم الأعمال، يتمثل الأول في إلغاء سلسلة "بريت آ مانجيه" البريطانية عقد الامتياز الموقّع السنة الماضية مع مجموعة "فوكس" للبيع بالتجزئة الإسرائيلية.
ووفقا لفوكس، فقد كان قادة "بريت آ مانجيه" قد استشهدوا بحالة من "القوة القاهرة" بسبب الحرب، مما أثر على القدرة على تنفيذ الإجراءات الأولية الضرورية لأي إطلاق نشاط يعتمد على اتفاقية تجارية".
وبالنسبة للصحفي الاقتصادي سامي بيريتس، فقد تكون هذه طريقة ملتوية: "حتى الآن عشنا بشكل جيد دون نشاط في إسرائيل وليس هناك سبب لإزعاج عملائنا المسلمين في أوروبا".
وفي الأشهر الأخيرة، تعرضت السلسلة بالفعل لضغوط من النشطاء المؤيدين للفلسطينيين من خلال مظاهرات معادية أمام فروعها في لندن وعرائض تطالب بمقاطعتها.
أما الحالة الأخرى، فتتعلق بسلسلة الوجبات السريعة العالمية "ماكدونالدز"، وردا على المقاطعة التي استمرت لأشهر من قبل الحركات المؤيدة للفلسطينيين أو بعض السكان المسلمين، فقد شهدت مبيعاتها العالمية انخفاضا ملحوظا.
لذلك، فإنها نأت بنفسها في شهر نيسان/ أبريل عن "إسرائيل" بشراء الامتياز التجاري الممنوح سنة 1993 لرجل الأعمال الإسرائيلي عمري بادان.
انخفاض الصادرات والتصنيف الائتماني
أوضحت الصحيفة أن قائمة الصعوبات لا تنتهي عند هذا الحد، موضحة بأنه "يجب علينا أيضًا أن نأخذ في الاعتبار انخفاض الصادرات بنسبة 33 بالمئة حتى الآن، وهذا يعني ضياع العديد من الفرص".
وذكرت أنه "قد يصبح الأمر أسوأ إذا نفّذت أوروبا تهديدها بإلغاء أو تعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، كما أنه لا يمكن تجاهل خفض التصنيف الائتماني من جانب وكالتي موديز وستاندرد آند بورز".
وقد أرفقت كلتا الوكالتين الأمريكيتين التصنيف بعبارة "توقعات سلبية"، وعلى الرغم من هذه العزلة التي تنضاف إلى التكلفة الهائلة للحرب، التي بلغت 65 مليار دولار حتى الآن، فإن الاقتصاد الإسرائيلي ما زال صامدا، لكن كيف؟
يوضح الخبير الاقتصادي جاك بنديلاك لصحيفة لوبوان أن "هناك ثلاثة قطاعات تجعل إسرائيل صامدة: قطاع الغاز الذي يجلب عملات أجنبية هائلة للدولة، وقطاع الدفاع الذي تستفيد شركاته من دفاتر الطلبات الكثيرة، وأخيرا مجال الطيران، والأمن السيبراني، والليزر، والروبوتات وغيرها".
والعنصر الرابع هو "احتياطيات العملات الأجنبية البالغة 225 مليار دولار".
هل تستطيع "أمة الشركات الناشئة" استعادة الثقة؟
إلى متى يمكن لـ "إسرائيل" أن تستمر في شن الحرب دون أن تغرق البلاد في أزمة اقتصادية خطيرة؟ قال جاك بنديلاك: "إذا انتهت الحرب وكل ما يتعلق بها في نهاية سنة 2024، فستكون إسرائيل قادرة على الهروب دون أضرار كبيرة لا يمكن إصلاحها. بعبارة أخرى، استعادة مستوى الصادرات قبل الحرب، وإعادة المستثمرين، وما إلى ذلك. ما لا أعرفه هو ما إذا كنا سنكون قادرين على استعادة صورة البلاد التي كانت مبنية على خبرتها وروح الابتكار لديها وقدراتها التكنولوجية".
وبحسب استطلاع أجري في فرنسا بين شباط/ فبراير 2020 وشباط/ فبراير 2021، فإنها ارتفعت نسبة التعاطف مع "إسرائيل" من 23 بالمئة إلى 34 بالمئة، أي بقفزة تزيد عن عشر نقاط في سنة واحدة.
واليوم نحن بعيدون عن ذلك، لم تعد صورة "إسرائيل" تحظى بالشعبية ذاتها، لكن هل ستتمكن من استعادة الثقة المفقودة والتعاطف المفقود؟ بحسب جاك بنديلاك: "حتى لو كان الأمر كذلك فقد يستغرق وقتا.. الكثير من الوقت".