يقع المواطن
المصري فريسة لتكالب الأزمات عليه، فرغم ضيق الحال وصعوبة المعيش وسط اقتصاد
متأزم، فقد قفز فيه الدين الخارجي لنحو 168.034
مليار دولار، وفقا لبيانات البنك المركزي المصري، وتضخم وصل لأعلى معدلاته، أصبح
"غول" يأكل الأخضر واليابس، عجز خلالها عن سد احتياجاته الأساسية.
وجاءت خطة تخفيف
الأحمال التي تتبعها الحكومة المصرية، لتزيد من هم المواطن وخسائره المادية، وصولا
لخسائر بشرية وضحايا فقدوا حياتهم بسبب انقطاع التيار الكهربائي، الذي بدأت خطة
تنفيذه من أيار/ مايو الماضي.
انقطاع
الكهرباء
انقطاع التيار الكهربائي
تسبب بطبيعة الحال في ارتفاع أسعار العديد من السلع زيادة عن أسعارها المرتفعة،
وعلى سبيل المثال لا الحصر، كشف نائب رئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن، ثروت
الزيني، أن خطة تخفيف الأحمال، تسبب في ارتفاع أسعار الدواجن والبيض مشيرًا إلى أن
هناك مشكلة في قطاع الدواجن بسبب تخفيف أحمال الكهرباء، التي أدت إلى نفوق كميات
كبيرة، وكذلك أثرت على أسعار باقي السلع بداية من المنتج للمورد للمستهلك.
ومع ارتفاع وتيرة
انقطاع الكهرباء في مصر التي وصلت إلى أكثر من خمس ساعات في بعض المناطق، في ظل
ارتفاع كبير في درجات الحرارة، فقد سادت حالة من الاستياء على مواقع التواصل الاجتماعي
في مصر.
وقالت وزارتا
الكهرباء والبترول، إنه نظرا "لزيادة معدلات الاستهلاك المحلي من الكهرباء،
نتيجة الموجة الحارة شديدة الارتفاع، وبالتالي زيادة استهلاك
الغاز المولد للطاقة، فإنها ستتم زيادة فترة تخفيف الأحمال للحفاظ على الكفاءة التشغيلية لمحطات إنتاج
الكهرباء والشبكة القومية للغازات الطبيعية".
مصانع الأسمدة
أثار قرار حكومي
في مصر بقطع إمدادات الغاز الطبيعي عن مصانع الأسمدة العاملة في مصر، الكثير من
القلق على مستقبل الصناعة الوطنية، خاصة أن قطع إمدادات الغاز عن مصانع الأسمدة
قابلته بعض الشركات بوقف الإنتاج.
وأعلنت شركة
أبوقير للأسمدة والصناعات الكيماوية، المصرية إيقاف مصانعها الثلاثة عن العمل بسبب
توقف إمدادات الغاز الطبيعي.
وقالت الشركة في
بيان، الثلاثاء، إن موجة الطقس الحارة بشكل يزيد عن المعدلات الطبيعية المتوقعة
لهذه الفترة من العام تسببت في زيادة معدلات استهلاك الطاقة بشكل غير مسبوق
بالتزامن مع توقف بعض مصادر إمداد الغاز الإقليمي، وهو ما أدى إلى تأثر مخزون شبكة
الغاز بالسلب.
قطع إمداد الغاز
الطبيعي يؤثر بشكل سلبي على قطاع الزراعة المرتبط بإنتاج السماد، ما يؤدي إلى رفع
أسعار الأسمدة على الإنتاج الزراعي، ليزيد تكلفة الإنتاج ورفع أسعار السلع
الزراعية، وبالتالي تفاقم معدلات التضخم وارتفاع الأسعار على المستهلك.
ولم تحدد الشركة
القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس" موعد عودة ضخ الغاز إلى شركات الأسمدة
التي أوقفت إنتاجها بعد قرار خفض إمدادات الغاز إلى مصانعها، إذ تعد صناعة الأسمدة
من الصناعات كثيفة الاستهلاك للغاز الطبيعي الذي يعتبر مدخلاً رئيسياً في الإنتاج.
أضافت المصادر
أن وقف إنتاج مصانع الأسمدة والبتروكيماويات سيقلص برامج التصدير ومن ثم تراجع
إيرادات الشركات المستهدفة خلال الربع الثاني من العام الجاري بنسب قد تتجاوز 20%
مقارنة بالربع الأول من 2024.
هل
تنجح مصر في تأمين الغاز؟
يسعى النظام
المصري إلى التخلص من الضغوط المرتبطة لتوفير الغاز الذي يُستخدم في توليد
الكهرباء، وتزايدت خلال الفترة الأخيرة مع عدوان
الاحتلال الاسرائيلي على غزة، والبحث
عن مصادر أخرى، ولو بتكلفة أعلى، حيث تعتمد مصر على واردات الغاز الإسرائيلي
لتلبية جانب من الطلب المحلي، وكذلك لإعادة التصدير.
الاكتفاء الذاتي من الغاز
ويأتي الغاز كلمة السر في الأزمة، حيث أثارت أزمات التي يمر بها المواطن
المصري تساؤلات بشأن وضع قطاع الطاقة في مصر، خاصة وأن الحكومة المصرية قد أعلنت في
عام 2018 تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، خصوصا مع بدء الإنتاج من حقل
"ظهر"، حيث صدّرت بعد ذلك بثلاث سنوات، وفق وسائل إعلام محلية، أول شحنة
غاز مسال إلى أوروبا بعد توقف دام 8 أعوام، بعد اكتشاف الحقل في عام 2015، الذي أشارت
تقديرات حينها إلى احتوائه على 30 تريليون قدم مكعبة من الغاز.
وفي 15 حزيران/
يونيو 2022، وقعت النظام المصري اتفاقا بين القاهرة وتل أبيب والاتحاد الأوروبي
لتصدير الغاز لغرب القارة العجوز التي كانت تعاني نقصا حادا حينها إثر تفجر الحرب
الروسية الأوكرانية 24 شباط/ فبراير 2022.
وفي تشرين
الثاني/ نوفمبر عام 2023 قالت وكالة بلومبيرغ إن كميات تدفق الغاز الطبيعي من
إسرائيل إلى مصر زادت بنسبة تصل إلى 60 بالمئة، مقارنة مع أرقام نهاية الشهر السابق،
مع انحسار حدة المخاطر الأمنية.
فيما قالت شركة
شيفرون الأمريكية، إنها بدأت استئناف إمدادات الغاز للعملاء المحليين في إسرائيل
والمنطقة، من حقل غاز تمار التابع لها على البحر المتوسط.
وبحسب مصادر
بلومبيرغ، فقد ارتفعت الإمدادات إلى 350-400 مليون قدم مكعب يوميا، من حوالي 250
مليونا نهاية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي؛ ومع ذلك، فإن هذا يمثل ما يقرب من نصف
التدفقات الطبيعية قبل الحرب، حيث تستخدم مصر الغاز الإسرائيلي لتلبية الطلب الخاص
بها، وتصدر الفائض على شكل غاز طبيعي مسال، إلى أوروبا في المقام الأول، فمن أي
تأتى أزمة الغاز.
لغز
حقل ظهر
ودون مقدمات تراجع
إنتاج مصر من حقل ظهر للغاز الطبيعي، بعد إعلان شركة إيني الإيطالية أنها اضطرت
لسحب سفينة الحفر سايبم سانتوريني منه، لعدم حصولها على 1.6 مليار دولار مستحقات
لها لدى الحكومة المصرية.
وأشارت بعد
التقارير إلى أن "أحد الآبار بحقل ظهر تعرض لتشققات تسربت مياه البحر بداخله وتوقف
عن الإنتاج تماما، ما أسفر عن انخفاض الإنتاج بمقدار مليار قدم مكعب يومياً ليبلغ
2.1 مليار قدم مكعب، وبالتالي قامت الشركة التي تعمل بالحقل بحفر مزيد من الآبار
في محاولة لوقف الخسائر".
وفي نيسان/
إبريل قال المتحدث باسم وزارة البترول والثروة المعدنية في مصر، حمدي عبد العزيز،
إن حقل غاز "ظهر" ينتج نحو 2 مليار متر مكعب من الغاز يوميًا، وهو من
أهم حقول الغاز الموجودة في مصر بدلا من إنتاج 3.2 مليار قدم مكعب يوميا،
وبالتبعية انخفض إجمالي إنتاج مصر إلى 5 مليارات قدم مكعب في اليوم".
مساومة
الاحتلال
في بداية الأمر
حاول رئيس النظام المصري أن يحمي نظامه بالغاز الإسرائيلي، وكانت بداية التعاون
بين مصر والاحتلال وبدء استقبال الغاز الطبيعي من إسرائيل في كانون الثاني/ يناير
2020 بموجب واحدة من كبرى الصفقات التي وقعها الطرفان لاستيراد 85 مليار متر مكعب
من الغاز على مدى 15 عاما بنحو 19.5 مليار دولار، بحسب وزير الطاقة الإسرائيلي
حينها يوفال شتاينتز.
وكانت وسائل إعلام
عبرية قد كشفت، أن مصر ستزيد من اعتمادها على الغاز من إسرائيل في حال استمرار
أزمة الطاقة في البلاد، وقالت مجلة Epoch الإسرائيلية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية،
إن مصر حاولت في الأشهر الأخيرة البدء في تحركات تسمح لها باستيراد المزيد من
الغاز الطبيعي المسال إلى أراضيها، بسبب انخفاض الطاقة الإنتاجية المحلية من الغاز
الطبيعي، وبسبب الزيادة المتوقعة في الطلب المحلي من الكهرباء خاصة في أشهر الصيف
الحارة.
إلا أن حرب
الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، جاءت بما لا تشتهى سفن النظام المصري، لتعقد
الأمور، حيث كان من المتوقع انخفاض الواردات من الغاز الإسرائيلي بداية من شهر
تموز/ يوليو المقبل، بسبب زيادة الاستهلاك المحلي في دولة الاحتلال الإسرائيلي في
شهور الصيف في ظل ظروف الحرب وأزمات على معبر رفح وانضمام مصر لدعوة جنوب أفريقيا
في محكمة العدل الدولية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وبالتزامن، ومع
تراجع الإنتاج المحلي إلى مستوى 5.4 و5.5 مليار قدم مكعبة يوميا، أصبحت الكمية
توجه بالكامل للاستهلاك المحلي من الغاز، وبالتحديد محطات الكهرباء التي تستحوذ
على نحو 60% من استهلاك السوق، وفقا لوزارة البترول المصرية.
وعاد حجم الغاز
الطبيعي المستخرج من الحقول والآبار إلى مستويات ما قبل إنتاج حقل "ظهر
العملاق" في البحر المتوسط، وتراجع بنسبة 26% خلال العامين الماضيين وسط
توقعات باستمرار الانخفاض في الحقل بنحو 14% إضافية خلال العام الجاري.
فيما ربط خبراء
وسياسيون مصريون بين التراجع المصري عن الانضمام إلى جنوب أفريقيا في مقاضاة الاحتلال
الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، وبين إقدام الجانب الإسرائيلي قرار بتعطيل
شحنات غاز كانت مقررة لمصر نهاية شهر أيار/ مايو الماضي، ما أدى إلى تفاقم أزمة
إمدادات الطاقة التي ضاعفت أزمة انقطاعات التيار الكهربائي.
وجاء الربط بسبب أن خطوة تصعيد الدعوة والتضامن
مع جنوب إفريقيا جاء بشكل اعلامي دون وجود خطوات تصعيد في لاهاي، وأو اجراء على
أرض الواقع، للإجراء الذي أعلنت عنه القاهرة، في 12 أيار/ مايو الماضي، بعزمها
الانضمام لدعم الدعوى المقدمة من جنوب أفريقيا، مع تركيز التعليمات على أن التحرك
المصري منصب بالأساس على الجوانب الإنسانية مع الحفاظ على دور الوسيط للقاهرة.
وأشارت تقارير
إلى أن الاحتلال الإسرائيلي "استند إلى بند في عقود الغاز الموقعة بينه وبين مصر
بإمكانية وقف الإمدادات من دون شروط جزائية أو غرامات، حال تعذر الأوضاع
الأمنية".