يستمر قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي"، رفقة مليشياته في
السودان، بتنفيذ استراتيجية "
الأرض المحروقة"، التي تتمثل بحرق المناطق الريفية والإبادة الجماعية للسكان المدنيين.
وقالت صحيفة "
لوموند" الفرنسية في تقرير لها ترجمته "عربي21": إن المعركة النهائية من أجل دارفور قد بدأت، فمنذ العاشر من أيار/مايو؛ كثفت قوات الدعم السريع، هجماتها على
الفاشر، وهي آخر مدينة في المنطقة لا تزال تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح عبد الرحمن البرهان.
ومن شأن الاستيلاء على عاصمة شمال دارفور أن يمنح قوات الدعم السريع سيطرة شبه كاملة على الثلث الغربي من السودان، وهي منطقة شاسعة تماثل مساحة فرنسا.
وأوردت الصحيفة أن هناك ما يقرب من مليوني مدني ما زالوا محاصَرين حيث لا تستطيع أي مساعدة إنسانية الوصول إليهم عبر خطوط الجبهة.
وبعد أسبوعين من دعوة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى إنهاء القتال وحث قوات الدعم السريع على رفع الحصار؛ لا تزال القذائف تنهمر على الفاشر.
وفي هذا السياق، يقول محمد أيوب، أحد سكان مخيم أبو شوك شمال غرب المدينة: "لا أحد يعرف ما إذا كنا سنستيقظ أحياء غدا أم لا. نيران المدفعية تتساقط باستمرار وبشكل عشوائي"، بحسب ما نقلت عنه الصحيفة.
ومن جانبه، يصف محمد عثمان من "هيومن رايتس ووتش" الوضع قائلا: "تجري المعارك في الفاشر في قلب المناطق المكتظة بالسكان، بما في ذلك مخيمات النازحين. ويتم تنفيذ الهجمات دون تمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية. لقد وثقنا قصف المناطق السكنية، والمباني العامة، من قبل قوات الدعم السريع التي هاجمت عدة مستشفيات".
وأوضحت الصحيفة أنه في الثامن من حزيران/ يونيو؛ اقتحمت القوات شبه العسكرية المستشفى الواقع في جنوب الفاشر، وأطلقت النار داخل المجمع، ونهبت مخزون الأدوية وسيارة إسعاف منظمة أطباء بلا حدود، مما أجبر الموظفين والمرضى على إخلاء المبنى.
وفي يوم الـ21 من نفس الشهر، تعرض المستشفى السعودي، المؤسسة الوحيدة في المدينة التي لا تزال قادرة على استيعاب الجرحى، لقصف بحوالي عشر قذائف صاروخية، مما أسفر عن مقتل صيدلي وتدمير مخزون الأدوية.
ويعترف أحد العاملين في المجال الصحي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته أنه "في الداخل، تسود الفوضى. في أسبوع واحد، استقبلنا أكثر من 500 جريح، العديد منهم من الأطفال المتضررين من حطام الانفجار، وتوفي 76 شخصا. ويتراكم الناجون اثنان اثنان، ظهرا لظهر، على كل سرير. وفي مساء يوم الأحد 23 حزيران/يونيو، دمرت قوات الدعم السريع المستشفى الوحيد المتخصص في أمراض الكلى بالمنطقة".
التفوق العددي الساحق
وبينت الصحيفة أنه في غضون ستة أسابيع؛ يُظهر التقرير الوحيد المتاح وقوع 260 حالة وفاة وأكثر من 1600 جريح. وقد تكون هذه الأرقام - التي يُعتقد أنها أقل بكثير من الواقع وفقًا للمصادر المتواجدة على الأرض - أعلى بعشر مرات.
ويقول أنور عمر الخطيب؛ وهو صحفي سابق في الفاشر والآن عضو في خلايا الطوارئ، وهي شبكة من المتطوعين من المجتمع المدني: "معظم الجرحى والجثث لا تصل إلى المستشفيات، وغالبا ما يتم دفنهم على عجل في باحات المنازل".
وفي الفترة نفسها، اضطر ما يقرب من 100 ألف مدني إلى النزوح جنوبا باتجاه مخيم زمزم، وغربا باتجاه مدينة الطويلة وجبل مرّة.
ويتابع المتطوع قائلا: "ينام البعض في وديان الصحراء، متكدسين في ظل بعض الأشجار"، وحث المجتمع الدولي على "حماية المدنيين وفتح الممرات الإنسانية".
وتجدر الإشارة إلى أنه منذ 10 حزيران/ يونيو، لم تقم قوات الدعم السريع بأي هجوم بري جديد، واكتفت بقصف المدينة من الجو.
وحسب مصدر محلي: "إنهم يعيدون تجميع صفوفهم وإعادة تنظيمها. لكنهم عازمون على تنفيذ الهجوم قبل أن يجعل موسم الأمطار الأرض غير قابلة للعبور".
وفي محيط الفاشر، تمتعت قوات الجنرال "حميدتي" بتفوق عددي ساحق، وتضم قواتهم، التي يقدر عددها بنحو 30 ألف رجل، ميليشيات تم تجنيدها من المجتمعات العربية في دارفور والدول المجاورة أو القريبة، ولا سيما تشاد والنيجر وجمهورية أفريقيا الوسطى.
ولفتت الصحيفة إلى أنه في المقابل تقاتل الفرقة السادسة مشاة التابعة للقوات المسلحة السودانية، والتي لا يتجاوز تعدادها 8000 جندي، إلى جانب حركات التمرد السابقة التي تم تجنيدها من مجتمع الزغاوة، أبرزها حركة العدل والمساواة التابعة لوزير الاقتصاد جبريل إبراهيم، وجيش تحرير السودان بقيادة والي دارفور السابق ميني ميناوي.
"التطهير العرقي قد بدأ بالفعل"
وذكرت الصحيفة أن تعبئة العديد من المدنيين من كلا الجانبين اعتمادا على انتمائهم العرقي تزيد من خطر وقوع مذابح. وإذا تمكنت قوات الدعم السريع من احتلال الفاشر، فهناك مخاوف من حدوث حمام دم مشابه للذي حدث عند السيطرة على الجنينة في غرب دارفور.
وفي الفترة بين حزيران/يونيو وتشرين الثاني/نوفمبر 2023، قُتل هناك ما يقرب من 15 ألف شخص، معظمهم من مجتمع المساليت غير العربي، على يد قوات الدعم السريع والميليشيات العربية التابعة لها.
وفي غضون أشهر قليلة، أحرقت قوات الدعم السريع في شمال دارفور أكثر من 50 قرية. ومنذ العاشر من أيار/ مايو، تم محو أحياء كاملة من مدينة الفاشر، التي تقطنها في الغالب مجتمعات غير عربية، من قبل القوات شبه العسكرية.
ونقلت الصحيفة عن ناثانيال ريموند، المدير التنفيذي لمختبر البحوث الإنسانية في كلية الصحة العامة بجامعة ييل الأمريكية، قوله: "لقد تأثر ربع المدينة بالفعل بالقتال. والوتيرة تتسارع والمجتمع الدولي يراقب دون اتخاذ إجراءات ملموسة. هناك "معايير مزدوجة" مزعجة فيما يتعلق بالسودان".
وفي مواجهة صعوبة الوصول إلى الميدان، تقوم فرق المختبر بتوثيق الدمار والتهجير القسري عن بعد، باستخدام صور الأقمار الصناعية والبيانات مفتوحة المصدر.
ويوضح الباحث الأمريكي قائلا: "لم يعد بإمكاننا استخدام صيغة الشرط. لقد بدأ التطهير العرقي بالفعل، وهذا ليس مفاجئا؛ حيث تتبع قوات الدعم السريع نفس النهج منذ بداية الحرب. بالنسبة لهم، يعتبر هذا بمثابة استكمال الإبادة الجماعية التي بدأت سنة 2003".
وأكدت الصحيفة على أن الهجمات القاتلة التي تشنها قوات الدعم السريع لا تقتصر على دارفور.
وخلال الأسابيع الأخيرة؛ ارتكبت قوات الجنرال "حميدتي" عدة مجازر في منطقة الجزيرة الزراعية جنوب شرق الخرطوم. وفي الخامس من حزيران/ يونيو، قتل أكثر من 156 شخصًا في قرية ود النورة. وفي 21 حزيران/يونيو؛ قُتل 17 شخصا بعد صلاة الجمعة في بلدة عسير. وبعد شن هجوم ناجح في العشرين من حزيران/ يونيو على مدينة الفولة، عاصمة غرب كردفان، وطرد القوات النظامية الموجودة في المنطقة، شنت قوات الدعم السريع يوم الاثنين، 24 حزيران/ يونيو، هجوما على مدينة سنار في النيل الأزرق جنوب شرق البلاد، مما أثار الذعر في صفوف السكان المدنيين.
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أنه في مواجهة عدم فعالية قواته البرية، يقوم الجيش السوداني بتكثيف الضربات الجوية في جميع أنحاء البلاد. وبسبب استيائهم من الانتهاكات المتكررة وتكتيكات الأرض المحروقة التي تتبعها القوات شبه العسكرية، يقوم عدد متزايد من المدنيين بتسليح أنفسهم وتشكيل مجموعات للدفاع عن النفس في جميع أنحاء البلاد. وبعد 14 شهرًا من الصراع؛ انزلق السودان إلى حرب أهلية محققة.