تزداد المخاوف من تعرّض الاقتصاد الفرنسي لضغوط كبيرة قد تؤدي إلى انهيار منطقة
اليورو، وذلك في ظل
الأزمة المحتملة التي قد تكون
فرنسا من تسبب في اندلاعها.
وقالت صحيفة "
فاينانشال تايمز" البريطانية في تقرير ترجمته "عربي21": إن الاهتمام العالمي ينصب حاليا على الدراما السياسية الجارية في فرنسا، بينما ستجري الجولة الأولى من الانتخابات المبكرة، التي دعا إليها الرئيس الفرنسي في 30 حزيران/ يونيو الجاري.
ويتقدم حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف حاليا في استطلاعات الرأي، بينما يحتل حزب الجبهة الشعبية الجديدة، وهو ائتلاف يهيمن عليه أقصى اليسار، المركز الثاني.
وفي أفضل الأحوال، سيؤدي البرلمان الذي يهيمن عليه المتطرفون السياسيون إلى إغراق فرنسا في فترة طويلة من عدم الاستقرار، وفي أسوأ الأحوال، تبني سياسات مسرفة وقومية من شأنها إثارة أزمة اقتصادية واجتماعية في فرنسا.
وسوف يتحول الانهيار الفرنسي بسرعة إلى مشكلة للاتحاد الأوروبي، وهناك آليتان رئيسيتان لانتقال العدوى، الأولى مالية، والثانية دبلوماسية.
وأشارت الصحيفة إلى أن فرنسا في وضع مالي مزرٍ حيث يمثّل الدين العام 110 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وقد سجّلت الحكومة الحالية عجزًا في الميزانية بنسبة 5.5 بالمئة السنة الماضية، وكلٌ من اليمين المتطرف واليسار المتطرف ملتزمان بزيادات كبيرة في الإنفاق وتخفيضات ضريبية تنتهك قواعد
الاتحاد الأوروبي وتزيد من الدين والعجز.
وقد حذر وزير المالية الفرنسي برونو لو مير، من أن انتصار أي من الطرفين المتطرفين من أقصى اليسار واليمين يمكن أن يؤدي إلى أزمة ديون في فرنسا وإشراف من صندوق النقد الدولي أو المفوضية الأوروبية على مالية البلاد.
كما أشار إلى رد الفعل على "الميزانية المصغرة" لحكومة تروس في بريطانيا، للتأكيد على مدى سرعة انقلاب الأسواق ضد أي حكومة غير مسؤولة ماليًا.
ولفتت الصحيفة إلى أن الأزمة المالية الفرنسية قد تكون أسوأ من أزمة بريطانيا مع ليز تروس. ففي المملكة المتحدة، كانت هناك آلية لإقالة تروس بسرعة واستعادة الحكومة العقلانية، لكن هذه ستكون مهمة أصعب بكثير في فرنسا حيث يتمتع اليمين المتطرف واليسار المتطرف بقيادات راسخة ولا يوجد سياسيون أكثر حذرًا وواقعية. ويتمثل التعقيد الرئيسي الثاني في أن فرنسا واحدة من 20 دولة تستخدم العملة الأوروبية الموحدة.
فماذا سيحدث إذا ارتفعت علاوة المخاطرة على السندات الفرنسية؟ لدى الاتحاد الأوروبي الآن آليات للتدخل بشراء السندات، ولكن هل ستكون بروكسل أو برلين على استعداد للموافقة على مثل هذه الخطوة؟ وفي الوقت الحالي، تكافح الحكومة الألمانية لتوفير مدخرات بمليارات الدولارات في ميزانيتها الوطنية، فلماذا ستوافق على خطة إنقاذ لفرنسا المبذرة في الإنفاق؟
وأضافت الصحيفة أن اليمين الفرنسي المتطرف واليسار الفرنسي المتطرف معارضون بشدة للاتحاد الأوروبي - ويشجبون بالفعل إملاءات بروكسل ويعبرون عن العداء لألمانيا - ويتحدّث البرنامج الانتخابي لحزب التجمع الوطني عن "التباين العميق وغير القابل للتوفيق" بين وجهات النظر العالمية لفرنسا وألمانيا. ومؤخرًا، هدد جوردان بارديلا، الذي من المرجح أن يكون مرشح حزب التجمع الوطني لمنصب رئيس الوزراء، بخفض مساهمة فرنسا في ميزانية الاتحاد الأوروبي بمقدار 2 - 3 مليارات يورو سنويًا.
وخلال أزمة الديون اليونانية، التي استمرت لما يقارب عقدا من الزمان، تغلب الاتحاد الأوروبي على التحدي الذي واجهته أثينا بالتهديد بطرد اليونان من اليورو. ولكن طرد فرنسا من اليورو - أو الاتحاد الأوروبي نفسه - أمر لا يمكن تصوره، فقد تم بناء المشروع الأوروبي بأكمله حول الثنائي الفرنسي الألماني منذ خمسينيات القرن الماضي. والأرجح أن فرنسا ستبقى في الاتحاد الأوروبي وأن العملة ستظل موحدة، ولكنها ستتصرف كعنصر مفسد، وهذا من شأنه أن يدمر التماسك والاستقرار الأوروبيين في الوقت الذي يكافح فيه الاتحاد الأوروبي لتوحيد صفوفه في مواجهة التهديد الروسي.
وأشارت الصحيفة إلى أنه ما لم يستقل ماكرون، فإنه سيستمر في تمثيل فرنسا في القمم الدولية واجتماعات الاتحاد الأوروبي، ولكن من المرجح أن يخرج الرئيس الفرنسي من هذه الانتخابات كشخصية متضائلة. وقد يستمتع بعض زملاء ماكرون الأوروبيين بهذا المشهد، ولكن تأثير فرنسا المتضائلة والغاضبة على أوروبا ستكون شديدة السوء بشكل عام.
سيركز حزب التجمع الوطني على مواجهة بروكسل باسم السيادة الفرنسية، لكن قادة اليمين المتطرف أظهروا بعض الوعي في السنوات الأخيرة بأن التشدد في أوروبا يمكن أن يخيف الناخبين والأسواق. وبعد خسارة الانتخابات الرئاسية لسنة 2017، تخلى التجمع الوطني بهدوء عن حديثه عن الخروج من منطقة اليورو.
وأفادت الصحيفة بأن الأزمة الاقتصادية - إلى جانب المواجهة مع بروكسل وبرلين - قد تؤدي إلى عودة حزب التجمع الوطني إلى نزعاته القومية والصدامية، وعلى العكس، قد يجبره واقع الحكم على التوافق مع الاتحاد الأوروبي. ويمكن الإشارة هنا إلى الأزمة الاقتصادية في فرنسا في أوائل الثمانينيات، عندما حاولت حكومة اشتراكية تنفيذ أجندة يسارية راديكالية، وقد أدت تلك الأزمة في نهاية المطاف إلى صعود جاك ديلور، أولاً كوزير للمالية الفرنسية ثم كرئيس للمفوضية الأوروبية، وقد دفع ديلور بروكسل نحو التقدم الكبير في التكامل الأوروبي وإطلاق العملة الموحدة. من غير المرجح أن يعيد التاريخ نفسه بنفس الطريقة، لكن عقودًا من الخبرة تشير إلى أنه من الخطأ المراهنة ضد قدرة الاتحاد الأوروبي على التغلب على التهديدات التي تبدو قاتلة.