قال خطيب
المسجد الأقصى ورئيس الهيئة الإسلامية العليا في
القدس، الشيخ
الدكتور
عكرمة صبري، إن "المسجد الأقصى المبارك هو اليوم
في أسوأ أحواله؛ فالاحتلال
الإسرائيلي نقل أجواء الحرب من
غزة إلى القدس والأقصى،
وفرض قوانين الطوارئ على المواطنين بدون أي مبرر، وشدّد الخناق على المصلين
بالمسجد المبارك، وأفرغ ساحاته بشكل ملموس".
وشدّد صبري، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، على أن "الاحتلال
يقوم بإجراءات تهويدية خطيرة لمدينة القدس، وأن الجماعات اليهودية كثّفت من اقتحاماتها
لباحات المسجد الأقصى بحراسة مُشدّدة من أجهزة الأمن الاحتلالية، في الوقت نفسه منعت
الآلاف من المسلمين من دخول الأقصى".
وأكد أن "الاحتلال الإسرائيلي استغل حرب غزة
من أجل الانقضاض على المسجد الأقصى، وأن الجماعات اليهودية المتطرفة أصبح لها نفوذ
كبير في الحكومة اليمينية الإسرائيلية، ويرون أن هذا اليوم هو يومهم، وهذه هي
فرصتهم السانحة من أجل تنفيذ مخططاتهم العدوانية بحق المسجد الأقصى المبارك، وبالتالي
نرى أن المخططات بحق الأقصى هي مبيتة واستغلوا الظرف القائم المُتمثل في العدوان
الإسرائيلي الحالي على غزة".
وحذّر رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس، من "خطورة المحاولات الإسرائيلية
المتواصلة للسيطرة على المسجد الأقصى سواء كان ذلك من خلال الاقتحامات أو الحفريات
أو غيرها من الأساليب الاحتلالية التي يجب علينا جميعا التصدي لها بكل الصور
الممكنة".
ونوّه الشيخ صبري (86 عاما) إلى أن "الإجراءات الإسرائيلية السريّة التي
تحدث في المسجد الأقصى تتمثل في الحفريات أسفل هذا المسجد المبارك؛ لأننا لا نعلم ما
يجري بشكل مفصل أو دقيق".
واستطرد قائلا: "بكل صراحة، الحفريات تحت الأرض لا سيطرة لنا عليها، ولا
نستطيع أن نوقفها بأي شكل من الأشكال؛ لأن هناك حراسات إسرائيلية مُشدّدة تمنعنا من
الوصول إليها بكل أسف".
وأوضح أن "الجماعات اليهودية المتطرفة منذ عام 2003 وحتى الآن تقوم
باقتحام المسجد تحت حراسات مُشدّدة، ولا يحدث أي اقتحام إلا تحت حراسة مُشدّدة، وبالتالي
المسؤولية الكاملة تقع على عاتق الحكومة الإسرائيلية لأنها متورطة في ذلك بشكل
واضح، وهي التي تحميهم، ولولا حمايتها لهؤلاء المقتحمين ما تجرأوا على الاقتحام".
محاولة السيادة على المسجد الأقصى
وذكر أن "الاحتلال ماضٍ بقوة في مخطط التقسيم الزماني والمكاني للمسجد
الأقصى، ولديه مرحلة أخرى مستقبلية تتمثل في الهيمنة الكاملة وسحب السيادة والصلاحية
من الأوقاف الإسلامية، بمعنى إذا ما نجحوا حسب مخططاتهم في التقسيم الزماني والمكاني
سيخطون خطوة أخرى ألا وهي فرض السيادة الكاملة على المسجد الأقصى".
وأردف: "التقسيم الزماني
والمكاني هو مشروع عدواني مطروح منذ أكثر من 10 سنوات، ويحاولون تنفيذه في كل مرحلة
من المراحل التي يمرون بها، والتقسيم الزماني يعني تخصيص أوقات بعينها ثابتة لليهود
داخل المسجد الأقصى بحيث لا يدخله أي مسلم في هذه الأوقات، والتقسيم المكاني يعني
تخصيص ساحة أو ساحات مُحددة لهم لا يدخلها أي مسلم، لكنهم لم يتمكنوا من تنفيذ المخطط
الزماني والمكاني، ويحاولون بين الفينة والأخرى تنفيذ مخططهم الخبيث وصولا إلى الهيمنة
الكاملة على الأقصى".
وأضاف: "السياسيون الإسرائيليون
كانوا يقولون لنا في أوائل ثمانينات القرن الماضي حينما كانت الجماعات اليهودية المتطرفة
تحاول اقتحام الأقصى، إن هذه جماعات قليلة وعددهم غير مؤثر، وأن هؤلاء مجانين لا يؤبه
بهم، واستمر هذا الكلام حتى عام 2000 حينما اقتحم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق،
أرييل شارون، المسجد الأقصى، ومن بعد ذلك بدأ الدعم السياسي الحقيقي للجماعات اليهودية
المتطرفة، والتي بدأت تنمو وتتغطرس".
وأشار الشيخ صبري إلى أن "الشارع الإسرائيلي أخذ يميل بشكل جلي إلى التطرف
إلى أن تمكنت الجماعات اليهودية المتطرفة من الوصول إلى الكنيست ثم إلى الحكومة، وأصبحوا
أصحاب قرار سياسي خطير".
ورأى أن "وصول الجماعات اليهودية المتطرفة إلى الحكومة الإسرائيلية
أثّر سلبا على مدينة القدس والأقصى، وحصلت عدة إجراءات بحق المقدسيين كان من بينها
عدم إعطاء رخص بناء، والتوسع في هدم المباني، وفرض الضرائب، والمنع من السفر، ومنع
اتصال المقدسيين بالمدن الأخرى".
وأوضح أن "أهل القدس فوجئوا بهذه الإجراءات الإسرائيلية الشديدة غير الإنسانية
وغير الحضارية وغير المبررة، ومع ذلك فإن أهل القدس ثبتوا ولم يتنازلوا عن حقوقهم،
حيث تمسكوا بأراضيهم وببيوتهم أرض الآباء والأجداد، وتمسكوا بمواقفهم رغم الظروف
الصعبة التي تعرضوا لها، ورغم الاعتقالات والأحكام العالية لدى المحاكم. حتى القاضي
لم يعد هو الذي يقرّر، إنما جهات إسرائيلية عليا هي التي تملي على المحكمة بإصدار قرارات
عالية على المعتقلين".
وحذّر بشدة من "خطورة استمرار وتفاقم الأزمات المتوالية التي يقف وراءها
المستوطنون والجماعات اليهودية المتطرفة، والذين يقتحمون المسجد الأقصى لا تتوقف صلواتهم
في حائط البراق رغم الحرب، بينما تتوقف صلواتنا نحن المسلمين في المسجد الأقصى المبارك
بكل أسف".
أمانة في أعناق جميع المسلمين
وزاد: "الأقصى أمانة في أعناق جميع المسلمين بكل بقاع الأرض، ولا تفريط
فيه، وقرار الله سبحانه وتعالى في حق المسلمين بالأقصى لا مجال للتفاوض حوله أو التنازل
عنه بأي صورة من الصور. هذا قرار من رب العالمين، ولا يملك أي مسلم أن يتنازل عن ذرة
تراب واحدة في المسجد الأقصى".
وأوضح رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس، أن "المسجد الأقصى ليس لأهل
فلسطين وحدهم بل هو مرتبط بملياري مسلم في أرجاء المعمورة كما هو معلوم، وشأنه شأن
المسجد الحرام بمكة المكرمة، والمسجد النبوي في المدينة المنورة".
واستطرد قائلا: "جميع المسلمين يحبون فلسطين؛ لأن المسجد الأقصى في قلبها،
ونحن نعتبر هذا الارتباط هو ارتباط عقيدة وإيمان وثبات. ونتمنى الثبات لجميع أهل فلسطين
لأنهم متمسكون بأرضهم المباركة المقدسة التي اعتبرها الله سبحانه وتعالى مهد الديانات
والمقدسات".
بينما استبعد تماما أن يأتي يوم ما وينتهي المسجد الأقصى من الوجود، وقال: "هذا الأمر غير وارد مطلقاً، ونؤكد في الوقت
ذاته أن القدسية هي للأرض وليست للحجر".
اتهامات إسرائيلية
وهاجم لائحة الاتهام التي أصدرتها النيابة العامة للاحتلال الإسرائيلي ضده
قبل أيام بزعم "التحريض على الإرهاب"، قائلا: "هذه اللائحة هي لائحة
باطلة وكيدية، والاحتلال يُفسّر ما أقوم به تفسيرا خاطئا؛ لأن تقديم التعازي لآباء
وأمهات الشهداء يُفسّرونها بأنها إرهاب، ونحن نعتبر أن تقديم التعازي للآباء والأمهات
بشكل عام من الشعائر الدينية الإسلامية، لأن الرسول محمدا -صلى الله عليه وسلم- قد
بشّر الأب الصابر بقصر بالجنة إذا صبر على فقد ولده بغض النظر عن سبب وفاة ولده".
ولفت صبري الذي تعرّض مرارا خلال السنوات الأخيرة للاعتقال والاستدعاء للتحقيق
والإبعاد عن المسجد الأقصى ومحيطه والمنع من السفر، إلى أنه قد علمَ بأن النيابة العامة
للاحتلال الإسرائيلي قد أحالت ملف الاتهام الخاص به إلى محكمة الصلح في القدس.
وأشار إلى أن "الهدف من ملاحقاتي من قِبل الاحتلال أنهم يريدون تكميم
الأفواه، وعدم انتقادي لسياستهم العدوانية الظالمة، وهو ما لم ولن يحدث؛ فنحن أصحاب مبدأ ثابت
وراسخ، ولا نحيد عنه لأننا ننفذ أوامر الله، وارتباطنا هو ارتباط مباشر بالله
سبحانه وتعالى"، موضحا أن
"الاحتلال يلاحق -حسب تصوره- كل مَن له تأثير في المجتمع الفلسطيني".
وحول تحريض وسائل إعلام إسرائيلية ضد الشيخ عكرمة وقولهم إن مصيره سيكون هو
نفس مصير مؤسس حركة "حماس" الشيخ أحمد ياسين، قال: "نحن مسلمون نؤمن
بقضاء الله وقدره، ونؤمن أن الأجل محتوم بإرادة الله، وهذه التهديدات لن تخيفنا ولن
تؤثر على مواقفنا الإيمانية الثابتة والراسخة".
وتحدث عن التضييقات والانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل بحق الشخصيات الفلسطينية
المؤثرة، قائلا: "رغم أن إسرائيل تدعي أنها دولة ديمقراطية، لكن ديمقراطيتها
المزعومة لشعبها فقط وليست ديمقراطية لأهل فلسطين أصحاب الأرض الأصليين، بل يمنعوننا
أحيانا من دخول الأقصى، ومنع السفر أحيانا أخرى، فضلا عن الاعتقالات والتهديدات والملاحقات
الأمنية التي نتعرض لها من وقت لآخر".
وفي 25 حزيران/ يونيو الماضي، أصدرت النيابة العامة الإسرائيلية، لائحة اتهام
لمحكمة الصلح الإسرائيلية بحق الشيخ عكرمة صبري، بداعي "التحريض".
خذلان عربي وإسلامي
وانتقد مجمل المواقف العربية والإسلامية من العدوان الإسرائيلي على غزة،
وقال: "موقف الدول العربية والإسلامية كما هو واضح ليس في المستوى المأمول، ولا
حول ولا قوة إلا بالله"، مضيفا: "لقد أوصى الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-
بوجوب النصرة، ومَن لم يقم بالنصرة فإن الله يخذله يوم القيامة".
وحول الموقف الدولي من تطورات القضية الفلسطينية، قال: "لو استعرضنا قرارات
الأمم المتحدة، والقرارات الدولية المختلفة، نجد أن جميعها تصب في صالح الفلسطينيين
والقضية الفلسطينية، ولكن مع الأسف منذ عام 1948 وحتى اليوم فإن إسرائيل لم تلتزم مطلقا
بأي قرار من القرارات الأممية والدولية".
وزاد: "نحن نُحمّل أمريكا المسؤولية الرئيسة مما يجري؛ لأنها هي التي تستخدم
الفيتو في مجلس الأمن، وهي التي تقف بجانب إسرائيل وتدافع عنها، في حين أن العراق -على
سبيل المثال- حينما خالف قوانين دولية شنّت أمريكا حربا دولية عليه، بينما لم تضع الولايات
المتحدة حدا لسلطات الاحتلال بل تدافع عنها بقوة".
ولفت إلى أن "هناك دولا ومؤسسات دولية تتعاطف مع القضية الفلسطينية، وهناك
تحرك من بعض الدول مثل جنوب أفريقيا التي لجأت لمحكمة العدل الدولية، وهناك دول أخرى انضمت للدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا، ونحن نعتبر هذا التجاوب غير المتوقع مكسبا حقيقيا للقضية الفلسطينية".
وثمّن "جهود الجامعات الأمريكية التي انتفضت
نصرة لغزة، ونتألم للصمت العربي إزاء ما يحدث في غزة، إلا أننا لم نيأس، ولن نقنط،
لأن المسلم يجب أن يبقى متفائلا بالخير".
واختتم خطيب المسجد الأقصى، بقوله: "إن أملنا بالله -سبحانه وتعالى- أمل
عظيم، ويحرم على المسلم أن يقنط أو ييأس فمن ينصر اللهَ فإن الله ينصره ولا يتخلى عنه".