ناشدت الأمم المتحدة "وقف
التصعيد" في
ليبيا بعد عودة شبح الحرب الأهلية عقب أربع سنوات من وقف إطلاق نار،
وذلك إثر تحرك قوات
حفتر باتجاه مناطق في الجنوب الغربي تسيطر عليها حكومة طرابلس
المعترف بها دولياً.
ودعت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، في بيان
صحفي لها أمس الجمعة، إلى "وقف التصعيد العسكري" و"تجنب المزيد من
التوترات"، بعد تحركات لقوات موالية لخليفة حفتر في جنوب غرب البلاد، التي
تسيطر عليها الحكومة المناوئة لحفتر والمتمركزة في طرابلس.
وطالبت البعثة الأممية، "جميع الأطراف بممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وتجنب أي عمل عسكري استفزازي يمكن أن يعرض
الاستقرار الهش في ليبيا وأمن سكانها للخطر".
من جهتها أعربت بعثة الاتحاد الأوروبي عن
قلقها إزاء التحشيدات والتحركات العسكرية الأخيرة في المنطقة الجنوبية والغربية،
وأكدت أن استخدام القوة من شأنه أن يضر بالاستقرار في ليبيا ويؤدي إلى معاناة
إنسانية وينبغي تجنبه مهما كلف الأمر.
ودعا الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف إلى الدخول
في حوار لمنع الانقسام والحفاظ على الاستقرار واتفاق وقف إطلاق النار، وحث جميع
الأطراف الليبية الفاعلة والمجموعات المسلحة على ضبط النفس ووقف التصعيد بشكل عاجل.
وأعلنت دول أمريكا وبريطانيا وفرنسا
وألمانيا وإيطاليا، أنها تشاطر المجتمع الدولي مخاوفه إزاء التحركات العسكرية
الجارية في منطقة جنوب غرب ليبيا، وأكدت أن التحركات العسكرية تهدد بالتصعيد
والمواجهة العنيفة.
ودعت هذه الدول قوات الأمن في الشرق والغرب إلى اغتنام الفرصة للتعاون في نشر تدابير فعالة لتأمين الحدود وحماية سيادة ليبيا.
وفي طرابلس أمر المجلس الرئاسي بصفته قائداً
أعلى للجيش بعودة كافة القوات إلى ثكناتها بشكل فوري ومنع أي تحرك دون إذن من
القائد الأعلى، وأكد أن رفع درجة
الاستعداد وحشد القوات والإذن بتحركها هي اختصاص أصيل للقائد الأعلى للجيش الليبي
دون غيره.
وحذر المجلس الرئاسي من أن هذه الأعمال قد
تدخل البلاد في حالة من الفوضى وتؤثر سلباً على حالة الأمن وتعتبر خرقاً لاتفاق
وقف إطلاق النار.
هذا وكانت هيئة الأركان العامة لقوات حكومة
الوحدة الوطنية، المتمركزة في طرابلس (غربا)، قد أعلنت الخميس، عن وضع وحداتها
"في حالة تأهب"، وأمرتها "بالاستعداد لصدِّ أي هجوم محتمل".
ووفقاً لوسائل إعلام محلية ومحللين، فإن
الهدف المحتمل للقوات الموالية لحفتر يكمن في السيطرة على مدينة غدامس الحدودية
الحيوية التي يوجد فيها مطار دولي ومنفذ بري يربطها بالجزائر، الواقعة على بعد 650
كيلومتراً جنوب غربي العاصمة. وتخضع غدامس حالياً لسيطرة حكومة طرابلس.
وسارعت القوات الموالية لحفتر في وقت متأخر
ليلة الخميس، في بيان مصور تلاه أحد قادتها، إلى توضيح حقيقة التحركات العسكرية
مؤكدة قيامها "فقط بتأمين المناطق الخاضعة لسيطرتها في الجنوب الغربي".
ولم تشر إلى نيتها التقدم إلى مدينة غدامس من الأساس.
يذكر أن ليبيا تعيش انقساما بين حكومتين:
الأولى معترف بها دولياً في طرابلس (غربا) برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية في
شرق البلاد وتحظى بدعم البرلمان والمشير خليفة حفتر.
وشنّ حفتر بدعم عسكري من حلفائه (
روسيا ومصر
والإمارات العربية المتحدة) هجومًا واسعا في الفترة من نيسان/ أبريل 2019 إلى
حزيران/ يونيو 2020 للسيطرة على طرابلس. وتم إيقافه على أطراف المدينة من قبل قوات
حكومة الوحدة الوطنية المدعومة من تركيا، قبل انسحاب قواته بالكامل إلى الجفرة
وسرت وسط ليبيا.
تصعيد قوات حفتر رسالة روسية
وفي لندن اعتبر القيادي في حركة
"رشاد"
الجزائرية المعارضة محمد العربي زيتوت، أن توجه قوات حفتر إلى
الجنوب الليبي ليس قرارا ليبيا خالصا، وإنما هو جزء من تصعيد روسي إماراتي ضد الجزائر
والنظام الحاكم فيها تحديدا..
وأوضح زيتوت في تصريحات خاصة لـ
"عربي21"، أن
النظام في الجزائر يعيش أزمة خانقة في السنتين الأخيرتين بسبب أخطاء جسيمة ارتكبها
في علاقته مع روسيا، حيث إنه سهل في البداية وتحديدا في أكتوبر 2021 دخول مليشيات فاغنر إلى
مالي، وذلك في إطار مناكفة منه لفرنسا وتنفيذا لمطالب روسية، لكنه لم يكن يعلم أن
تلك القوات الروسية دخلت إلى مالي بدعم إماراتي سرعان ما تنقلب عليه، خصوصا بعد الانقلاب الذي قاده عقداء ضد زملائهم
الانقلابيين في 2021،
ليسيطر على الحكم في مالي العقيد أسيمي غويتا..
وأشار زيتوت إلى أن صعود العقيد أسيمي غويتا
إلى قيادة عسكر مالي عزز بدوره من الوجود الروسي في دول المنطقة، إضافة إلى نفوذها
في أفريقيا الوسطى وليبيا.. وكانت روسيا تريد الوصول إلى الساحل والصحراء المليئة
بالمعادن النفيسة والذهب بمساعدة الإمارات..
وأضاف: "عندما شعر الفرنسيون بأن النظام
الجزائري بدأ يلعب لعبة مزدوجة، في الوقت الذي استمر فيه بدعم فرنسا في
مالي، فإنه سمح أيضا بتمدد النفوذ الروسي إلى مالي ودول الساحل والصحراء، ومن هنا
شن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هجوما على النظام الجزائري في سبتمبر 2021، وأكد أن
تبون عالق داخل هذا النظام.. وتهجم على الجزائر وقال إنها لم تكن أمة وأن
الاستعمار هو من صنعها، وهو ما أغضب النظام الجزائري بحيث تمت الإطاحة بالجنرال
محمد قايدي وهو من أهم الجنرالات ومحسوب على الجناح الغربي-الفرنسي، وكان متوقعا
أن يخلف شنقريحة على رأس الجيش، والأمر الثاني أن الفريق السعيد شنقريحة سرع إدخال
فاغنر إلى مالي عبر الجزائر".
وأكد زيتوت أنه وعلى الرغم من عودة العلاقات
الجزائرية-الفرنسية إلى التحسن، إلا أن الانقلابين اللذين وقعا في بوركينافاسو والنيجر وتنامي النزعة الرافضة للوجود الفرنسي في أفريقيا، وهي نزعة أصيلة، كانت
هذه المرة بدعم وتحريض من روسيا..
وقال: "روسيا خطتها الاستراتيجية ليست
السيطرة على الذهب والمعادن النفيسة وإنما أيضا كان هدفها إحداث اضطرابات في
أوروبا بإيصال أكبر عدد ممكن من الأفارقة عبر تونس وليبيا تحديدا بسبب ضعف
الدولتين".
وتابع: "أما بعد حرب أوكرانيا فقد وسع
الروس استراتيجيتهم لتكون الفكرة هي تفكيك أوروبا إذا أمكن ردا على سعي الغرب
لتفكيك روسيا والتي كشف عنها الرئيس بوتين أكثر من مرة، ولعل ما جرى في بريطانيا مؤخرا
وفي فرنسا قبل عام يؤكد هذا المنحى".
ولفت زيتوت الانتباه إلى أن "العلاقات
التاريخية التي كانت تربط النظام الجزائري بموسكو تنهار حاليا، ليس فقط بسبب
الموقف الروسي في مالي والنيجر وهو موقف يتعارض مع المصالح الجزائرية، وإنما أيضا
بسبب غضب موسكو من الموقف الذي اتخذه النظام في الجزائر بعد اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، حيث سارع إلى الإعلان أن الغاز الجزائري هو البديل للغاز الروسي
بالنسبة لأوروبا، وفعلا زادت الصادرات الجزائرية من الغاز إلى دول أوروبية (إيطاليا)
كانت تعتمد أساسا على الغاز الروسي".
وتابع: "موضوع الغاز وحول مالي والنيجر
كان سببا كافيا لأن لا يدعم الروس دخول الجزائر إلى منظمة البريكس"، ومما زاد الغضب في الجزائر العاصمة هو تصريح لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في إجابة
عن سؤال عن المعايير التي جعلتهم يقبلون دولا ويرفضون أخرى، قال فيه إننا قبلنا
الدول التي لها هيبة وتأثير على الصعيد الدولي (السعودية والإمارات ومصر
والأرجنتين وإيران).. فقد شعر النظام الجزائري بإهانة من طرف حلفائه الروس.. ليتطور
الموقف الروسي في خصومته إلى دعم الجيش المالي للسيطرة على مدن الأزواد التي كان
لها حكم ذاتي، واكتملت السيطرة على أكثرية مناطق الأزواد في نهاية نوفمبر الماضي..
وأسابيع بعد ذلك شن عسكر مالي هجوما شديدا على النظام الجزائري وألغوا الاتفاق بين
الأزواد وباماكو المعروف بـ’اتفاق الجزائر’، وكان قد وقع في العام 2015 ".
وأضاف: "تلا ذلك إقدام عسكر مالي بدعم
من مليشيات فاغنر على مطاردة الأزواديين وتهجيرهم إلى داخل الجزائر.. والبعض ذهب
إلى موريتانيا.. ومما أغضب جنرالات الجيش الجزائري الذين اتفقوا مع الروس على أن لا
تقترب مليشيات فاغنر والجيش المالي أكثر من 80 كيلومترا من حدود الجزائر، وهم ما تم نقضه على
الأرض، بل إن الأمر وصل حد قتل قيادات أزوادية مقربة من النظام الجزائري".
وتابع: "لقد كانت زيارة قائد الأفريكوم الأخيرة إلى الجزائر أيضا فارقة في إيصال رسالة تهديد أمريكية إلى الجزائر للمساعدة في تطويق النفوذ الروسي في دول الساحل الأفريقي (الأمريكيون يلومون قيادة الجيش الجزائري لأنها هي التي سهلت في البداية دخول فاغنر إلى مالي)، بعد ذلك تم تداول أنباء عن دخول السلاح الأوكراني إلى ثوار الأزواد، وجرت معارك طاحنة قبل أيام كبد فيها ثوار الأزواد فاغنر والجيش المالي هزيمة كبيرة.. وهذا ما فاقم من غضب الروس الذين أوعزوا لحفتر بالتحرك في اتجاه حدود الجزائر والسيطرة على المعبر الحدودي ’يسين’ والتهديد بالسيطرة على غدامس".
ولفت زيتوت الانتباه إلى أن ما يؤكد الغضب
الروسي هو التلاسن الذي حصل أول أمس في مجلس الأمن، وهو يحدث لأول مرة في تاريخ
العلاقات بين البلدين، حيث هاجم الممثل الروسي الملاكمة الجزائرية إيمان خليف التي
فازت بالميدالية الذهبية في أولمبياد فرنسا، ودفع النظام الجزائري بالآلاف إلى الشوارع
احتفالا بذلك على الرغم من أنه يمنع المظاهرات حتى تنديدا بحرب الإبادة على غزة،.
وأضاف: "تتوسع أسباب الخلاف بين
النظام الجزائري وحليفه الروسي الذي كان يزوده بنسبة 85 بالمائة من السلاح والتكوين العسكري، وهو ما
سيؤدي إلى مشاكل كبرى داخل الجيش إذا ما امتنع الروس عن بيعهم السلاح، وخصوصا قطع
غيار السلاح"، على حد تعبيره.