أثار تدشين
مهرجان
العلمين الجديدة في الساحل الشمالي
المصري الجدل حول تقليد حكومة رئيس
النظام
عبد الفتاح السيسي، حكومتي الرياض وأبو ظبي، الثريتين، خاصة مع ما تحمله
النسخة الثانية من المهرجان من مظاهر إنفاق باذخ في بلد أغلب سكانه فقراء، ومدين
بأكثر من 400 مليار دولار ديونا محلية وخارجية، ويبيع أصوله السيادية لدفع خدمات
تلك الديون، بحسب خبراء.
مدينة العلمين
الجديدة الواقعة على ساحل البحر المتوسط على مساحة 48 ألف فدان، كان بناؤها قد
أثار الجدل للتكلفة الكبيرة التي تحملتها خزينة البلد العربي الأفريقي الذي يعاني
صعوبة في تلبية الحاجات الأساسية لـ106 ملايين نسمة، خاصة مع إنشاء مشروع البرج
الأيقوني كأطول بناء على ساحل المتوسط، و4 ناطحات سحاب أخرى في الصحراء، بتكلفة
نحو ملياري دولار.
وفي المدينة
التي تتخذها الحكومة المصرية كعاصمة صيفية لها، انطلقت فعاليات مهرجان العلمين
الجديدة 2024، تحت شعار "العالم علمين"، ولمدة 49 يوما بداية من 11
تموز/ يوليو الماضي، وحتى نهاية آب/ أغسطس الجاري، عبر 5 مهرجات للموسيقى والغناء،
والترفيه، والطعام والمسرح، والرياضة، والطفل.
"تقليد الإمارات"
والجمعة
الماضية، انتقل وزير السياحة المصري شريف فتحي، بصحبة 11 سفيرا أجنبيا لدى
القاهرة، إلى مدينة العلمين الجديدة للمشاركة في مهرجانها، في محاولة لجذب السياحة
الخارجية إلى تلك المنطقة التي تكلفت مليارات الدولارات.
كانت كلمات سفير
دولة كازاخستان، على الهواء من قلب المدينة الجديدة لافتة حين أكد أن ما يجري في
العلمين يشابه تماما ما تم في الإمارات، حيث قال: "أعجبني بناؤكم في العلمين
الجديدة وظللت 6 سنوات سفيرا في الإمارات وهذه المنطقة تشابه تماما الإمارات".
وفي مهرجان
العلمين يجري تقليد "مهرجان الرياض" الترفيهي العالمي الذي يقام في
العاصمة السعودية، منذ العام 2019، ويهدف لتحويلها إلى وجهة ترفيهية سياحية عالمية
حيث تقوم "هيئة الترفيه" السعودية بتقديم حفلات غنائية ومسرح وسينما،
ومسابقات رياضية، وفعاليات تسوق، وغيرها.
وإلى جانب عروض
مسرحية لأشهر الممثلين المصريين، مثل كريم عبد العزيز ونيللي كريم، توجد الحفلات
الغنائية لأشهر المطربين والمطربات المصريين والعرب بمهرجان العلمين، مثل ماجدة
الرومي، وديانا حداد، وكاظم الساهر، وعمرو دياب وغيرهم، في نحو 20 فعالية فنية،
وذلك على غرار مهرجان الرياض، بل وبالتعاون معه.
وجاء حفل عمرو
دياب الجمعة الماضية، إلى جانب عرض مسرحية "السندباد" في إطار تعاون
مشترك من موسم الرياض وهيئة الترفيه السعودية، والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية،
مع مهرجان العلمين.
ومن أبرز ما
تبقى من فعاليات النسخة الثانية من
مهرجان العلمين الجديدة، حتى نهاية الشهر
الجاري، عرض مسرحيات بطولة إيمي سمير غانم وحسن الرداد، ومسرحية لأشرف عبد الباقي
وكريم محمود عبد العزيز، وحفلات لفرقة مسار إجباري، وحمزة نمرة، وسعاد ماسي، وفرقة
كايروكي، والمغني ويجز.
وكان لافتا
المبالغة في أسعار تذاكر حفلات المهرجان، في بلد يعاني فيه أغلب سكانه من ارتفاع
أسعار تذكرة ركوب مترو الأنفاق بالقاهرة الكبرى التي جرى رفعها مطلع الشهر الجاري
إلى 20 جنيها.
إذ بلغت تذاكر
حفل عمرو دياب، بين مليون جنيه للكابينة و600 جنيه للفئة العادية، وفئات سعرية
أخرى متنوعة، فيما تصل أسعار تذاكر بعض حفلات مهرجان العلمين إلى 160 ألف جنيه
لفئة "vip free standing".
"عروض الكلاب"
لكن الأكثر
إثارة في النسخة الثانية من مهرجان العلمين الجديدة، كان إقامة أول عرض أزياء
للكلاب، في تقليد لما يجري في الإمارات مثل مهرجان دبي للحيوانات الأليفة، بحسب
مراقبين.
"للترويج لا للربح"
وحول المكاسب
المالية التي يمكن أن تحققها مصر من مهرجان العلمين وخاصة في مجال السياحة، قال
الكاتب والباحث الاقتصادي محمد نصر الحويطي: "على الوجه الأشمل والأعم؛ عادة
هذه المهرجانات والمؤتمرات تأتي ترويجا للوجهات السياحية".
وفي حديثه
لـ"عربي21"، أضاف أنه "ليس بالضرورة أن تكون ذات عائد اقتصادي
مباشر؛ فعوائدها تكون غير مباشرة من خلال الترويج والتسويق للمناطق السياحية أو
الأماكن الجديدة والخدمات المرفقة بها".
وأكد أنه
"دائما ما يطلقون على مناطق تلك المحافل (mark
Land)،
علامات تجارية أو مناطق ذات علامات تجارية"، مشيرا إلى أن "هناك سوابق
لترويج مماثل في الساحل الشمالي، ومنطقة الجونة، وحاليا بمدينة العلمين الجديدة،
وبعد فترة ستكون هناك مناطق جديدة يتم الترويج لها مثل رأس الحكمة".
وفي رؤيته،
الاقتصادية، لا يعتقد الحويطي، أن "مهرجان الجونة مثلا لو عملنا مقاربة
اقتصادية مباشرة سيكون مربحا بشكل مباشر للشركة القائمة عليه، بقدر ما هو ترويج
للسياحة في تلك المنطقة"، مؤكدا أن "هذا هو الحال بكل المحافل في
العالم، وبينها موسم الرياض".
وخلص للقول:
"المحافل نفسها ليس الغرض منها الربح منها بقدر جذب شرائح من السائحين، وبيع
العديد من الخدمات السياحية، والبضائع، والمنتجات، وجذب عملات صعبة"، معتقدا
أن "هذا هو التفكير لدى وزارة السياحة أو الجهات المختصة بهذا الصدد في
مهرجان العلمين".
"مظاهر غريبة عن شعب فقير"
وحول تقليد
حكومة السيسي، الذي جعل بلاده تعيش على الاستدانة لمهرجانات الإمارات والسعودية،
قال السياسي المصري خالد الشريف: "في ظل حكم الاستبداد يتم التقتير على الشعب
والإسراف على السلطة وملذاتها".
وفي حديثه
لـ"عربي21"، أكد أن "كل ما يجري من مهرجانات وليالي أنس في البلاد
الساحلية لا يمت للشعب بصلة؛ فهي مظاهر غريبة عن شعب فقير، يعاني الأمرين من أجل
لقمة العيش ويعيش نصفه تحت خط الفقر".
وأضاف:
"وفي ظل نظام يحكم بالحديد والنار، ويستدين بالمليارات من أجل ملذاته
وأفراحه، ويعيش الشعب يلعق أحزانه ومرارة استعباده"، مشيرا إلى أن "أعجب
من تلك المهرجانات أنها تأتي في الوقت الذي تُباد فيه غزة وتُحاصر".
وتابع:
"والنظام المصري يرضى بالذل والهوان بعد أن أغلق الاحتلال معبر رفح المنفذ
الوحيد لحياة أهل غزة، وانتهك اتفاقية السلام دون أن يحرك ساكنا، وفي المقابل يقيم
المهرجانات ومعارض أزياء الكلاب، والناس يموتون جوعا في غزة والسودان دول الجوار".
وختم بالقول:
"هذه سلطة لا تعبر عن الشعب المصري، والكل يتبرأ منها، وعليها أن ترحل".
"حفلات تبديد الأموال"
وفي قراءته، قال
السياسي المصري عمرو عبد الهادي: السيسي يحاول تبديد ثروات مصر من البداية للوصول
إلى هذه النقطة، فمنذ العام 2014، وإعلان برنامجه الانتخابي، وأكدت أن هذا
البرنامج سيقود مصر للإفلاس، وبالفعل قادها إلى الإفلاس".
عبد الهادي،
أضاف في حديثه لـ"عربي21": "لكن الفارق الوحيد أننا حسبنا السيسي،
فاشل؛ لكن اتضح بعد عدة سنوات أن هذا الوضع مقصود، وأنه يسارع للوصول إلى نقطة بيع
أصول مصر".
وأكد أن تلك
الحالة "خدمت إسرائيل، فوجدناها وللمرة الأولى منذ إنشاء كيانها المزعوم تقوم
بمناورات في البحر الأحمر"، مشيرا إلى أنه "أصبح الآن مطالب ببيع
الأصول، ولكن لمعرفة الخليج أحوال مصر وعدم استقرارها سياسيا عزفوا عن شراء (رأس
جميلة)".
ويعتقد أنه
"لذلك يتحرك السيسي في إطار البيع للغرب، وأصبح كل شئ في مصر يتم شراؤه
بالوكالة من إسرائيل"، مبينا أنه "يضرب عصفورين بحجر واحد، فيقوم بحفلات
لتبديد أموال المصريين، وفي ذات الوقت ليثبت لصندوق النقد الدولي أنه جاد في بيع
الأصول لكن الشركات تعطل الصفقات الجديدة".
وأكد أن
"الحكومة المصرية أصبحت سمسارا، ورئيس الوزراء أصبح مجرد تاجر يعمل بعموله".
وقال إن
"الحكومة كلها بلا استثناء تحمل جنسية مزدوجة ولا تنتمي لمصر، بل تنتمي لمخطط
تقسيم مصر، والتقسيم له مخططات كثيرة، منها بيع أصول الدولة للأجانب ومنها قيام
حركات تحديد مصير، ومنها القبلية التي أنشأها السيسي بتقديم تاجر المخدرات إبراهيم
العرجاني".
وأضاف:
"ومنها أيضا تفتيت نسيج المجتمع، كما يحدث حاليا لتصبح مصر مستقبلا قسم يحارب
الآخر"، مؤكدا أن "ما يفعله السيسي الآن هو الإسراع في بيع ما تبقى من
أصول مصر ليصبح مستقبلا مجرد ضيف يجلس على عرش مصر وصندوق النقد الدولي هو من يدير
مصر".
وختم قائلا:
"هذه المهرجانات كما الراقصة التي تعرض بضاعتها في الحانات، وهي لا تملك منها
شيئا، فالوطن يباع بالقطعة وبالإجمالي من قبل لصوص، إلى مجتمع دولي محتل جديد".
"فعاليات مُفرّغة المضمون"
وفي رؤيته، قال
السياسي المصري محمد عماد صابر، في حديثه لـ"عربي21": "كعادة
النظام المصري يستخدم سياسة التعتيم عبر الفعاليات المُفرّغة من أي مضمون حقيقي أو
عائد اقتصادي يُحسن من واقع المصريين".
وأضاف: "هو
لا يخاطب الداخل المصري بهذه الفعاليات، بل يخاطب شرائح خارجية بعينها"،
مؤكدا أن "النظام ينتهج سياسة الاستقطاب الفئوي لتثبيت أركان حكمه عبر مغازلة
مصالح دول خارجية داعمة له في المقام الأول".
وأوضح أن
"تلك الفعاليات مجرد ديكور شكلي لزوم الشو الإعلامي للمصريين في الداخل، بأن
الدولة تجذب وتستثمر وفي النهاية تظل المخرجات متشابهة".
صابر، يرى أن
"ما حدث هو امتداد للمؤتمر الاقتصادي من حيث الشكل والأهداف الموجهة للداخل؛
لكن من حيث المضمون تظل عائدها على مصلحة النظام بشخصه ومصالح حلفائه فقط لا غير".
ومضى يقول إن
"هذا نظام يلهو ويعبث؛ ودمر السياحة الحقيقية التي تدر عائدا يصب في صالح المصريين"،
مؤكدا أنها في النهاية "تمثل مكاسب شخصية للنظام ورجاله".
وأشار إلى أن
"التوغل الخارجي الذي نخر في عظام مصر لن يُدر على اقتصادها منافع؛ بل الهدف
واضح، وهو الالتفاف الاقتصادي حول مصر لخدمة أهداف سياسية، إضافة إلى استفادة
الدول التي تبحث عن عائدات مثل دول الخليج".
ولفت إلى أن
"ما نراه الآن من سياسة البيع بلا حساب هو نفخ في عمر النظام وليس خدمة
للاقتصاد المصري، فمصلحة مصر والمصريين تتذيل قائمة أولويات النظام وداعميه إن لم
تكن في حساباتهم من الأساس".
وخلص للقول:
"ما وراء الكواليس يختلف تماما عما نراه على السطح، والبلد تباع حرفيا وسر
تماسكها حتى الآن هو مقوماتها الضخمة التي تدفع أي لوبي مصالح أن يتآمر عليها
ويملك قراراتها، ودول الخليج الآن تنتهج نهج اليهود مع أمريكا وهي السيطرة
الاقتصادية للتحكم في القرار السياسي، وتكون مصر وعاء قوة لهؤلاء وليس أداة قوة
تهدد مصالحهم".