في كل مرة يثار فيها موضوع بيع
قناة السويس تسارع
الحكومة إلى النفي، وتؤكد على أهمية القناة كجزء لا يتجزأ من السيادة الوطنية.
ومع ذلك، يظل القلق سائداً بين
المصريين،
خاصة في ظل مضي حكومتهم قدماً في برنامج الطروحات وإنشاء لجنة لتصفية الأصول بهدف تحقيق
عوائد مالية للدولة.
هذا التوجه يفتح الباب أمام تساؤلات عديدة
حول مستقبل الأصول الوطنية، بما في ذلك قناة السويس، ومدى تأثير هذه السياسات على الأمن
القومي والاقتصاد المصري.
التوسع في خصخصة الأصول
من بين مهام الحكومة المصرية الجديدة، التي
أثارت جدلا واسعا في الأوساط السياسية والاقتصادية، إنشاء لجنة "تصفية الأصول"
بهدف تحقيق عائدات سنوية للخزينة العامة للدولة.
تستهدف الحكومة من ذلك تحقيق 20 و25 مليار
جنيه سنويًّا ( الدولار يعادل 48 جنيها) للخزينة العامة للدولة من عائدات التخارج خلال
الأعوام المقبلة، وفق ما جاء في خطة الحكومة الجديدة للسنوات الثلاث المقبلة. هذا التوجه
يثير التساؤلات حول إمكانية شمول قناة السويس في هذه الخطة، خاصة في ظل الاحتياج الملح
لتمويلات كبيرة.
الأهمية الاقتصادية لقناة السويس
تعدّ قناة السويس أحد أهم الممرات المائية
في العالم، وهي أقصر طرق الشحن بين أوروبا وآسيا حيث تساهم بشكل كبير في الاقتصاد المصري
من خلال رسوم العبور.
وتعد القناة من المصادر الرئيسية للعملة
الصعبة لمصر، وحققت القناة في العام المالي 2022-2023 عائدات مالية بلغت 9.4 مليار دولار، وهي أعلى إيرادات سنوية تسجلها.
الأبعاد الأمنية والسيادية
إلى جانب الأهمية الاقتصادية، تلعب قناة
السويس دورًا حاسمًا في الأمن القومي المصري. فهي جزء لا يتجزأ من السيادة الوطنية،
وبيعها قد يهدد هذه السيادة ويضعف القدرة على حماية المصالح الوطنية.
لذلك يظل موضوع التصرف بأي شكل من الأشكال
في قناة السويس سواء بالبيع أو الإيجار حساسًا نظرًا للأبعاد الاقتصادية والأمنية المرتبطة
به.
"مطامع استعمارية وأخرى استثمارية"
حول ما يثار من وقت لآخر بشأن قناة السويس،
يقول الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، إن "هناك مطامع كبيرة جدا في قناة
السويس جزء منها استعماري، وهي ليست وليدة اللحظة، إلى جانب الأطماع الإقليمية في القناة
لتحقيق أرباح وعوائد مالية ضخمة، كما أننا نرى تحصل دولة الإمارات على أرباح خيالية نتيجة
حسن إدارتها موانئ ومرافئ حول العالم بما فيها موانئ مصرية".
وأوضح في تصريحات لـ"عربي21" أن "قناة السويس في وضعها الحالي تثير شهية تلك الدول في ظل تحقيق أعلى عائد سنوي
لا يتجاوز الـ10 مليارات دولار، ومتوسط عائد 6 مليارات طوال سنوات طويلة في حين تتصور
بعض الدول أو الشركات الكبرى أنها تستطيع أن تدر 100 مليار دولار لو أحسنت إدارتها
خدميا ولوجستيا".
على الجانب الآخر، يستدرك عبد المطلب، هناك
في الحكومة المصرية أصوات ربما تفكر إذا ما كانت قناة السويس يمكن استثمارها وزيادة
دخلها إلى 100 مليار دولار بالفعل سنويا من خلال تأجيرها أو إسناد إداراتها مع الحفاظ
على ملكيتها للدولة وسيطرتها على الممر الملاحي بشكل مطلق، ويحكمها في ذلك أبعاد اقتصادية
بشكل براغماتي بحت في ظل التوجه الإقليمي لشرق أوسط تحكمه جميعا مصالح مشتركة مع تزايد
تطبيع غالبية الدول مع إسرائيل".
التفريق بين المجرى الملاحي والمناطق الاقتصادية
للقناة
يؤكد الخبير الاقتصادي، محمد النجار، أن
"قناة السويس ليست للبيع ولا يملك أي مسؤول مصري ذلك لا الآن ولا مستقبلا، لعدة
اعتبارات تتعلق بوضعها الاستراتيجي والأمني والبعد القومي ووقوعها في واحدة من أسخن
مناطق الصراعات، ولكن ما طرح من بعض الاقتصاديين هو توريق قناة السويس وهو بيع العائد
بالآجل لمدة زمنية محددة، أي أن الحكومة يمكن الاقتراض بضمانها ما يوازي إيراداتها
السنوية بنسبة فائدة بسيطة للغاية".
وأوضح لـ"عربي21" أنه "يجب
أن نفرق بين قناة السويس كمجرى وممر ملاحي غير مطروح للبيع، وبين المناطق اللوجستية
والصناعية والاقتصادية حول قناة السويس، وعمليات البيع فيها مستمرة منذ عهد مبارك،
ولدينا مثال ذلك حصول شركة موانئ دبي العالمية على حق إدارة ميناء العين السخنة على
البحر الأحمر عام 2008 وتم تجديد الاتفاق وإضافة 3 موانئ أخرى، وبالتالي فإن المناطق
الاقتصادية إما مطروحة للبيع أو المشاركة".
ولكنه أضاف في حديثه لـ"عربي21":
"إلا أن الحكومة لا تتوانى عن عرض أي أصول للبيع كما باعت العديد من شركات الأسمدة
وغيرها والتي تمس حياة ملايين المصريين وأمنهم الزراعي والغذائي. وما أثير حول إنشاء
لجنة تصفية الأصول هو أمر غير مسبوق، فقد كان الحديث دائما عن خصخصة الشركات أو برنامج
الطروحات، ولا نعرف المقصود بتلك الأصول".