ملفات وتقارير

السيسي يستبق مراجعة ملف مصر الحقوقي بجنيف بتعديلات هامة.. هل يطبقها؟

متحدثون لـ"عربي21" رأوا أن قرار السيسي "تطور شكلي قد لا يرقى إلى حيز التنفيذ الفعلي"- الأناضول
استبق رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، الاستعراض الدوري الشامل لمتابعة ملف حقوق الإنسان، المقرر في مدينة جنيف السويسرية، بإعلان قبول توصيات "الحوار الوطني" حول ملف "الحبس الاحتياطي"، المثير للجدل، وقرر إحالتها للحكومة، وذلك في الوقت الذي تتصاعد فيه المطالبات الحقوقية بإنهاء الملف الذي يمس آلاف المعتقلين السياسيين. 

ورغم ما صحب قرار السيسي، من دعاية إعلامية موسعة إلا أن حقوقيين ومراقبين ومتحدثين لـ"عربي21"، رأوا أن ذلك تطور شكلي قد لا يرقى لحيز التنفيذ الفعلي، مؤكدين أنه يستبق بهذه القرارات مراجعة ملف مصر الحقوقي في الأمم المتحدة، عبر تقديم إصلاحات قد تكون مطلوبة ومهمة، لكنهم شككوا في إمكانية تفعيلها بالإفراج عن آلاف مسجوني الرأي. 

وبحسب ما نقلته رئاسة الجمهورية، قال السيسي، إن استجابته لتوصيات الحوار الوطني -أطلقه في نيسان/ أبريل 2022- نابعة من الرغبة الصادقة بتنفيذ أحكام الدستور المصري، والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان".

وأكد السيسي، على عدد من النقاط التي يطالب بها حقوقيون معارضون، وهي كالآتي: "أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطي، والحفاظ على طبيعة الحبس الاحتياطي كإجراء وقائي تستلزمه ضرورة التحقيق، دون أن يتحول إلى عقوبة، وتفعيل تطبيقات بدائل الحبس الاحتياطي، والتعويض المادي والأدبي وجبر الضرر، لمن يتعرض لحبس احتياطي خاطئ". 

"ضجة تشير إلى الهدف" 
وجاء الضجيج الإعلامي، قبل مناقشة ملف الحبس الاحتياطي في لجان الحوار الوطني، وقبل عرض توصياته على السيسي، وقبل إحالته التوصيات للحكومة.

وفي تموز/ يوليو الماضي، وافقت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، الذي يستهدف تعديل بعض الأحكام المتعلقة بالحبس الاحتياطي. 

وأقرت اللجنة ذات البنود، وبينها تقليص مدة الحبس المصرح بها قانونيا ووضع حد زمني لها في قضايا الجنح والجنايات والجرائم التي تكون عقوبتها الإعدام والمؤبد، فضلا عن تعويضات الحبس الاحتياطي الخاطئ، واعتماد بدائل عن الحبس الاحتياطي.

تشير تقديرانت إلى تسبب هذا الملف باستمرار حبس أكثر من 30 ألف مصري من الذين أنهوا العقوبة ويجرى تدويرهم في قضايا أخرى. 

وفي وقت سباق، أشارت تعديلات قانون "الإجراءات الجنائية" المقدمة من الحكومة إلى البرلمان، إلى وضع حد أقصى لمدة الحبس الاحتياطي، وتقليصه في قضايا الجنح لـ4 أشهر بدلا من 6 أشهر، وإلى سنة في قضايا الجنايات بدلا عام ونصف، وتقليصه من سنتين إلى سنة ونصف حال كانت العقوبة المقررة السجن المؤبد أو الإعدام.  

وأعطى التعديل لوكيل النيابة إصدار قرار بالحبس الاحتياطي 4 أيام في وقائع الجنح والجنايات المعاقب عليها بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وفي حال الرغبة بمد الحبس الاحتياطي، فيكون القرار صادرا عن القاضي الجزئي، وذلك بعد سماع المتهم والنيابة، على ألا تزيد المدة عن 15 يوما ولا يتجاوز مجموعها 45 يوما. 

وإذا رأت النيابة مد مدة الحبس الاحتياطي، يتم عرض الأوراق على محكمة الجنح المستأنفة، لتصدر أمرا بمد مدة الحبس أو التدبير لمدد متعاقبة لا تزيد على 45 يوما، أو بالإفراج عن المتهم، ويتم العرض على النائب العام إذا انقضى على حبس المتهم احتياطيا 90 يوما، لاتخاذ الإجراءات التي يراها كفيلة لإنهاء التحقيق. 

"مغازلة المجتمع الدولي" 
وأثار إدراج مناقشة ملف الحبس الاحتياطي في جلسات الحوار الوطني ورفع التوصيات إلى السيسي، جدلا. وهو ما أشار إليه الكاتب الصحفي قطب العربي، بقوله إن الهدف "تقديمها للمجتمع الدولي خلال المراجعة الدورية لملف انتهاكات مصر لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، خاصة وأن توصيات المراجعة السابقة (270 توصية) طلبت احترام النصوص الدستورية الخاصة بالمعتقلين والمحبوسين احتياطيا". 

وأضاف العربي، عبر "فيسبوك": "نظام السيسي يستغبي شعبه، ويعتقد أنه قادر على استغباء المجتمع الدولي والأمم المتحدة"، مشيرا إلى أن السيسي، يزعم أن احترامه للدستور بينما هو الأكثر عداء للدستور، مطالبا إياه بأن يراجع أوضاع المحبوسين احتياطيا، ويفرج عن كل من تجاوز السنتين حبسا احتياطيا، ويوقف تدوير المحبوسين على قضايا جديدة ملفقة من داخل محبسهم، مؤكدا أنهم بالآلاف. 

 

وما يؤكد وجهة النظر تلك أن وزير الشئون النيابية والقانونية محمود فوزي، ترأس قبل نحو أسبوعين من قرار السيسي، وتحديدا في 5 آب/ أغسطس الجاري، اجتماعا موسعا مع رئيس الأمانة الفنية للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان السفير خالد البلقي، ومجموعة خبراء ومتخصصين، لمناقشة تقرير استعراض ملف حقوق الإنسان الذي سيعرض هذا العام في جنيف، خلال تشرين الأول/ أكتوبر، وفق بيان وزاري. 

كما أنه وفي اهتمام لافت بالملف الحقوقي، من قبل وزارة الخارجية المصرية، وفي 16 آب/ أغسطس الجاري، تحدث لوكالة أنباء "الشرق الأوسط" الحكومية، رئيس اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين في الخارج بدر عبدالعاطي، عن هذا الملف. 

وقال إن التقرير التنفيذي للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في عامها الثاني؛ يظهر عمق وشمول الجهود الوطنية المبذولة لحماية وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية، تنفيذا لما نص عليه الدستور المصري، والتزامات مصر الدولية في هذا الشأن. 

"ماذا عن التنفيذ؟" 
وفي حديثه لـ"عربي21"، عن هدف السيسي، من تلك التعديلات وهل هي لتحسين ملفه الحقوقي في الخارج وأن الأمر لن يعدو البروباغاندا؟، أم إنه سينفذ ما اتفق عليه مع الحوار الوطني وأقرته لجنة البرلمان؟، قال السياسي المصري الدكتور ثروت نافع: "في اعتقادي الموضوع شكلي جدا". 

وأضاف: "كان يحدث في السنوات السابقة أن يتم بعض التعديلات قبل الاجتماع الدوري لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ويمكن أن تكون التعديلات هذه المرة في ظل ضغوط دولية اقتصاديا داخليا وخارجيا أكبر، وهناك دفع في هذا الاتجاه لتحسين مركز مصر في حقوق الإنسان". 

وكيل لجنة الأمن القومي بمجلس الشورى المصري السابق، استدرك قائلا: "لكن يبقى السؤال القديم الجديد، وهو هل هناك تفعيل حقيقي للنصوص الدستورية؟، وهل هناك رغبة سياسية حقيقية، ونحن نعلم أن حقوق الإنسان والحقوق السياسية في مصر بيد السلطة التنفيذية ويد سلطة رئيس الجمهورية؟". 

ومضى يؤكد أنه "إن لم تكن هناك نية خالصة صادقة فكل هذه التعديلات ستكون شكلية"، ملمحا إلى أن "الملف ليس فقط خاص بالحبس الاحتياطي، وإن كان ملفا جديرا بالذكر والاحترام، لكن ماذا عن المنافي والمسجونين بأحكام مبالغ فيها؟، وماذا عن المختفين قسريا؟، وماذا عن المسجونين في قضايا رأي سياسي؟". 

وخلص للقول: "إذا كانت هناك رغبة سياسية حقيقية فكل هذا لا يحتاج حوار وطني، ولكن إلى قرار سياسي سريع"، ملمحا إلى أنه "ربما يكون التحرك الأخير نتيجة أن هناك شعور بالضغط الخارجي، وأيضا الغضب الداخلي من الحالة الاقتصادية والاجتماعية العامة للشعب المصري". 

"مناورات مسرحية" 
وفي قراءته، قال السياسي المصري الدكتور عمرو عادل، إن "الدستور لم ينزل من السماء أمس"، مضيفا في حديثه لـ"عربي21": "أعتقد أن هذه العبارة تكفي للرد على الأسئلة الكثيرة التي تُطرح كل عام بشكل كرنفالي حول حقوق الإنسان في مصر". 

رئيس المكتب السياسي بالمجلس الثوري المصري المعارض، أكد أن "السلطة في مصر تتعامل بمنطق العصابات، وأكثر ما يميز العصابات أنها ليس فقط تخالف القانون، ولكنها لا تحترمه ولا تكترث به وتستمتع بخرقه". 

ويرى أن "الحبس الاحتياطي تعبير لطيف عن الاختطاف من عصابات الدولة؛ تماما كما تطلق لفظ تخفيف الأحمال على قطع الكهرباء، وكما تقول تحريك الأسعار على رفع الدعم". 

وبين أن "الشعب المصري كله تحت وطأة دهس الدستور وليس فقط مخالفته، والأمر الأكثر مأسوية هم من يقبعون تحت سيف ما يسمى بالحبس الاحتياطي، والمؤكد أن النظام الحالي مستمتع بإذلال الشعب المصري، ولن يتوقف مهما حدث، وكل ما يحدث هي مناورات مسرحية لن تجدي نفعا". 

"الأزمة في منظومة العدالة" 
أما الحقوقي المصري خلف بيومي، فيرى أن "مشكلة السجناء والمعتقلين في مصر ليست في غياب النصوص الدستورية والقوانين"، مؤكدا أنه "اعتقاد خاطئ وغير صحيح"، مبينا أن "المشكلة قائمة في منظومة العدالة بصفة عامة". 

وقال لـ"عربي21": "في ظل توغل الأمن الوطني واستفحاله مع عدم وجود استقلال حقيقي للقضاء يُصبح الحديث عن تحديث نصوص قانونية أمر لن يترتب عليه تحسين أوضاع". 

وأضاف: "كما نعتقد أن الحكومة المصرية تحاول أن تخفف حدة الانتهاكات الموجهة لها من الخارج والخروج بتوصيات أقل في الاستعراض الدوري الشامل بالأمم المتحدة حول أوضاع حقوق الإنسان، والمقرر لها أول العام 2025". 

ويعتقد أن "هذا لا ينفي، ولا يمنعنا من أن نبدي رغبتنا في تعديل قانون الحبس الاحتياطي، ووضع حد لتجاوزات بعض الهيئات القضائية"، موضحا أنه "أمر حال حدوثه فهو قد يكون مفيد في المستقبل حال تغير إرادة النظام". 

ولفت إلى آماله في "تغيير يشمل منظومة العدالة، تغيير يقيد سلطة الضبط بإجراءات جدية تمنع من تلفيق القضايا، وكذلك تغيير في قصر نظر القضايا على دوائر محددة"، ملمحا إلى أنه "في النهاية نريد تغييرا في منظومة العدالة بصفة عامة".  

"بقي التنفيذ" 
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، لاقت تصريحات السيسي، تفاعلا كبيرا من نشطاء ومعارضين وحقوقيين، بين مؤيد لها وداع إلى تنفيذها على أرض الواقع، وبين مشكك في إمكانية تنفيذها وإنهاء ملفات قاسية تمس حياة آلاف المعتقلين السياسيين، ومسجوني الرأي. 

وقال المحامي المشارك في أعمال لجنة حقوق الإنسان والحريات بالحوار الوطني، أحمد رجب: "آن الآوان لغلق هذا الملف وما يرتبط به من تدابير أخرى"، مشيرا إلى أن "الملف بأبعاده وتفاصيله والخطوات العاجلة لمعالجته؛ أصبحت واضحة ولا تحتاج إلا لتنفيذ توجيه رئيس الجمهورية، من خلال قرارات تنفيذية وسياسات عامة"، مؤكدا أن هذا "ما نأمل فيه قريبا". 

 

كذلك طالب عضو مجلس أمناء الحوار الوطني والمحامي الحقوقي نجاد البرعي، النائب العام باتخاذ "الإجراءات الكفيلة بالإفراج عن كل من استطالت مدة حبسهم أو إحالتهم إن كان لدى النيابة العامة أدلة تصلح لذلك".

ودعا البرعي، مجلس النواب بالاطلاع على توصيات الحوار الوطني بشأن الحبس الاحتياطي، والمنع من السفر، والتحفظ على الأموال، وأن يأخذها في اعتباره عند مناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد". 

وأكد أنه "علينا أن نغلق هذا الملف، وننطلق إلى المستقبل يدا بيد"، مبينا أنه "في انتظار القرارات التنفيذية". 



لكن، الحقوقي المصري، جمال عيد، كان له رأي آخر، حيث قال إن الإدعاء بأن مشكلة السجناء والأسرى والرهائن في مصر هي النصوص القانونية لمدة الحبس الاحتياطي، وأن الحل هو تعديل تلك النصوص، محض كذب. 

وأكد أن المشكلة في غياب الإرادة السياسية لاحترام القانون، والدستور، وغياب استقلال القضاء ومشاركة كثير من القضاة والنيابة في إهدار القانون والحقوق، وغياب الأسباب الحقيقية والجادة للحبس سوى تقارير الأمن الوطني. 

وضرب أمثلة توضح أن المشكلة ليست في نصوص القانون: متسائلا: لماذا تم الإفراج عن متهمي الاغتصاب بالقضية المعروفة في فندق (فيرمونت) لنقص الأدلة، ويستمر حبس الآلاف رغم غياب أي أدلة، والحبس بسبب التعبير عن الرأي مثل الناشط شريف الروبي. 

وأضاف: لماذا يتم استمرار حبس الناشطة والمترجمة مروة عرفة منذ 5 سنوات دون محاكمة ودون إفراج، رغم أن الحد الأقصى قانونا هو سنتين؟، ولماذا توفي المخرج والمصور شادي حبش في السجن في الشهر الـ27، من حبسه، بينما كان محتجزا  خارج القانون؟. 

وتابع تساؤلاته: لماذا حسني مبارك ورموزه أخذوا حقهم في المحاكمات، بينما المحكمة الآن تجدد حبس العشرات والمئات ورقيا دون دفاع وبشكل جماعي؟. 



وقال الكاتب والإعلامي قطب العربي، إنها "تعديلات شكلية"، مؤكدا أن "تخفيض مدد الحبس الاحتياطي ليصبح الحد الأقصى للجنايات التي عقوبتها المؤبد سنة وستة أشهر ثم تأتي المادة 12 من مشروع القانون لتؤكد أن من حق محكمة الجنايات أو النقض أن تأمر بالحبس الاحتياطي لمدد لا تجاوز السنتين". 

وأضاف: "دعكم من هذه التعديلات، يكفينا تطبيق القانون الحالي الذي يضع حدا أقصى عامين للحبس الاحتياطي، وأفرجوا عن كل من تجاوز العامين، وستجدونهم بالآلاف". 

 

 

وتساءل الحقوقي المصري أحمد العطار: "هل الإفراج عن الآلاف ورقيا سيكون الحل؟"، مؤكدا أن "الأمن الوطني سيقوم بإعادة إخفائهم قسريا ثم تدويرهم بمحاضر ضبط جديدة، ثم يمثلون أمام وكيل النيابة الذي يأمر بحبسهم مرة أخرى، وبالقانون". 


وقالت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان ومقرها لندن، في بيان اطلعت عليه "عربي21"، إن "مصر ليست بحاجة لإصدار قوانين جديدة لإنهاء معاناة آلاف المعتقلين السياسيين"، مؤكدة أنهم "معروفون بأماكن إقامتهم وأعمالهم، ولا يوجد ما يبرر استمرار حبسهم أو تجديده أو تدويرهم في قضايا جديدة، وليسوا خطرا على الأمن القومي، ولا توجد أدلة تستدعي استمرار احتجازهم"، مطالبة بإخلاء سبيلهم.