أثار تعهد حكومة رئيس النظام
المصري عبدالفتاح
السيسي بإرسال قوات عسكرية إلى
الصومال ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي مطلع العام المقبل،
التساؤلات حول ما قد يتبع الموقف المصري من تشابكات دولية وإقليمية خاصة مع إثيوبيا
والإمارات، صاحبتي الأدوار المثيرة للجدل في إقليم "أرض الصومال" غير المعترف
به دوليا، والمنفصل عن حكومة مقديشو.
ومنتصف الشهر الجاري، أعلن الاتحاد الأفريقي
أن مصر ستساهم للمرة الأولى بقوات عسكرية في بعثة الاتحاد لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال
"أوصوم"، في كانون الثاني/ يناير المقبل، لتحل محل بعثة الاتحاد المكونة
من بوروندي وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا وأوغندا، والتي تنتهي مهمتها في نهاية العام
الجاري.
"أجواء القرار المصري"
وشهدت علاقة القاهرة ومقديشو مؤخرا تطورا
لافتا، جاء على وقع اتفاق وقعته إثيوبيا -الدولة الحبيسة- مع أرض الصومال "صومالي لاند"
لاستخدام ميناء "بربرة" كمنفذ على البحر الأحمر وكقاعدة عسكرية بحرية، في
كانون الثاني/ يناير الماضي، وهو ما رفضته مصر بشدة، فيما دعا السيسي الرئيس الصومالي
حسن شيخ محمود لزيارة القاهرة.
والتقى شيخ محمود، السيسي في القاهرة، في
20 كانون الثاني/ يناير الماضي، وفي 14 آب/ أغسطس الجاري، حيث جرى مؤخرا توقيع العديد
من الاتفاقيات منها فتح المقر الجديد لسفارة القاهرة في مقديشو، وإطلاق خط طيران مباشر
بينهما، فيما كان أهمها توقيع بروتوكول للتعاون العسكري.
كما أن القاهرة وأنقرة اللتين تستعيدان
مؤخرا دفء علاقاتهما التي ظلت لنحو عقد في توتر شديد، بدت متوافقة مع مقديشو، بل إنه
في 20 شباط/ فبراير الماضي، وقعت تركيا والصومال اتفاقا دفاعيا مدة عقد كامل يسمح للجيش
التركي بحماية سواحل الصومال، مقابل استغلال 30 بالمئة من ثروات الساحل الصومالي الأطول في القارة الأفريقية.
الحكومة المصرية التي استعادت علاقاتها
مع تركيا لم تبد أي تعليق على الاتفاق التركي الصومالي الذي يبدو متوافقا من حيث الشكل
مع التوجهات المصرية بمنع وصول إثيوبيا إلى البحر الأحمر عبر أرض الصومال، وفق وصف وكالة
"أسوشييتد برس".
كما أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان،
وخلال زيارته إلى القاهرة ولقائه وزير الخارجية الجديد بدر عبدالعاطي، مطلع آب/ أغسطس
الجاري، أكد التزام مصر وتركيا بوحدة أراضي الصومال.
"ماذا عن إثيوبيا والإمارات؟"
ذلك التطور في الموقف المصري يدعو للتساؤل
حول ما إذا كانت مساهمة القاهرة خطوة لاستعادة دورها الأفريقي والعربي في بلد عربي شقيق،
أم إنها في إطار الصراع المصري الإثيوبي القائم منذ عقد حول ملف مياه النيل.
وأيضا يثار التساؤل بشأن ما إذا كان القرار
المصري يزعج حليفتها
الإمارات التي تقدم الدعم لإقليم "أرض الصومال"، خاصة أن تحالف أبوظبي والقاهرة السياسي والاقتصادي وحتى العسكري قائم في كثير من الملفات
الإقليمية، ويظل دون صدام في الملفات الخلافية مثل الحرب في السودان.
كما أن توافق مصر وتركيا في الملف الصومالي
يدعو إلى التساؤل: هل يصنع ذلك أزمة بين القاهرة وأبوظبي، التي تمتلك العديد من المصالح
في إقليم "أرض الصومال"؟
"لمصلحة النظام لا الوطن"
وفي إجابته على التساؤلات السابقة، قال
مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير عبدالله الأشعل، لـ"عربي21":
"لا توجد رؤية لدى مصر الحالية في السيادة والسياسة الخارجية، والمصالح جميعها
تخضع لمصالح النظام وليست لمصالح مصر".
وأضاف: "وبالتالي فإن دخولنا للصومال ضمن
بعثة الاتحاد الأفريقي قد يكون له هدف شخصي، وأنفي تماما أن تكون هناك قرارات مصرية
مدفوعة بدوافع وطنية تماما".
الدبلوماسي المصري السابق أشار إلى احتمال
أن "تقع البعثة العسكرية المصرية فريسة لحركة (الشباب) الصومالية، وبالتالي يكون
السيسي بطلا كونه يطارد الجماعات الإسلامية في أي مكان، وبالطبع هذا لحساب إسرائيل"،
وفق رؤيته.
وأكد أن "إرسال قوات عسكرية مصرية
للصومال ليس هدفه أبدا استعادة دور القاهرة الأفريقي والعربي المفقود، لأنه لا توجد
رؤية عامة وطنية"، متوقعا أن "تتوافق إثيوبيا مع حركة الشباب الصومالية وتشترك
في إفناء القوة المصرية".
وحول ما قد يصيب العلاقات المصرية الإماراتية
من تأزم في حال تنفيذ القاهرة اتفاقها مع الصومال والاتحاد الأفريقي، قال الأشعل إن
"مصر تسير على خط ضد الإمارات في بعض المواقف، كما أن تحالف القاهرة وأبوظبي أساسه
مائع، والهدف منه الحصول شخصيا على أموال الإمارات، والقسمة معها في ما تحصل عليه شركاتها
من أراض ومشروعات مصرية".
وختم حديثه بالقول: "نحن في عصر المصالح
الشخصية للنظام الحاكم لا المصالح الوطنية".
"علاقات على المحك"
وفي تعليقه على الموقف المصري قال الكاتب
الصحفي والإعلامي السوداني الدكتور عبدالمطلب مكي لـ"عربي21": "يمكن
النظر إلى المسألة من جانبين، الأول: دبلوماسي روتيني وهو في إطار واجبات الدول الأعضاء
في الاتحاد الأفريقي، لأن القوة المصرية المذكورة ستشارك ضمن بعثة الاتحاد، وليست قوات
مصرية منفردة وذات نزعة تدخلية في سياسات دولة عضو في الاتحاد الأفريقي".
الأكاديمي السوداني، أضاف: "أيضا يمكن
النظر إلى القرار من جانب سياسي، حيث إنه يثير تساؤلات وصراعات ونزاعات وربما مكايدات أيضا
في ظل التوتر الكبير في القرن الأفريقي، وهو ملف له تبعات متعلقة بأمن مياه البحر الأحمر
وأمن القرن الأفريقي والأطماع الدولية في الإقليم".
ويرى أنه "أيا كان التفسير فسيبقى الوجود
المصري في هذه القوة ضرورة ملحة؛ فغياب مصر عن منصة الاتحاد الأفريقي وقراراته المؤثرة
على الإقليم ستفتح المجال بلا شك لتدخلات خارجية قد تكون ذات أبعاد مؤثرة على مستقبل
الدبلوماسية المصرية في المنطقة".
وقال: "تمثل هذه المشاركة عودة للنفوذ
المصري من باب مشروع وضروري ومؤثر، وقطعا هو أفضل من التدخلات التي تفرضها بعض القوى
أيا كان مصدرها وأهدافها، كما هو الحال في مليشيات الدعم السريع في السودان".
وأكد أن "هذا الأمر سيطرح تساؤلات
كبيرة على الدبلوماسية المصرية في ما يتعلق في الوضع في السودان، لأن طبيعة العلاقات المصرية
السودانية وخطورة سيولة الأوضاع في السودان على مصر تحتم على القاهرة تدخلا فاعلا أسوة
بدول الوساطة الأخرى مثل السعودية والإمارات وأمريكا".
وفي نهاية حديثه استدرك قائلا: "لكن
لا شك أن التحركات الدبلوماسية الأخيرة في الملف السوداني عقب انهيار مباحثات جنيف،
وزيارة مدير المخابرات المصرية في السودان، يضاف إلى ذلك مشاركة القوة المصرية بالصومال
ودعمها لتوجهات الاتحاد الأفريقي كل ذلك سيضع العلاقات المصرية الإماراتية أمام المحك".
"توجه مصري"
من جانبه قال الأكاديمي المصري والخبير
في الشأن الأفريقي الدكتور خيري عمر إن "هناك توجها مصريا منذ عام 2018 نحو أفريقيا
باتخاذ سياسة مزدوجة تجمع بين العلاقات العادية مع الحكومات وتطوير العلاقات الثقافية
وللأزهر واتحاد الجامعات الأفريقية وشيخ الأزهر أحمد الطيب، دور فيها".
عمر، وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف:
"وتحت هذه النقطة تتم مراجعة كل العلاقات مع الدول الأفريقية، ومنها الصومال،
سواء لحالات الضرورة أو لحالات التصحيح القائمة، ووفق حالة الضرورة فهناك احتياج متبادل
لمصر والصومال، يقوم على الدفاع عن مصالح كل دولة، ومن هناك جاء الاتفاق الدفاعي والتجاري".
وأكد أنه "عندما نتكلم عن اتفاق دفاعي
بنقل قوات لحفظ السلام من مصر في الصومال فقد يكون للأمر صيغتان، الأولى: أن يكون وفق
اتفاقية ثنائية مثلما فعلت تركيا، والصيغة الثانية: أن تكون ضمن قوات سلام الاتحاد
الأفريقي، فيما كانت آخر مشاركة لمصر في دارفور".
وأوضح أن "الصيغتين تمنحان الحضور
المصري في الصومال، الإطار القانوني لتحرك القوات"، نافيا أن يكون الإطار الثاني
من خلفه عائد مادي من الاتحاد الأفريقي، قائلا إن "الاتحاد ليس لديه أموال ولا
يدفع".
ويعتقد أن "فتح سفارة القاهرة في مقديشو
بعد ما كان سفير مصر في كينيا يدير مصالح مصر والمصريين بالصومال أمر جيد قد يتبعه
استعادة الأملاك المصرية الموجودة في الصومال".
وعن دفع إثيوبيا جنوب السودان للتوقيع على
"اتفاقية عنتيبي"، التي ترفض مصر التوقيع عليها، وأن ذلك الموقف جاء نكاية
في دعم مصر للصومال، قال إن "عنتيبي، لا قيمة لها، من ناحية أن هناك مياها وفيرة
جدا في منطقة البحيرات بجنوب السودان و80 بالمئة منها يذهب في البحر"، مؤكدا أن
"الخطر في عنتيبي إذا ضمت النيل الأزرق".
وعن زيادة الملفات الخلافية بين مصر والإمارات
ملفا جديدا إلى جانب ملف السودان، يرى أن "الأمر ليس مهما بالقدر المتوقع، لأن
أبوظبي في مشاكل مع دول عديدة بينها السعودية وأمريكا، وتنفق الكثير من الأموال في
صراعات دون عائد سياسي واضح".
وخلص إلى القول إن "ما بين القاهرة وأبوظبي
لن يرقى لأن يكون عداء، ولكنه في إطار تنافسي، وإذا كان هذا ملفا خلافيا جديدا فإنهما
يقومان بإدارة هذه الخلافات بشكل جيد"، مؤكدا أن "التمييز بين مسارات السياسة
الخارجية وقضية الصراع أو الخلاف أمر مهم".
"تشابكات خارج الحدود"
وفي تحليله، قال الباحث المصري في الشؤون
السياسية والاستراتيجية والعلاقات الدولية، أحمد مولانا، إن "الجهود المصرية الأخيرة
والاتفاقيات الناتجة عنها، التي تشير إلى أن القاهرة تعمل على تشكيل محور يضم الصومال
وأريتريا وجيبوتي بمواجهة الطموحات الإثيوبية، قابلتها أديس أبابا بتحركات مضادة".
الباحث في مجال الدراسات الأمنية، أوضح
في حديثه لـ"عربي21" أن "نفوذ إثيوبيا بالقرن الأفريقي أثبت أنه قادر
على تحدي الخطوات المصرية"، لافتا إلى "توقيع جنوب السودان رسميا على (اتفاقية
عنتيبي)"، معتبرا أنها "ضربة للجهود المصرية الساعية لاستعادة التوازن مع
أديس أبابا بملف مياه النيل".
لكن مولانا، يرى أن "إرسال القاهرة
قوات عسكرية للصومال يمثل تغييرا بنهجها الحذر من التورط في صراعات خارج حدودها"،
وألمح إلى أن هذا التغيير "يبين حجم الرغبة المصرية في التصدي للتمدد الإثيوبي،
وتعنتها في ملء بحيرة سد النهضة دون اتفاق مع دولتي المصب مصر والسودان".
كما أنه ألمح إلى جانب هام، موضحا أن حكومة
القاهرة لن تتحمل أية تكلفة مالية بل إنها قد تجني بعض الأموال، إذ قال إن "القاهرة
لا تريد أن تتحمل الأعباء الاقتصادية لنشر قواتها، إنما ستحصل على مقابل مالي من ميزانية
بعثة الاتحاد الأفريقي".
ولفت إلى أن "القاهرة تدخل المعترك
الصومالي بعد غياب لنحو 20 عاما، والذي منح دولا كإثيوبيا وكينيا وتركيا والإمارات وقطر
الحضور القوي هناك"، مبينا أن "القاهرة وأنقرة بينهما تقارب لافت في الملف
الصومالي".
وحول موقف الإمارات توقع مولانا أن
"يتسبب الحضور العسكري المصري في الصومال في صناعة قضية خلافية جديدة بين القاهرة
وأبوظبي، بالإضافة إلى ملف الحرب في السودان، حيث تدعم مصر الجيش السوداني، بينما تدعم
الإمارات مليشيات الدعم السريع".
لكن الباحث المصري في نهاية حديثه قلل من
احتمالات زيادة الخلاف المصري الإماراتي بسبب الصومال، مؤكدا أن "الصدام بينهما
مستبعد بفعل المصالح الاقتصادية والسياسية والعسكرية، المشتركة".