تصاعدت حدة القتال
بين الجيش
السوداني وقوات
الدعم السريع بشكل خطير، مع تصاعد التحركات الدولية في
محاولة لوقف الحرب المستمرة منذ منتصف نيسان/ أبريل 2023.
ونشرت صحيفة
"
واشنطن بوست" تقريرا استقصائيا للصحافيين كاثرين هورلد وحافظ هارون ولوسي
بروفان وكلاس فان ديكين ومود جوليان قالوا فيه إن منطقة دارفور في السودان كانت مسرحا
لإبادة جماعية قبل عقدين من الزمان. والآن تُظهر مقاطع الفيديو الحصرية التي تمت مشاركتها
مع واشنطن بوست التعصب الأعمى وراء موجة جديدة من عمليات
القتل.
فبعد لحظات من اقتحام
رجال الميليشيات للمنزل الصغير المبني من اللبن في مخيم كساب للنازحين في السودان،
بدأت امرأة بالداخل تتوسل وتطلب من المسلحين أن يقتلوها بدلا من أبنائها، ضربها المسلحون
بعقب البندقية، وفقا لأحد المارة، ثم قاد المسلحون الإخوة الخمسة بعيدا.
وبعد فترة وجيزة،
أظهر مقطع فيديو جثث عدة رجال حفاة ممددة على وجوههم في الرمل، وأيديهم مقيدة خلفهم،
والدماء تسيل على ملابسهم. وحدد شاهدان هوية جثث الأخوين في اللقطات.
وقد تم التقاط العواقب
المباشرة لعمليات القتل التي تشبه الإعدام العام الماضي في كساب، وغيرها في بلدة كُتُم
المجاورة في منطقة دارفور بغرب السودان، في مقاطع فيديو ظلت غير منشورة حتى الآن -
وهي دليل مرئي نادر على المذبحة التي تحدث بشكل روتيني في السودان حيث تقاتل قواتها
المسلحة مجموعة شبه عسكرية، قوات الدعم السريع، في صراع تقدر الولايات المتحدة أنه
أودى بحياة حوالي 500 ألف شخص.
كانت عمليات قتل
الشباب الذين شوهدوا في مقاطع الفيديو جزءا من مذبحة قتل فيها ما لا يقل عن 73 شخصا،
وفقا لسكان كُتُم ووكالة الأمم المتحدة للاجئين.
وتؤكد مقاطع الفيديو
على الحقد الذي يكنه رجال الميليشيات العربية التابعة لقوات الدعم السريع تجاه ضحاياهم
من ذوي الأصول الأفريقية السوداء، والثمن الباهظ الذي يدفعه هؤلاء الضحايا نتيجة لهذا
التعصب، الذي يقول الضحايا إنه يغذي قدرا كبيرا من العنف الذي ترتكبه تلك المجموعة
ضد المدنيين، وخاصة في دارفور.
في أحد مقاطع الفيديو،
يبتسم رجل مسلح يرتدي عمامة بيضاء أمام جثتين ملطختين بالدماء لرجلين مجهولين:
"التقطوا صورا! هذا انتصار للعرب! هذا انتصار للعرب!"
وفي مقطع فيديو ثالث،
يسخر من رجل آخر يحتضر، ويتدلى رأسه بينما تتجمع دماؤه في بركة تحته.
يعتبر حوالي 70%
من السودانيين أنفسهم عربا، في حين ينتمي الباقون في المقام الأول إلى مجموعات أفريقية
سوداء مثل الفور والزغاوة والنوبيين. كانت عمليات القتل في كساب وكُتُم، التي وقعت
في حزيران/ يونيو 2023، بمثابة نذير لعمليات قتل جماعي أخرى للمدنيين من ذوي البشرة
السوداء في الغالب على يد قوات الدعم السريع في مدن دارفور مثل نيالا والجنينة. وقد
أنكرت قوات الدعم السريع ارتكاب هذه الفظائع، التي وثقتها هيومن رايتس ووتش أيضا.
تم مشاركة مقاطع
الفيديو من كساب وكُتُم مع صحيفة واشنطن بوست كجزء من تحقيق مشترك مع Lighthouse Reports وSky News وLe Monde وتقدم لمحة نادرة عن الرعب الذي يتكشف في السودان.
لقد حدث الكثير من القتل بعيدا عن أنظار العالم. يُسمح لقلة من الصحفيين الأجانب بالسفر
إلى السودان، واتصالات الإنترنت والهاتف نادرة.
وبينما يُتهم الجيش
أيضا بارتكاب انتهاكات، بما في ذلك على أسس عرقية، تقول جماعات حقوق الإنسان إن قوات
الدعم السريع مسؤولة عن غالبية الفظائع. وكشفت روايات الشهود ومقاطع الفيديو الدعائية
لقوات الدعم السريع أن كبار قادة قوات الدعم السريع كانوا في منطقة كتم أثناء عمليات
القتل.
وقال عزالدين الصافي،
وهو مسؤول كبير في قوات الدعم السريع، إن الأبعاد العرقية للصراع أصبحت مبالغا فيها
وأن الناس في كُتُم يعيشون الآن معا بسلام تحت إشراف قائد قوات الدعم السريع الذي ينتمي
إلى قبيلة الفور.
قال العديد من الناجين
من المذبحة في كساب وكُتُم إن مهاجمي قوات الدعم السريع أطلقوا على المدنيين الأفارقة
لقب "عبد"، وهي إهانة عنصرية تعود إلى الأيام التي كان فيها الغزاة العرب
يستعبدون أعضاء القبائل السوداء في السودان.
في العقود الأخيرة،
هيمن العرب السودانيون على الرتب العليا في الحكومة والجيش، وأثارت المظالم بين الأقليات
العديد من الانتفاضات في المناطق المهملة.
أدى هذا السخط إلى
حرب سابقة في دارفور، والتي أودت بحياة مئات الآلاف من الأشخاص من عام 2003 إلى عام
2020. وخلال ذلك الصراع، تعاون سلف قوات الدعم السريع، وهي ميليشيا عربية عرقية تُعرف
باسم الجنجويد، مع الجيش لاستهداف المتمردين الأفارقة وعائلاتهم. كانت الهجمات ضد القبائل
الأفريقية واسعة النطاق ومنهجية لدرجة أن المحكمة الجنائية الدولية قالت إنها ترقى
إلى مستوى الإبادة الجماعية. والآن حذر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين من أن
التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب تحدث مرة أخرى.
هذه المرة، كان الشرارة
للحرب هي التنافس بين كبار الجنرالات. فقد انهار ترتيب تقاسم السلطة بين القائد العسكري
عبد الفتاح البرهان وزعيم قوات الدعم السريع، الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف باسم
حميدتي، في نيسان/ أبريل 2023. وبعد اندلاع القتال، ظل المتمردون الأفارقة السابقون
محايدين في البداية، ولكن في تشرين الثاني/ نوفمبر، انحاز العديد منهم في النهاية إلى
الجيش ضد قوات الدعم السريع.
في الأوقات الأفضل،
كانت كُتُم معروفة بتمورها الحلوة والبرتقال والمانجو. يسقي السكان المحليون بساتينهم
من جدول متعرج عبر المدينة. وعلى بعد ميل واحد خارج كتم يقع مخيم كساب، موطن العديد
من العائلات الأفريقية التي نزحت خلال حرب دارفور السابقة ولم تعد إلى ديارها أبدا.
في العام الماضي،
تصاعدت التوترات المحلية بعد مقتل ضابط عربي مشهور ونهب قاعدة لقوات الدعم السريع في
المدينة والهجوم على بعض المحلات العربية، وكل ذلك في ظروف غير واضحة، كما قال السكان.
وبعد أربعة أيام، تدفقت قوات الدعم السريع والمقاتلون العرب المتحالفون معها إلى المنطقة،
وبعد يوم واحد من ذلك، هاجموا كُتُم وكساب.
وذكر ناشط حقوقي
من كساب أن سكان كساب بدأوا بالفعل في حفر الخنادق وتكديس الحواجز الترابية خوفا من
العنف العرقي. ومثله كمثل شهود آخرين تمت مقابلتهم من أجل هذا المقال، تحدث بشرط عدم
الكشف عن هويته لتجنب الانتقام.
وتحققت مخاوف السكان
المحليين. وقال الناشط إنه استيقظ ليرى مئات من قوات الدعم السريع والمقاتلين العرب
على دراجات نارية وشاحنات يعبرون النهر الذي يفصل المخيم عن المدينة. وقال الناشط إن
المقاتلين الذين منعتهم الحواجز، داروا غربا وهاجموا.
وقال: "لقد
قطعت شدة النيران حتى الأشجار. كنا نلجأ إلى البيوت الطينية. ... كنا نتحرك فقط بالزحف.
... كان الناس في حالة من الذعر تشبه يوم القيامة".
وقال الناشط إن سكان
المخيم حاولوا الفرار، لكن إطلاق النار كان كثيفا للغاية. وكان أصدقاؤه قد لقوا
حتفهم من حوله ــ بالرصاص أثناء اختبائهم أو أثناء ركضهم.
وقال أحد المزارعين
إنه كان قريبا بما يكفي لسماع قائد قوات الدعم السريع يُدعى علي رزق الله، الملقب بـ
"سافانا"، وهو يخاطب رجاله. وقال المزارع، الذي تعرف على رزق الله لأنه معروف
جيدا في المنطقة: "قال: 'دخل العبيد إلى الجحور وكأنهم جرذان' ــ يقصدنا نحن النازحين".
ومع تدفق قوات الدعم
السريع والمقاتلين العرب المتحالفين من الغرب، وصلوا إلى باب المرأة التي لديها خمسة
أبناء. وقال المزارع إن عائلة سليمان كانت من الزغاوة، وهي جماعة عرقية أفريقية قاتلت
في السابق ضد الجنجويد، وكان الشباب في العائلة طلابا وخياطين أو تجار سوق. وكان أصغرهم
يبلغ من العمر 14 عاما. وقال أحد الأقارب إن المقاتلين سألوا عما إذا كان هناك أي رجال
بالداخل. وقالت المرأة إنه لا يوجد رجال، لكنهم لم يصدقوها.
وقال أحد سكان المخيم
الذي كان يمر من هناك: "رأيت شابا يبلغ من العمر نحو 16 عاما يقتحم باب منزلهم
ويدخل، وكان خلفه عدد من الجنود، وكانوا ينادونهم بـ 'العبيد النوبيين'. وعندما دخلوا،
وجدت والدتهم واقفة أمام [أبنائها] وهي تقول: 'لا تقتلوهم، لا تقتلوهم'. وبعد لحظات
سمعتهم يقولون: 'اقتلوها'".
وقال إن المقاتلين
كانوا يرتدون زي قوات الدعم السريع. وأضاف أن المرأة تعرضت للضرب على الأرض بعقب بندقية،
ووقف ثلاثة من مقاتلي قوات الدعم السريع أمامها بينما كان الإخوة الخمسة من عائلة سليمان
واثنان آخران يُقتادون بعيدا. وبعد لحظات سمع طلقات نارية. وأضرمت النيران في منازل
وخيام وأكوام من العلف.
وأضاف هذا الرجل أنه زحف إلى أحد أكوام القش بعد إصابته، لكن مقاتلي قوات الدعم السريع أشعلوا النار
فيه لإخراجه. وقال إنه عندما زحف إلى الجانب الآخر، صاح جندي: "هناك عبد يريد
الهروب"، قبل إشعال الخيام من حوله.
وقال إنه فكر في
وقتها: "إذا بقيت في الداخل، فإن النار ستحرقني، وإذا خرجت، فسوف تُطلق النار
علي". ولكن مجرد التفكير في ابنته البالغة من العمر عامين أعطاه الشجاعة للزحف
في اتجاه آخر.
وأفادت الأمم المتحدة
أن 54 شخصا قتلوا في ذلك اليوم في كساب.
في بلدة كُتُم بذاتها،
قال عدد من السكان إن أفراد قوات الدعم السريع ورجال الميليشيات العربية قتلوا مدنيين
ونهبوا منازل ومتاجر مملوكة لغير العرب. وقالت إحدى النساء: "استمروا في نهب وقتل
والاعتداء على الناس لمدة 15 يوما على الأقل. لقد أخذوا كل شيء: المال والمركبات والحيوانات
وغيرها من الأشياء الثمينة. حتى أنهم جمعوا الدجاج". وقال السكان المحليون إن
الأحياء ذات الأغلبية العربية والمنازل المملوكة للعرب نجت.
وقال أحد السكان
إن رجلا ضُرب حتى الموت أمام زوجته وابنه البالغ من العمر عامين. وقال آخر إن قريبه
البالغ من العمر 17 عاما قُتل بالرصاص عندما حاول الفرار بعد اكتشافه في الحمام. وقالت
مواطنة ثالثة إن قريبة لها تبلغ من العمر 65 عاما قُتلت بالرصاص أمام أحفادها بينما
كانت تحاول منع المقاتلين العرب من دخول غرفة ابنها.
وسجل السكان 19 حالة
وفاة بين المدنيين في البلدة.
وحدد السكان عدة
رجال كقادة لقوات الدعم السريع وجهوا الهجمات. ولا يظهر أي من مقاطع الفيديو التي تمت
مشاركتها مع صحيفة واشنطن بوست هؤلاء الرجال.
لكن مقطع فيديو دعائيا لقوات الدعم السريع يظهر أن المقدم علي حامد الطاهر كان موجودا في كُتُم في يونيو
2023. ويظهر في مقطع فيديو مع جنود عسكريين تم أسرهم في كُتُم وفي مقطع آخر يوزع المساعدات
في المدينة. وقال خمسة من السكان إن الطاهر قاد الهجوم على كُتُم. وقد قُتل لاحقا أثناء
القتال في مكان آخر في دارفور.
في مقطع الفيديو
الدعائي حول توزيع المساعدات، يذكر الطاهر أن اللواء النور القبة، قائد قوات الدعم
السريع في شمال دارفور، كان مسؤولا عن هذا البرنامج في كُتُم. وبينما لم يظهر القبة
في أي مقاطع فيديو، قال ثلاثة من السكان إنهم رأوه في كُتُم أثناء الهجوم.
وقعت معظم عمليات
القتل في يوم واحد، لكن العنف المتقطع استمر لمدة أسبوعين تقريبا. وفي النهاية، طلب
زعماء القبائل العرقية الأفريقية عقد اجتماع مع قوات الدعم السريع، مطالبين بحماية
المدنيين. لكن زعماء القبائل قوبلوا بمزيد من العداء.
وتذكر أحد الحاضرين
في الاجتماع أن رئيس الوفد العربي ـ وهو رجل يُدعى الهادي حامد عبد النبي، الذي كان
مدير التعليم في المنطقة ووالد ضابطين من قوات الدعم السريع ـ قال لزعماء القبائل:
"هذه الأرض ليست للعبيد". وفي مقابلة، نفى عبد النبي الإدلاء بهذا التصريح.
وقال أحد الحاضرين
إن زعيما قبليا آخر من قبيلة الفور تحدى عبد النبي قائلا إن جميع الرجال متساوون، سواء
كانوا أفارقة أو عربا. وأضاف: "كلنا من آدم، كلنا من تراب. كلنا من آدم. خلقنا
الله'". وأضاف: "لم يتراجع عن كلماته عندما أمره الجنجويد [قوات الدعم السريع]
بذلك.. وفي اليوم التالي قتلوه".