كتب

كيف انتهى الحكم العماني في شرق أفريقيا؟ كتاب يجيب (1من2)

قامت بريطانيا بدور فاعل في تفتيت أوصال الإمبراطورية العمانية في شرق أفريقيا، فكانت ترمي إلى تثبيت سلطنة مسقط لزنجبار، بل إنها كانت تعترض أية محاولة من جانب زنجبار لضم مسقط، وأي محاولة من جانب مسقط لضم زنجبار.
الكتاب: "كيف انتهى الحكم العماني في شرق أفريقيا؟ زنجبار أندلس أفريقيا المفقود، دراسة وثائقية"
الكاتب: صالح محروس محمد محمد
الناشر: مؤسسة الانتشار العربي، الإمارات، 2023م
عدد الصفحات: 208 


حظيت زنجبار بمكانة خاصة في المحيط الهندي، حيث تتميز بموقع استراتيجي، وتعد محطة تجارية مهمة في طريق التجارة بين الشرق والغرب، وزادت أهميتها بعد حفر قناة السويس بالإضافة إلى ما تتمتع به من ثراء في الثروة الطبيعية خاصة المحاصيل الزراعية مثل القرنفل، وجوز الهند. وقامت بدور مهم كمركز لتجارة الرقيق في شرق أفريقيا بالإضافة إلى كونها مركزاً للحضارة العربية والإسلامية في شرق أفريقيا، وعن طريقها تم نشر الإسلام في تنجانيقا، الساحل الشرقي الأفريقي، وفى الكونغو(زئير) وإلى منطقة البحيرات الاستوائية العظمى بإفريقيا.

يسأل محروس في دراسته الوثائقية عن الكيفية التي انتهى بها الحكم العماني في شرق أفريقيا" أندلس أفريقيا المفقود؟، وحجم المؤامرة الدولية للوجود العربي العماني في شرق إفريقيا الذي استمر بشكل رسمي حوالي ثلاثمائة عام، والعلاقات التجارية الممتدة منذ آلاف السنيين حيث تكشف أسباب هذه المؤامرة، وتفاصيل أحداثها، وكذلك الموقف البريطاني، والإسرائيلي، والأمريكي، والعربي من تلك الأحداث، وكذلك الآثار التي خلفها هذا الغزو الأجنبي على شرق أفريقيا عموماً (خاصةً زنجبار). فكيف انتهى الحكم العماني لشرق أفريقيا؟ وكيف سقطت سلطنة زنجبار، والحكومة الشرعية بها في يناير 1964م، هذه الإشكالية حاول الكتاب معالجتها وكشف الغموض الذي اكتنفها والمغالطات التاريخية التي لحقت بها.

أسهمت بريطانيا بشكل مباشر في أحداث الغزو الأجنبي 12 يناير عام 1964 عن طريق مساعدة المتمردين بتسريح مسؤول الشرطة البريطاني لرجال الشرطة، وأخذ مفاتيح مخازن السلاح من العدد القليل من رجال الشرطة التي كانت موجودة، ورفض التدخل في زنجبار لمساعدة السلطان سواء منها أو من دول شرق أفريقيا، وعندما تمرد الجيش في كل من تنجانيقا وأوغندا وكينيا سارعت القوات البريطانية التي كانت موجودة في كينيا بقمع هذه التمردات بسرعة، مما يوضح الدور البريطاني المتعاون مع الإسرائيلي لتحقيق هدف واحد وهو القضاء على الحكم العربي في زنجبار.

بين محروس في دراسته عوامل نهاية الحكم العُماني، التي كان لبريطانيا الدور الأكبر في ذلك خاصة صناعة الطائفية في مجتمع كان مسالما لا يعرفها قط، وكيف اجتمعت قوى داخلية مثل حزب الأفروشيرازي، الذي أنشأته بريطانيا، وحزب الأمة مع قوى خارجية مثل نيريري واسرائيل ليصنعوا العنف في جزيرة زنجبار التي عاش أهلها في سلام على مدار عدة قرون في ظل الحكم العماني.

ما حدث في زنجبار ليس ثورة شعبية بل هو انقلاب لأن منفذيه لم يكونوا زنجباريين فقائد الانقلاب جون أوكيلو أوغندي الأصل، قاد حركة عنصرية موجهة ضد العنصر العربي، انقلاب عسكري دون مشاركة الشعب صاحب السيادة، انقلاب باركته ودعمته كل من بريطانيا وإسرائيل والحركة الشيوعية..
قدم لهذا الكتاب السفير العماني بالقاهرة/ عبد الله بن ناصر الرحبي فيقول: "بدأت علاقات عُمان بشرق إفريقيا في شكل علاقات تجارية لتفوق عمان البحري في المحيط الهندي، تبعها الهجرات العمانية إلى شرق إفريقيا مثل هجرة النباهة وبني الحارث، وبني الجلندي وفق الظروف السياسية في عمان. ثم كان الدور العماني التاريخي الذي قامت به أسرة اليعاربة في طرد البرتغاليين من شرق إفريقيا".

حمل الباب الأول من دراسة الكاتب عنوان: الوجود العماني في شرق أفريقيا، والتكالب الاستعماري، وتطرق فيه للوجود العربي في شرق أفريقيا، والتكالب الاستعماري الأوروبي على الإمبراطورية العمانية في شرق أفريقيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

زنجبار اسم يطلق على مجموعة جزر تابعة لتنزانيا في شرق إفريقيا، أهمها زنجبار وبمبا "الجزيرة الخضراء، وتقع في غرب المحيط الهندي، ثاني أكبر جزيرة به بعد جزيرة مدغشقر، وزنجبار معناها ساحل الزنج، ويمتد تاريخ زنجبار في أعماق التاريخ فالمرحلة الأولى حملت اسم ساحل الزنج ولم يشهد خلالها قيام دولة سياسية موحدة، أعظم دولة ظهرت فيها هي دولة الزنج، وعاصمتها كلوه، بالإضافة إلى عدد من الإمارات الإسلامية، وكان لكل إمارة أمير يدافع عن استقلالها السياسي والاقتصادي، وعنها يقول الكاتب: "كانت حضارات هذه الإمارات تفوق حضارة البرتغال نفسها في بداية القرن السادس عشر". (ص25)

أما المرحلة الثانية من تاريخ ساحل الزنج فهي مرحلة استعمار البرتغال لهذا الساحل لأهميته الاقتصادية، ووقوعه في طريق التجارة بين الشرق والغرب والانتقام من المسلمين، الذين حكموا شبه جزيرة أيبريا، والاتصال بمملكة القس يوحنا، المسيحية بالحبشة للتحالف معها ضد الوجود الإسلامي في مدن ساحل شرق إفريقيا، ودولة المماليك في مصر.. (ص27).

فعليا يرجع اتصال العرب الأوائل بساحل شرق إفريقيا إلى عدة قرون قبل الميلاد، وكانت هجرتهم بغرض التجارة، ليس الاستيطان واختلطوا بالأفارقة عن طريق الزواج، فكان العرب أقدم الأمم اتصالاً بالجماعات البشرية المقيمة على سواحلها قبل غيرها، وكان هذا مقصوراً على التبادل التجاري، وتصريف منتجات سكان إفريقيا الشرقية في شتى الأسواق، وربط المنطقة بأهم مصادر الإنتاج العالمي في الشرق الأقصى، في بلاد البحر الأبيض المتوسط أي أن النشاط التجاري كان على أساس العلاقات التي كانت بين العرب عُمان  وشرق افريقيا.(ص28)

يقول الكاتب عن أسباب التوجه البحري العماني: "طوال السواحل العمانية، واحتوائها على عدد كبير من الموانئ الصالحة للملاحة خاصة صحار ومسقط، وأعطت تلك الموانئ لأهلها دور الوساطة في المناطق التي تقع على جانبيها بين سواحل شرق إفريقيا، وسواحل المحيط الهندي، والخليج العربي"، بالإضافة للعامل البشري المهم في قوة العلاقة بين العرب وشرق افريقيا، التي تتمثل في تفوق العرب بالأخص عرب عمان في ركوب البحر حيث أنهم عرفوا الانتقال عبر المحيط الهندي بحدوده المترامية، مما قوى العلاقة الاقتصادية بين الطرفين .

لعل أبعد الهجرات الإسلامية أثراً في تاريخ المسلمين بشرق إفريقيا تلك الهجرات التي أتت من شيراز في القرن العاشر الميلادي، واستقرت في القسم الجنوبي من الساحل، أو ما يقابل تنجانيقا ( تنزانيا)، وأسست دولة سواحيلية عرفت باسم (دولة الزنج) على يد علي بن الحسين الشيرازي الذي أنشأ مدينة كلوه، على أن الدور الأعظم في نشر الإسلام في شرق إفريقيا كان على يد السيد سعيد بن السلطان، الذي اتخذ من زنجبار مقراً لحكمه لعُمان وزنجبار معاً، وأخذت السلطنة في الاتساع، والشهرة العالمية، وانتشر الإسلام في عهده من الساحل إلى الداخل مع حركة القوافل التجارية (ص35).

على الرغم من الدور العماني الواضح في نشر الإسلام في شرق إفريقيا، وزنجبار لم ينتشر المذهب الإباضي، وهو مذهب أل بو سعيد بشكل واسع، والسبب أن الحكام البو سعيديين كانوا يقدمون المصالح التجارية على الشؤون السياسية والدينية، وظل المذهب الشافعي سائداً بين مسلمي شرق إفريقيا.

ذاع صيت زنجبار في العالم آنذاك، وأصبحت ذات شهرة عالمية في عهده حيث سعت الدول الأوروبية، والولايات المتحدة الأمريكية؛ لإقامة علاقات اقتصادية وسياسة مع السلطنة العربية الإفريقية الآسيوية في عهد السيد سعيد بن سلطان، فكانت زنجبار أولى الدول العربية التي عقدت معاهدة رسمية مع الولايات المتحدة الأمريكية عام1833م، وأقامت قنصلية لها عام 1835م تولى أعمالها التاجر الأمريكي ريتشارد ولترز".. المصالح الأمريكية في شرق إفريقيا تتمثل في كونها مصدراً للرقيق الذي أخذته للعمل في مزارع القطن، وسعت للتجارة مع زنجبار للحصول على العاج، وتوريد الأسلحة، وبيعها في شرق إفريقيا" (ص42).

قامت بريطانيا بدور فاعل في تفتيت أوصال الإمبراطورية العمانية في شرق إفريقيا، فكانت ترمي إلى تثبيت سلطنة مسقط لزنجبار، بل إنها كانت تعترض أية محاولة من جانب زنجبار لضم مسقط، وأي محاولة من جانب مسقط لضم زنجبار.

يقول الكاتب: "الحقيقة أن إنجلترا كانت تعمل على تقسيم السلطنة العربية العمانية حتى تتمكن من السيطرة عليها بسهولة، وأتتها الفرصة عقب وفاة السيد سعيد حيث تم تقسيم السلطنة إلى قسمين الأول في مسقط يحكمه ثويني، والثاني في زنجبار يحكمه ماجد ولقد رفض السيد ثويني مبدأ التقسيم مؤكداً أنه هو الذي يجب أن تؤول إليه شرعاً، باعتباره الأبن الأكبر"، فتدخلت بريطانيا، وأصدرت قرار التحكيم الذي أصدره كاتنج حاكم الهند البريطاني عام 1861م، الذي قضى بإقامة سلطتين منفصلتين إحداهما في مسقط، وتتبعها عمان وملحقاتها في الخليج العربي، والثانية في زنجبار وتتبعها المستعمرات العربية على ساحل إفريقيا الشرقية (ص 44).

يرجع اتصال العرب الأوائل بساحل شرق إفريقيا إلى عدة قرون قبل الميلاد، وكانت هجرتهم بغرض التجارة، ليس الاستيطان واختلطوا بالأفارقة عن طريق الزواج، فكان العرب أقدم الأمم اتصالاً بالجماعات البشرية المقيمة على سواحلها قبل غيرها، وكان هذا مقصوراً على التبادل التجاري، وتصريف منتجات سكان إفريقيا الشرقية في شتى الأسواق، وربط المنطقة بأهم مصادر الإنتاج العالمي في الشرق الأقصى
زادت الأهمية الاستراتيجية لزنجبار عام 1840م، كونها محطة مهمة في طريق التجارة بين الشرق والغرب، ومستودع للمواد الخام الآتية من إفريقيا، وزادت أهميتها بعد حفر قناة السويس عام 1869م، حيث أصبحت هناك حاجة لمحطات تخدم الملاحة في الطريق للهند، والأهمية الزراعية لزنجبار حيث أنها تتمتع بخصوبة التربة وتمركز زراعة القرنفل، فهي تنتج 80% من الإنتاج العالمي، على كل تم تقسيم ممتلكات زنجبار بين ألمانيا وبريطانيا عام 1886م، اعترفت فيها ألمانيا وبريطانيا بسيادة السلطان على جزر زنجبار، وبمبا، ولامو ومافيا، ومنح الحماية الألمانية على سلطنة ويتو وممرها إلى البحر على خليج ماندا، وتقسيم الأراضي الواقعة بين نهري روفوما وتانا بما فيها مقديشو على أنها منطقتي نفوذ ألمانية وبريطانية، ومن ثم حصلت بريطانيا على كينيا وأسمتها إفريقيا الشرقية البريطانية، وأخذت ألمانيا تنجانيقا وفقد السلطان معظم أملاكه. (ص55).

استعرض الكاتب في الباب الثاني أسباب المؤامرة الدولية على إنهاء الوجود العماني في زنجبار12 يناير عام 1964م، والمساعي البريطانية لإنهاء الوجود العربي في زنجبار، ورغبة إسرائيل في إنهاء الحكم العربي الإسلامي في زنجبار، والتوجه الإسرائيلي لشرق أفريقيا.

إن ما حصل في زنجبار في صباح الأحد الثاني عشر من شهر يناير 1964م، من قتل موجه وتشريد ضد العرب دفع النازحين للفرار إلى الدول العربية تاركين موطنهم زنجبار، وألقي الكثير منهم في البحر واعتقل الكثير لمجرد أنه عربي، وبالأخص عرب عمان، وكان كل ذلك رغبة بريطانية لإنهاء الوجود العربي في زنجبار، فما حدث في زنجبار ليس ثورة شعبية بل هو انقلاب لأن منفذيه لم يكونوا زنجباريين فقائد الانقلاب جون أوكيلو أوغندي الأصل، قاد حركة عنصرية موجهة ضد العنصر العربي، انقلاب عسكري دون مشاركة الشعب صاحب السيادة، انقلاب باركته ودعمته كل من بريطانيا وإسرائيل والحركة الشيوعية.. ص66.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع