ملفات وتقارير

استهداف الصحفيين والإعلاميين.. هل نجح الاحتلال في فرض روايته بحرب غزة؟

المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة أعلن استشهاد 173 صحفيا فلسطينيا بالقطاع- الأناضول
في ظل حرب إبادة جماعية يمارسها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ عام كامل وأوضاع مأساوية يعيشها الأهالي أصبح الصحفيون بمثابة مجاهدين خلف "دانة" الكاميرات التي يحملونها، كما يحمل المقاوم دانة سلاحه ويقف بها على خط المواجهة أمام قوات الاحتلال. 

ومنذ اندلاع الحرب أصبح للصحفيين دور في توثيق لحظات الشجاعة والمقاومة، تمامًا وما يفعله المقاومون خلف دانة سلاحهم، لبث الأمل في نفوس الشعوب الحرب التي تمني النفس بلحظة انتصار، تعيد مجد وكرامة الأمة، وفى الوقت ذاته نقلت عدسات كاميرات الصحفيين لحظات الألم والمعاناة والانتهاكات التي يمارسها الاحتلال الذي يدعي الفضيلة، لتفضحه ويرى العالم أجمع الوجه الحقيقي لجنود جيش الاحتلال. 

ومن هنا كانت ضريبة هذا الثبات والتوثيق كاف لجعل من هؤلاء الصحفيين والإعلاميين أهدافًا للاحتلال، الذي يسعى إلى إسكات أصواتهم وكتم الحقيقة عن العالم. في هذه الحرب المستمرة منذ عام، حيث يُظهر استهداف الصحفيين في غزة محاولة واضحة لتقويض السردية الفلسطينية وإخفاء الوقائع المأساوية والانتهاك الدامي الذي يعيشه المدنيون داخل القطاع.


استهداف الصحفيين

ومنذ حرب غزة، وثقت نقابة الصحفيين الفلسطينيين استشهاد 165 صحفيا، إضافة إلى جرح 190 آخرين، وتدمير 87 مؤسسة إعلامية.

ووفق بيان مشترك لهيئة شؤون الأسرى الفلسطينية ونادي الأسير، فقد بلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف الصحفيين 108 منذ بدء الحرب، يبقى منهم رهنّ الاعتقال 59، من بينهم 7 صحفيات، و22 صحفيا من غزة على الأقل.

فيما يقول المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة إن 173 صحفيا فلسطينيا استشهدوا بالقطاع، فيما وثق اعتقال الاحتلال الإسرائيلي 36 صحفيا خلال الحرب، أُفرج عن 4 منهم، بينما لا يزال 32 في السجون، وهذه الأعداد التي تظهر مدى الخطر الذي يواجهه الصحفيون، حيث يتم استهدافهم بشكل ممنهج، ويعكس سياسة الاحتلال الهادفة إلى إسكات الأصوات الحرة.




تأثير الاستهداف على السردية الفلسطينية

نجحت معركة طوفان الأقصى في إعادة السردية الفلسطينية إلى الوعي الأمة من جديد، إلا أن استهداف الصحفيين في غزة له تأثير عميق على السردية الفلسطينية، حيث يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تقويض القدرة على نقل الحقائق وإيصال صوت الشعب الفلسطيني إلى العالم، وعندما يتم استهداف الصحفيين وقتلهم، فإن ذلك يرسخ فكرة أن هناك قمعًا يتجاوز البعد العسكري، حيث تُعتبر هذه الأفعال محاولة لإسكات الحقيقة وإخماد الأصوات التي تعبر عن معاناة الشعب الفلسطيني.

أولاً، فإن مقتل الصحفيين يخلق فراغًا في المعلومات ويؤدي إلى غياب التغطية الإعلامية التي تعكس واقع الحياة في غزة. في ظل الحروب، تصبح الصور والمشاهد التي يلتقطها الصحفيون أداة هامة لنقل معاناة الشعب الفلسطيني، وعندما يتم استهداف هؤلاء الصحفيين، فإن السردية الفلسطينية تصبح مشوهة، مما يقلل من فرص تسليط الضوء على القضايا الإنسانية.

ثانيًا، تعمل عمليات الاستهداف هذه على تعزيز حالة الخوف بين الصحفيين الآخرين، مما قد يدفعهم إلى التقيد بحذر أكبر في تغطيتهم للحقائق، وبالتالي تقلّص فرصة نقل الروايات الفلسطينية الموثوقة، وعندما يشعر الصحفيون بأن حياتهم في خطر، يصبح من الصعب عليهم توثيق الأحداث ومشاركتها، مما يؤثر على قدرة الشعب الفلسطيني على التعبير عن مآسيه ومعاناته.

تضييق الخناق على الرواية الفلسطينية: الصحفيون المستهدفون كانوا ينقلون صورًا وأصواتًا عن معاناة الفلسطينيين، استهدافهم يحرم المجتمع الدولي من هذه الحقيقة ويترك المجال لروايات أخرى قد تكون منحازة. تدمير المؤسسات الإعلامية يقطع الوسائل التي يعتمد عليها الفلسطينيون لنقل الأحداث والتوثيق.

التأثير على الرأي العام الدولي: بقتل واعتقال الصحفيين، يحاول الاحتلال تشويه الصورة ونقل رواية مختلفة للأحداث، ومع غياب التغطية الإعلامية الفلسطينية، تضعف قدرة الرأي العام العالمي على رؤية الوضع من منظور الضحايا مباشرة.

تهديد الوعي الجماهيري: استهداف الصحفيين يضعف الوعي الجماهيري الدولي، فهؤلاء الصحفيون يمثلون الجسر الذي يوصل صوت المضطهدين للعالم. ومع غياب هذا الجسر، يصبح من السهل إخفاء الحقائق أو تحريفها.

أخيرًا، يمكن اعتبار استهداف الصحفيين كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى التضليل الإعلامي والتلاعب بالسرديات، من خلال إبعاد الصحفيين عن الساحة، يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تعزيز رواياته الخاصة التي تبرر أفعاله وتقلل من الاعتراف بالمعاناة الفلسطينية، وهذا التأثير يعزز من حالة عدم المساواة في الوصول إلى المعلومات، مما يؤثر سلبًا على صورة فلسطين في الإعلام الدولي ويقلل من الدعم الدولي للقضية الفلسطينية.

بناء الوعي
تلعب الصحافة الفلسطينية دورًا محوريًا في بناء الوعي العالمي حول القضايا الإنسانية التي تواجه الفلسطينيين، وذلك من خلال تغطيتهم للأحداث اليومية والاعتداءات على المدنيين، يقوم الصحفيون الفلسطينيون بإبراز المعاناة والظلم الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني.

ويتجاوز هذا الدور الحدود، حيث تُستخدم وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة لنشر هذه القصص، مما يساهم في تحقيق تأثير كبير على الرأي العام العالمي، والمبادرات التي يقوم بها الصحفيون الفلسطينيون في توثيق الأحداث، تساهم في تعزيز التعاطف والدعم الدولي، مما قد يؤدي إلى تحرك عالمي لإحداث تغييرات ملموسة في السياسات تجاه القضية الفلسطينية.

شكاوى في الجنائية
وفي ظل تصاعد العنف ضد الصحفيين في الأراضي الفلسطينية، برزت شكاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية كأداة رئيسية لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات، تعتمد على جمع أدلة موثوقة من ضحايا الاعتداءات، بالإضافة إلى شهادات العائلات والأصدقاء، مما يساهم في توثيق الجرائم ضد الإنسانية.
 
تعتبر هذه الإجراءات القانونية ضرورية لتسليط الضوء على الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان وللضغط على الدول والهيئات الدولية لاتخاذ مواقف أكثر حزمًا تجاه القضية الفلسطينية. 

النجاح في هذه الشكاوى يمكن أن يشكل سابقة مهمة في التاريخ القضائي، حيث قد يُعترف بحق الصحفيين في الحماية، مما قد يؤدي إلى تغييرات في السياسات الدولية.

نقابة الصحفيين الفلسطينيين تتحرك

بدورها، أعلنت نقابة الصحفيين الفلسطينيين أنها رصدت ووثقت انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، وقدمت دعاوى رسمية إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة المسؤولين عن استهداف الصحفيين، معبّرة عن استيائها من تأخر المحكمة في فتح تحقيق رسمي في هذه القضية.

وقال نقيب الصحفيين ناصر أبو بكر إن "النقابة تحضر لشكوى بكل الجرائم والمجازر بحق الصحفيين وحرب الإبادة الجماعية بحق الإعلام الفلسطيني بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين".

وتابع أبو بكر: "كلفنا طاقما من المحامين وقدمنا له كل الأوراق والوثائق المطلوبة لاستكمال ملف الشكوى للمحكمة، بشأن استهداف الصحفيين بشكل ممنهج وتدمير المؤسسات الإعلامية وإغلاقها".

وطالب نقيب الصحفيين المحكمة الجنائية الدولية والنائب العام كريم خان بـ"الإسراع في الإجراءات القضائية"، معتبرا أن عدم بدء التحقيق "يعد ضوءا أخضرا للاحتلال للاستمرار في جرائمه ضد الصحفيين، بينما الإسراع في الإجراءات قد يوفر حماية وضمانا للصحفيين".

ولفت إلى أن ما يجري "يمثل بداية حرب من قبل الاحتلال ضد مبادئ حرية الصحافة وحقوق الإنسان، لذا فإنه يجب على المحكمة المفوضة بحماية هذه الحقوق أن تبدأ إجراءاتها القضائية والقانونية وفق تفويض الأمم المتحدة".

ورجح أبو بكر وجود "ضغوط كبيرة تقودها دولة الاحتلال والولايات المتحدة تمارس ضد النائب العام لعدم فتح إجراءات التحقيق".

وأعلنت منظمة "مراسلون بلا حدود" في 24 أيار/ مايو أنها تقدمت بشكوى هي الثالثة من نوعها للمحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم الحرب المرتكبة ضد الصحفيين الفلسطينيين في غزة، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

القانون الدولي وحرية الصحافة
تضمنت القوانين الدولية حماية الصحفيين في مناطق النزاعات، اتفاقيات جنيف تحظر استهداف المدنيين والصحفيين، وتؤكد على أهمية حماية الصحافة كجزء من الحفاظ على حقوق الإنسان.

رغم ذلك، تتعرض وسائل الإعلام للضغوط والهجمات بشكل متزايد، ما يشير إلى الحاجة إلى آليات حماية أكثر فاعلية وتدخل دولي.

سبب استهداف الصحفيين 
وقال الكاتب الفلسطيني عدنان أبو شقرة، إن استهداف الاحتلال للصحفيين يعد محاولة لإسكات الكلمة لإخفاء حقيقة ما يحدث على أيده في قطاع غزة من مجازر وإبادة جماعية.

وأضاف في تصريحات خاصة لـ "عربي21"، أن الكيان الصهيوني منع دخول الصحفيين الأجانب إلى قطاع غزة، ومن دخل كان يمارس عمله من داخل سيارات الاحتلال الإسرائيلي، ليضمن تبني هؤلاء الصحفيين لرؤية ورواية الاحتلال. 

وتابع، أبو شقرة كون أن الصحفي الفلسطيني أصبح هو الشاهد والشهيد على ما يحدث لزم على الاحتلال إرسال رسالة شديدة اللهجة له ولمن يفكر في نقل حقيقة ما يحدث سواء استهدافه أو استهداف عائلته حتى ينهى على الرواية الفلسطينية، وهذا كما رأينا لم ولن يحدث ما زالت طوفان الأقصى تواصل كشفها لحقائق الاحتلال وتزيد الوعي من خلال نشر ما يحدث ويؤكد كذب الاحتلال الإسرائيلي. 

وأردف الكاتب الفلسطيني أن الاحتلال الإسرائيلي بدأ عمليات الاغتيال للشخصيات الفلسطينية المفكرة والأدبية والكتاب على عكس المتوقع ولم يذهب لاغتيال السياسيين أو العسكريين، كمثال "حنا ناصر وغسان كنفاني وائل زعيتر" حتى لا يستطيعوا نقل السردية الفلسطينية وحقيقة ما يحدث داخل فلسطين المحتلة. 

وتابع أبو شقرة أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لا يريد أن يرى العالم ما يحدث في غزة والمذابح التي ترتكب هناك، وهنا يأتي دور الصحفي الفلسطيني الذي أصبح الشاهد الشهيد على ما يحدث ولذلك يفضل الاحتلال إسكات هذا الشاهد، بالقتل هو وعائلته حتى لا يتجرأ على ممارسة عمله الإعلامي.

الصحفيون بين طوفان الأقصى و48
وقال الكاتب الفلسطيني إن الفرق بين دور الصحفيين في معركة طوفان الأقصى اختلف تماما عن المجازر السابقة من حيث التوثيق وإثبات ما فعله الاحتلال الإسرائيلي. 

وأضاف أن الشعب الفلسطيني فشل في مقاضاة الاحتلال الإسرائيلي رغم أنه بني على مجازر للشعب الفلسطيني، في عام 1984 ولم توثق بشكل كاف يمنح الفلسطينيين القدرة على رفع دعاوى قضائية على الكيان الصهيوني. 

وأشار أبو شقرة إلى أنه الآن ساعد الصحفيين في توثيق ما يحدث داخل قطاع غزة من مجازر وإبادة جماعية، مما ساعد المجتمع الدولي عرب وغيرهم من مؤيدي القضية الفلسطينية في رفع دعاوى في محكمة العدل الدولية دعم قرار المحكمة بأدلة موثقة، فلولا الصحفيين الفلسطينيين لما وصلت صورة المذابح في غزة. ولتكذيب رواية الاحتلال، عمل أرشيف يستخدم في المحاكم الدولية، وكذلك ترك أرشيف للأجيال القادمة عن صمود غزة. 
 تأثير الاستهداف على الصحفيين
أكد عدنان أبو شقرة أن في البداية الصحفيين أصبح لهم دور كبير يوازن الجهود في المعركة فهو مجاهد على نقل الحقيقة كما يجاهد المقاوم بسلاحه للحفاظ على أرضه وشعبه، فالصحفي يحافظ على الحقيقة وينفل صمود شعبه. 

وأضاف أن معركة طوفان الأقصى جعلت من المتحدث الرسمي لكتائب القسام أيقونة عالمية وكذلك القيادي في حركة حماس أسامة حمدان عندما استلم دوره الإعلامي في مواجهة سردية الاحتلال أصبح له دور وتوازن في المعركة الإعلامية. 

 وأشار أبو شقرة إلى أن الصحفيين الفلسطينيين يدركون جيدا قيمة عملهم وإمكانية تعرضهم للشهادة في أي لحظة، لكنهم اعتبروا أن دورهم في المعركة يوازي المجاهد الذي يحمي أرضه. 

وتابع أن استهداف الاحتلال للصحفيين لن يؤثر الصحفي الفلسطيني، الذي تربي على الحرية ونقل معاناة شعبه، وكيفية التزامه لشعبه بنقل الحقيقة التي يدفع مقابلها ثمنا غاليا، فالصحفي الفلسطيني يعتبر نفسه جزءا من المعركة ومسؤولا عن توصل صوت المقاومة لشعوب العالم، لذلك فإن هذا الاستهداف لم يؤثر على عزيمته.

كيف يبرر الاحتلال استهداف الصحفيين؟
في هذا السياق أكد الكاتب الفلسطيني أن تبرير جرائم الاحتلال الإسرائيلي يعتمد على شقين الأول مرتبط بالإعلام الأجنبي الذي تبني السردية الإسرائيلية، حيث نجحت في تجنيد معظم وسائل الإعلام الأجنبية لتبرير جرائمها. 

أما في الداخل الفلسطيني بين المستوطنين فإن المجهور الصهيوني لا يرى ما يحدث في غزة، ولا يرى إلا ما سمح به الرقيب الصهيوني، وفي النهاية هم ليس لديهم أي اعتراض في إغراق غزة في الدماء. 

ولفت أبو شقرة النظر إلى كلمة رئيس الاحتلال الإسرائيلي السابق شيمون بيريز حين قال إننا لا نرى الفلسطيني إلا من فوق فوهة البندقية، مشيرا إلا أن الجمهور الإسرائيلي عكس الحكومة التى ترى أنها تسكت الحقيقة التي لا تريدها أن تظهر للمجتمع الدولي، أما الجمهور فيرى أنه لم يقتل صحفيا فقط بل إنه قتل فلسطينيا من الممكن يأخذ الأرض منه.