سياسة عربية

هل تتغير الخريطة الإعلامية بخروج "رئيس تحرير إعلام مصر" من المشهد؟

شعبان كان يشار إلى تحكمه في كل ما يبث على الشاشات- إكس
تفاعلت أوساط إعلامية مع خروج الشخص الذي يسيطر على مجال الإعلام والصحافة في مصر طوال السنوات السابقة من المشهد، العقيد أحمد شعبان، الذي تتردد أنباء عن الإطاحة به من عرش الإعلام في مصر، وذلك بعد أسبوعين من إطاحة رئيس مخابرات مصر عباس كامل، الذي كان يمثل شعبان ظله ومنفذ تعليماته.

رئيس قطاع القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية أحمد الطاهري، كتب عبر صفحته بـ"فيسبوك"، تدوينة توحي بانتهاء خدمة شعبان، واصفا إياه بالأخ والصديق "ورفيق رحلة عظيمة من النجاحات والتحديات والصعاب، رحلة عظيمة من الحلم".


ذهب المعلقون على تدوينة الطاهري، من العاملين في الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية والتليفزيون المصري، للإشادة به وبأدواره في مجال الصحافة والإعلام، كما جاء تعليق الإعلامية شافكي المنيري، مؤكدا على أن شعبان غادر موقعه، بقولها بعد الإشادة بمواقفه الإنسانية وثقافته ووطنيته: "كل التقدير له في كل المواقع".

آخر ما نُشر بالصفحة الشخصية للعقيد أحمد شعبان عبر موقع "فيسبوك"، كان الثلاثاء، بإعلان حصوله على درجة الماجستير في العلوم السياسية بعنوان "تفاعلات التنافس والتعاون في منطقة شرق المتوسط وتأثيرها على الأمن الإقليمي بعد اكتشافات الغاز"، من "معهد البحوث والدراسات العربية" التابع للجامعة العربية، ما قرأه البعض كخطوة محتملة نحو امتهان شعبان، للعمل الأكاديمي.



"على خطى الشريف"

شعبان عمل بجهاز الاستخبارات الحربية الذي كان يرأسه السيسي عام 2010، ثم انتقل مع عباس كامل إلى مكتب وزير الدفاع، المنصب الذي تولاه السيسي عام 2012، لينتقل مع عباس كامل إلى قصر الاتحادية مع تولي السيسي الحكم رسميا في 2014، ليطلق عليه البعض "ظل عباس كامل".

شارك الرائد شعبان، في تكوين إمبراطورية الإعلام القائمة الآن والتابعة للمخابرات، عبر ابتزاز رجال الأعمال أصحاب الصحف والفضائيات لبيعها للشركة "المتحدة للخدمات الإعلامية"، في ملف مثير تناولته "عربي21" سابقا.

وكان يتحكم شعبان بإمبراطورية من 44 مؤسسة صحفية وإعلامية وإعلانية، منها "اليوم السابع"، و"الوطن"، و"الدستور"، و"الأسبوع"، وفضائيات كـ"dmc" و"الحياة"، و"cbc"،  و"إكسترا نيوز"، و"on"، و"on time sports"، و"القرآن الكريم"، و"الناس"، وراديو "النيل"، و"90 90"، و"ميجا إف إم"، وغيرها، بجانب شركات الإنتاج الفني والإعلانات "سينرجي"، و"ميديا هب"، و"pod"، وتطبيق "Watch it"، وشركتي التسويق الرياضي "برزنتيشن"، و"استادات".


أدوار أحمد شعبان، ومساعده النقيب أشرف الخولي، والتي كشفتها بعض التسريبات والتي منها للصحفي "ديفيد كيركباتريك"، عبر "نيويورك تايمز" الأمريكية، في 6 كانون الثاني/ يناير 2018، وأخرى لفضائية "مكملين"، تذكر بأدوار العقيد صفوت الشريف، أحد أركان المخابرات المصرية على مدار عقود منذ عهد جمال عبدالناصر، ووزير إعلام حسني مبارك، الشهير، والمتحكم في "ماسبيرو" وشارع الصحافة، ومهندس الكثير من المواقف والأحداث.

"انتليجنس أون لاين"، المجلة الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، قالت في عدد 3 تموز/ يوليو 2019: "شعبان على مقربة من مصطفى السيسي نجل الرئيس، الذي يرأس إحدى دوائر المخابرات العامة"، مشيرة إلى أنه كتب العديد من المقالات في المواقع المصرية تحت اسم "ابن الدولة".

"صراعات شعبان"

كما ظهر اسمه وهو ما بين رتبتي مقدم وعقيد من آن إلى آخر في قضايا جدلية وفي الانتقام من شخصيات تنتقد النظام.

بداية أطاح شعبان، بالمتحدث العسكري الأسبق العميد محمد سمير، من العمل في المجال الإعلامي، هو وزوجته السابقة المذيعة إيمان أبوطالب، ما دفع سمير لانتقاد أدوار شعبان، عبر مقال بموقع "فيتو"، 31 تموز/ يوليو 2018، بعنوان: "النموذج الأفشل"، منتقدا إدارة شعبان واصفا حال الإعلام المصري بأنه أصبح "أكبر صفر".

وفي حزيران/ يونيو 2019، تفجرت قضية "سامسونج" على إثر رسالة أرسلها شعبان لفضائية "إكسترا نيوز" والتي كشفت سيطرته على الإعلام والصحف وتوجيهها، عندما قرأت مذيعة مصرية خبر وفاة الرئيس الراحل محمد مرسي، متبعة الخبر بقولها: "مرسل من جهاز سامسونج".

وكشفت الصحفية دعاء خليفة، في أيلول/ سبتمبر 2020، عن ابتزاز جنسي لها من شعبان، ما تبعه اعتقالها وإخفاؤها قسريا.


وفي 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، أعلنت الناشطة غادة نجيب، عن تهديد شعبان، لها بإسقاط الجنسية المصرية عنها، وهو ما حدث بالفعل، مع شن حملة إعلامية تطعن في زوجة الفنان المعارض هشام عبد الله.

وفي آذار/ مارس 2021، تم حبس والتنكيل بالأكاديمي المصري الدكتور أيمن منصور ندا بعد مقال تحدث فيه عن دور شعبان في السيطرة على الإعلام واصفا إياه بـ"رئيس تحرير مصر".

وفي نيسان/ أبريل 2021، تمت الإطاحة بوزير الدولة للإعلام أسامة هيكل، بعد مواجهات صحفية وإعلامية مدة 6 أشهر مع صحفيين وإعلاميين محسوبين على أجهزة سيادية مصرية، في حملة قادها العقيد شعبان، إثر تقرير أعلنه هيكل، عن تدني نسب قراءة الصحف ومشاهدة الفضائيات، اعتبره شعبان اتهاما بالفشل.

هيكل، قال في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، عبر صفحته بـ"فيسبوك": "صدرت الأوامر بشن حملة جديدة على شخصي"، وأضاف متهما شعبان والذي وصفه بـ"من أعطى الأمر؛ بأنني لن أصمت"،  متهما إياه بإهدار المال العام بقوله: "أهدرتم الكثير والكثير بلا خبرة وبلا هدف واضح".

وحول دلالات تخلص السيسي من "رئيس تحرير مصر" كما يصفه البعض بعد أسبوعين من الإطاحة برئيس المخابرات عباس كامل، تحدث صحفيون وكتاب مصريون، مشيرين لتوقعاتهم حول احتمالات تغير الخريطة الإعلامية في مصر بخروج العقيد شعبان من المشهد.

"شهادة من المتحدة"

وأكد صحفي في أحد المواقع التابعة للشركة "المتحدة للخدمات الإعلامية" التي كان يسيطر على قراراتها شعبان، أن "تعليماته كان يتم إرسالها بشكل لحظي إلى جروب عبر واتساب، ليتم تنفيذها بحذافيرها، ومن يخالفها يتم عقابه بوسائل عدة بينها الفصل والإقالة، وهو ما حدث مع العديد من الصحفيين الصغار والكبار".

الصحفي الذي فضل عدم ذكر اسمه، أوضح لـ"عربي21"، أن "شعبان صنع عددا من الصحفيين بكل الصحف للرقابة على زملائهم ومنحهم سطوة حتى على رؤساء التحرير ورؤساء مجالس الإدارة الذين كانوا يراجعون الصحفي المقرب من شعبان بكل كبيرة وصغيرة، ويطلبون منه حل المواقف والأزمات مع شعبان، وطلب المنح والعلاوات، والخلاصة صارت الصحف مؤسسات أمنية".

"ضمن تغييرات أكثر قادمة"

ووفق رؤيتها، قالت الكاتبة الصحفية مي عزام، إن "الأمر لا يخص السيد أحمد شعبان، وحده، وأعتقد أننا مقبلون على تغييرات كبيرة، وضخمة في المشهد السياسي، وليس الإعلامي وحده".

عزام، في حديثها لـ"عربي21"، قالت إن "اللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات السابق، كان منخرطا ومسؤولا عن العديد من الملفات، ومنها الإعلام الذي كان يعتمد فيه على مساعده، العقيد شعبان".

ونفت الكاتبة المصرية معرفتها بأي "معلومات عمن سيخلفهما في هذا الملف وغيره، ومتى بالضبط سيحدث تغيير بالوجوه الإعلامية، طبقا لرؤية من يخلفهما".

"تدوير في زمن النكسة"

ويرى السياسي المصري خالد الشريف، أن "الأجواء التي تعيشها مصر الآن فعلا تشبه نكسة 1967، بل أسوأ؛ وهو باعتراف السيسي، نعيش حالة استبداد بنكهة الهزيمة في كل المجالات".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "لقد شعر القوم مؤخرا بخطورة الموقف والنكسة فتمت إقالة عباس كامل، ظل الرئيس، وأحمد شعبان والذي يشبه تماما صلاح نصر في ستينيات القرن الماضي، والذي يتحكم في الملفات القذرة، والإعلام والدراما والأفلام، وله سجل إجرامي في الابتزاز والرشوة وسجن الإعلاميين".


واستبعد الصحفي المصري، أن "يتم التضحية بعباس وشعبان وتقديمهما للمحاكمة بتهمة الفساد والابتزاز، مؤكدا أننا "في إطار مرحلة تدوير نظام السيسي، في ظل حالة الفشل والنكسة السياسية والاقتصادية".

ويعتقد أن "هناك من يدير المشهد من رجال الجيش النافذين؛ يريدون التخفف من حالة الاحتقان والغليان في الشارع المصري، وقد أدركوا أن السيسي أغرق مصر في الديون وحالة النكسة، وربما يتم التخلص من السيسي نفسه خلال المرحلة القادمة".

وختم بالقول: "وهذا ما يجب أن تستعد له المعارضة المصرية ويكون لديها رؤية للتعامل مع الأوضاع الجديدة".

"لا غرابة"

أما الكاتب الصحفي والباحث الإعلامي خالد الأصور، فقد قال: "لا أجد أي غرابة في إقالة أو إطاحة السيسي، لذوي المناصب المتنفذة في مصر، فهو يختلف تماما عن مبارك الذي كان يعتمد على أهل الثقة ويوليهم المناصب لسنوات طويلة".

الأصور، أضاف لـ"عربي21": "أما السيسي، فهو لا يعتمد مطلقا على الثقة، فهو حذر جدا ولا يثق بأحد ولو كان تابعا مطواعا، هو يعمل بمبدأ سد الذرائع السياسية إن صح التعبير، فهو لا ينتظر لتكون شخصية ما ذات نفوذ وتأثير واسع يمتد لسنوات".

وأوضح أن "هذا ديدنه مع كل رفقائه في المجلس العسكري، تقريبا لم يُبق منهم أحدا؛ ولذا لم أستغرب إقالة رئيس المخابرات العامة عباس كامل، رغم كونه تابعا أمينا، ولا إمبراطور الإعلام أحمد شعبان، رغم كونه تابعا أمينا أيضا".

ومضى يقول: "لكن طول المكث في المنصب ربما يمنح التابع أملا وطموحا ليصبح متبوعا، فيقطع السيسي هذه الخيالات".

ويعتقد الأصور، أن "هذا الحذر من مزاياه، لذا ظل لأكثر من 10 سنوات يمسك بقوة وتمكن وسيطرة حقيقية بزمام السلطة، ويغادر البلاد كثيرا في زيارات خارجية عديدة ومطولة وهو آمن، لأنه لا يسمح باتساع أو بطول وقت نفوذ أحد في السلطة، ولا سيما في المواقع المؤثرة".

"توقعات التغيير"

في تقديره قال الكاتب الصحفي والإعلامي قطب العربي: "في حال صحة خبر الإطاحة بأحمد شعبان من موقعه كموجه فعلي للإعلام المصري فإن المنظومة الإعلامية وقلبها الشركة المتحدة بما تضمه من صحف وقنوات ومواقع ستظل غالبا في نفس سياساتها وتوجهاتها الداعمة بقوة للنظام".

وفي حديثه لـ"عربي21"، توقع العربي، أن "ما سيختلف فقط هو حامل جهاز توجيه الرسائل من أحمد شعبان إلى شخص آخر، لكن المتوقع هو تغيير لبعض الوجوه اللصيقة بأحمد شعبان لإحلال وجوه أخرى مكانها".

وتوقع أيضا أن "تنتقل إدارة الملف الإعلامي لقيادة أمنية كبرى عملت في مكتب السيسي، كما يُتوقع عودة ظهور شخصيات لعب شعبان دورا كبيرا في إخفائها من المشهد رغم خدماتها الكبرى للنظام، وعلى رأس هؤلاء أسامة هيكل وزير الإعلام السابق، الذي أطلق شعبان عليه رجاله حتى أطاحوه من موقعه الوزاري".