تستمر الصحافة الاسرائيلية في تناول الملف
النووي الايراني واتفاق جنيف مع الدول الكبرى.
الجبهات المتبقية
كتب أمنون لورد لصحيفة "معاريف" تحت عنوان: "الجبهات المتبقية"، وجاء فيها:
مهمة اسرائيل الان هي الحرص على ان يتطور الاتفاق المرحلي لاحقا الى اتفاق شامل يمنع تحول ايران الى قوة عظمى اقليمية وربما عالمية ذات قوة نووية. توجد ايران لها قدرة نووية، بما في ذلك القدرة على الركض نحو قنبلة يورانيوم مخصب – شيء من نوع قنبلة هيروشيما. وتوجد ايران هي قوة نووية حقيقية لديها رؤوس متفجرة نووية من قنابل البلوتونيوم القابلة للتركيب على رؤوس صواريخ.
بالفرق بين الايرانيتين تكمن الفجوة بين اسرائيل والولايات المتحدة. فالامريكيون يمكنهم أن يتعايشوا سلميا وان يناموا بهدوء مع ايران التي لديها قدرة اختراق نحو منشأة نووية ما ثقيلة كبيرة، متخلفة. وهم قلقون، اذا كان الرئيس اوباما قلق من شيء ما في هذا العالم، من ايران التي هي قوة عظمى عسكرية نووية، وهذا ما يريدون منعه لاحقا في الاتفاق الشامل. اما اسرائيل فترى في ايران التي هي دولة حافة تهديدا وجوديا ايضا.
الطريق للقتال من أجل تحويل اتفاق التجميد الحالي اتفاقا شاملا يمنع التدهور في المنطقة هو العمل على ثلاث جبهات. الاولى، اعادة الخيار العسكري الى مفعوله. اللواء عاموس يدلين قال في مقابلة مع "نيو ريببلك" قبل نحو شهر ان لدى اسرائيل القدرة المستقلة لتدمير البرنامج النووي الايراني. وقد تحدث عن الاشهر القريبة القادمة كأشهر حرجة.
يحتمل أن يكون اتفاق التجميد الحالي يبعد الحاجة للاستعداد للهجوم في بداية 2014. في كل الاحوال، فان المصداقية العسكرية لاسرائيل ستزداد اذا ما تعاونت في هذا الموضوع مع السعودية، واذا كانت الولايات المتحدة ستحافظ على وجود عسكري زائد في الخليج الفارسي.
الجبهة الثانية هي تفعيل قوانا في الكونغرس وفي اوروبا بحيث يدخلوا في اقرب وقت ممكن الى فوهة البندقية عقوبات اخرى، أشد مما في الماضي. على الايرانيين ان يروا ايضا عصا عقوبات طويلة – عسكرية واقتصادية، وكذا جزرة حلوة تفتح لهم الطريق لحياة سلام وتنمية اقتصادية.
اما الجبهة الثالثة فهي داخلية: في اسرائيل يعمل نوع من الحكومة الثانية التي هي حكومة ظلال. لديها صحف عظيمة النفوذ تخدم دعاية اوباما وتعنى بنزع الشرعية ونزع المصداقية عن حكومة اسرائيل. يوجد لوبي تجاري – أمني متقاعد يخشى على أعماله التجارية، ولهذا فانه يفضل المصالح الامريكية على مصالحنا القومية. يجب محاولة تفكيك هذه اللوبي الامريكي من خلال كشفه وشجبه.
أمريكا لا تعمل لأجلنا
أمّا صحيفة "يديعوت"، فقد كتب يوعز هندل تحت عنوان: " أمريكا لا تعمل لأجلنا":
إن السياسة الاسرائيلية مليئة بالشماتة، ويختلط الشخصي بالقومي، والمنطق بالشعور الايديولوجي. إن الاتفاق الذي وقع عليه مع ايران ضربة مؤلمة للسياسة الاسرائيلية، وليس هو ضربة شخصية لنتنياهو – برغم مماهاته للهدف – بل مشكلة دولة اسرائيل.
برغم التصريحات جميعا، أزال التوقيع في جنيف الخيار العسكري عن الطاولة. ونشك كثيرا في أن تكون الادارة الامريكية قد قصدت الى ذلك في الماضي، ولا شك في أنها لا تقصده في المستقبل. إن الشرق الاوسط الذي لا يوجد فيه ردع هجوم عسكري هو مكان أعقد وأخطر، وهذا صحيح سواء قال ذلك نتنياهو علنا أم ضبط أعصابه.
إن نتنياهو شخصية مركبة، والجانب الشخصي والجانب العام يختلف بعضهما عن بعض، فهناك نتنياهو الانسان ونتنياهو الزعيم. وأنا أعرفهما من قريب. أما الاول فلا أحبه وقد عملت الى جانبه. وهذه مسألة ذوق. أما الثاني في مقابل ذلك فأقدره في مجالات كثيرة. وفي الشأن الايراني فعل وما زال يفعل بصفته رئيس وزراء الامور الصحيحة من وجهة نظري. إن الدكتور بنيامين لا يشوش على السيد نتنياهو.
إن فشل نتنياهو في منع اتفاق مع ايران هو نتاج اعماله واعمال آخرين. وعليه مسؤولية لا تقع عليه وحده بعد ولاية كاملة. فالواقع أقوى منه. وقد نجح في جعل ايران في برنامج العمل العام وفي الحث على عقوبات، لكنه لم ينجح في الابقاء على الضغط وقتا طويلا. وقد لقيت السياسة التي خطها عوائق وصادمت المصلحة الاسرائيلية المصالح الامريكية. وأثر الخصوم السياسيون تأثيرا سيئا.
واجه نتنياهو مدة ولاية كاملة معارضة قوية لهجوم عسكري على ايران. وقد وضع على طاولته مرتين بحسب ما نشر الى الآن معضلة الهجوم الاسرائيلي. وأخر قراره مرتين بسبب ضغط داخلي في داخل اسرائيل. وتحول عدم القرار على مر الوقت الى قرار.
بخلاف هذه المعضلات في الماضي، خرج النقاش في هجوم عسكري على ايران عن السيطرة الى الفضاء العام وتم الجدل في وسائل الاعلام فكانت تصريحات معلنة وتقديرات استخبارية على رؤوس الأشهاد. ووجد نتنياهو نفسه يحتال بين تحقيق السياسة الاسرائيلية التي صاغها وبين سياسة آخرين.
في الدول الديمقراطية يُحدثون الضغط باستخدام الرأي العام فيجندون من يمكن تجنيده. التقيت قبل سنة ونصف في تل ابيب خبيرا بالذرة من دولة اوروبية. وقد طلب سفير تلك الدولة أن ألقاه كي أسمع انطباعه عن لقاء مع الطرف الايراني. وكان اللقاء موضوعيا ولم يُقل فيه أي شيء جديد سوى رسالة أن اسرائيل يجب ألا تفعل شيئا وحدها. ولم أتفق معه. وكانت مسألة الهجوم الاسرائيلي على ايران تغطي الجو. وبذلوا في الولايات المتحدة وفي غرب اوروبا جهدا كبيرا لاقناع نتنياهو بأنه وحيد. وكانت وسائل الاعلام الاسرائيلية وسيلة ووجدت الى جانبها لقاءات مع ساسة ورجال من الادارة وجهاز الأمن. واقتنع عدد منهم وأثر ضغطهم.
كان الزعم المركزي لمعارضي الهجوم أنه يوجد وقت كاف للقرار، على مبلغ التناقض في ذلك. فيجب على اسرائيل أن تجلس في هدوء في الوقت الذي تشدد فيه ادارة اوباما العقوبات على ايران، ويفضل أن تعمل
امريكا من اجلنا. وكانوا مخطئين فقد تبين أن الوقت قد انقضى سريعا وكذلك العقوبات وأن امريكا لا تعمل من اجل أحد.
كان نتنياهو صادقا بتنبؤاته الكئيبة والسياسة الدبلوماسية العنيفة. ولا يمنع ذلك اولئك الذين عارضوا الهجوم أن يزعموا الآن أن سياسته كانت مخطئة من البداية. إن جدلهم مع نتنياهو شخصي ويصعب عليهم التفريق. وانتقادهم له ايضا شخصي.
هذا جائز في السياسة ومشروع في دولة ديمقراطية، لكن لا شيء فيه له صلة بمواجهة ايران.
ما زالت أفضل صديقة لنا
وتحت عنوان "ما زالت أفضل صديقة لنا" كتب موشيه آرنس في صحيفة "هآرتس"، قائلاً:
منذ انتُخب حسن روحاني رئيسا لايران في شهر حزيران، وعرض على الولايات المتحدة وجها باسما، أصبحت الطريقة التي ينبغي بها علاج البرنامج النووي الايراني موضوعا مختلفا فيه بين رئيس الولايات المتحدة ورئيس وزراء اسرائيل. ففي وقت الاستعداد للمحادثات بين الاعضاء الخمس الدائمات في مجلس الامن مع المانيا وبين ايران، ولا سيما بعد بدء المحادثات في الشهر الماضي في جنيف، تحول عدم الاتفاق بين الولايات المتحدة واسرائيل على الموقف الذي ينبغي الالتزام به في هذه القضية، الى جدل علني أخذ يزداد قوة فقط.
ليست هذه أول مرة يقع فيها اختلاف في الرأي بين اسرائيل والولايات المتحدة. وعلى نحو عام يبذل الطرفان جهدا كي لا يعلنا عن هذه الاختلافات على الملأ، برغم أن الولايات المتحدة كشفت للجمهور في السنوات الاخيرة عن الاختلافات في الرأي فيما يتعلق بالاستيطان في يهودا والسامرة.
لكن الجدل في سؤال كيف يتم التصرف فيما يتعلق ببرنامج ايران النووي، تزايد الى أبعاد لم يسبق لها مثيل. ففضلا عن أن قادة الدولتين لم يُحجموا عن التعبير مرة بعد اخرى عن مواقفهم علنا، حاول بنيامين نتنياهو الذي سمى اقتراح الاتفاق في جنيف "صفقة سيئة" أن يقنع عددا من اعضاء مجموعة الخمس زائد واحدة بتغيير مواقفها من هذا الشأن. وفي هذا الوقت وقع على اتفاق أولي في جنيف وأصبح واضحا للجميع أن رئيس الوزراء فشل في جهوده.
يؤكد الاتفاق الأولي الفرق بين الموقف الاسرائيلي والموقف الامريكي. وتوافق ايران بحسبه على عدم توسيع البنية التحتية النووية الواسعة التي بنتها في السنوات الاخيرة بكلفة ضخمة، وظلت لديها قدرتها القائمة على التوصل الى سلاح نووي. ويقول الموقف الاسرائيلي إنه يجب على ايران مقابل تخفيف العقوبات أن تبدأ بتفكيك بنيتها التحتية النووية، أي التخلي عن قدرتها على تطوير سلاح نووي.
ليس من الصعب أن نفهم سبب الاسلوب المتطرف الذي تم التعبير به عن الفروق في التصور العام بين الولايات المتحدة واسرائيل في القضية النووية الايرانية: فبرغم أنهم في واشنطن يرون الرغبة الايرانية في احراز سلاح نووي خطرا محتملا على استقرار العالم، يرونها في القدس خطرا حقيقيا على اسرائيل – خطرا على وجودها.
إن خطب القادة الايرانيين التي تهدد بالقضاء على اسرائيل تُبين أن مخاوف اسرائيل ليست ثمرة خيالها. وإن كلام آية الله علي خامنئي حينما كان التفاوض في جنيف في ذروته على أن اسرائيل تشبه كلبا مسعورا، يقوي فقط انطباع أنه لم يتغير شيء في طهران.
إن الموقف الذي التزمت به الولايات المتحدة من القضية النووية الايرانية خيّب آمال اسرائيليين كثيرين، بل تُسمع هنا وهناك أصوات تدعو الى وجود حلفاء آخرين يحلون محل منظومة العلاقات التي بُنيت في سنين طويلة مع الولايات المتحدة. ومصدر هذه الاقتراحات المتسرعة عدم ادراك مبلغ عمق العلاقات التي نشأت بين الدولتين وهي علاقات تقوم على قيم مشتركة.
برغم أن الولايات المتحدة ليست الدولة الديمقراطية الوحيدة في المعمورة، فانها الديمقراطية الرائدة وسياستها الخارجية التي لا تشبه سياسة ديمقراطيات اخرى تتأثر جدا بتمسكها بهذه القيم. والأسس التي تقوم عليها العلاقات بين اسرائيل والولايات المتحدة لم تتغير ألبتة. فستتغلب اسرائيل والولايات المتحدة على الاختلافات بينهما في شأن طريقة احراز أهدافهما المشتركة، وستثبت العلاقات بينهما سنين كثيرة بعد، فما زالت الولايات المتحدة أفضل صديقة لاسرائيل بين الأمم وسيبقى الحلف بين الاثنتين على حاله.
" لا يأبهون بالحقائق"
من جانبها أوردت صحيفة "معاريف" مقالة للخبير النووي عوزي ايفن تحت عنوان "لا يأبهون بالحقائق":
كتب الكثير عن الاتفاق الذي وقع مؤخرا بين القوى العظمى وايران. اجواء الكآبة التي تسود في البلاد في اعقاب الاتفاق (كما ينعكس في الصحف وفي وسائل الاعلام الاخرى في البلاد) اذهلتني.
فالاجواء تمليها في معظمها الحكومة والناطقون بلسانها، وأنا مذهول حقا. هل قرأوا ذات الاتفاق الذي قرأته أنا؟ ألا يعرفون الشروط التي يمليها الاتفاق؟ هل حكومتي لا تعرف العناصر اللازمة لوجود دولة/قوة عظمى نووية؟ هل هذه ردود فعل عاطفية دون التعاطي مع الحقائق؟ هل كل العالم مخطيء، ونحن فقط نعرف المستقبل؟
إذن ها هي بعض الحقائق التي يعرفها كل الناطقين بلسان الحكومة ويزورونها بنية مبيتة:
1 التهديد النووي الاخطر ينبع من نية ايران تطوير سلاح نووي استنادا الى البلوتونيوم الذي ينتج من المفاعل قيد الانشاء في اراك قرب اصفهان. ويفترض بانشاء المفاعل أن ينتهي في 2014 وهو سينتج البلوتونيوم بكمية قنبلتين في السنة. فلماذا يعد هذا هو التهديد الاخطر؟ لان القنابل النووية التي تقوم على اساس البلوتونيوم صغيرة بما يكفي لتركيبها على صواريخ شهاب الايرانية التي يمكنها الوصول الى اسرائيل. في الاتفاق المرحلي الموقع تعهدت ايران بوقف كل اعمال البناء في هذا المفاعل. وفي نظري، كان هذا الاختبار الاهم لنوايا ايران، واذا ما نفذ الاتفاق (تحت الرقابة) – فعندها يكون تهديد جسيم ازيل عنا. وبالمناسبة، تجدر الاشارة الى أن هذا المفاعل ذكرني بالمبنى والمكان الصحراوي للمفاعل القديم الذي بنيناه في ديمونا قبل نحو خمسين سنة (لمن نسي بان لدينا ايضا يوجد مفاعل). وقد شعرت براحة شديدة حين قرأت هذا البند في الاتفاق.
2 وماذا عن اليورانيوم المخص. فمنه يمكن بناء قنبلة، أليس كذلك؟ القنابل التي القيت على هيروشيما كانت من هذا النوع. ولكن بتذكيركم – هذه القنبلة كانت تزن ستة اطنان، وبعد عشرات السنين من التطوير في الولايات المتحدة، في الاتحاد السوفييتي، في الصين وحتى في الباكستان جرت غذ لم يعد ممكنا التقليص الشديد لحجمها ووزنها، وهي غير قابلة للاطلاق بالصواريخ الموجودة في ايران.
عمليا لا توجد اليوم اي قوة عظمى نووية تستند الى سلاح يقوم على اساس اليورانيوم المخصب، وتوجد لذلك عدة اسباب فنية – ليس حجم القنبلة فقط بل وايضا مصداقيتها. فأحد لا يريد أن يستخدم سلاحا نوويا غير مصداق لاسباب واضحة. ولهذ فما كنت لاقلق وجوديا من أعمال التخصيب في ايران، التي ورثت التكنولوجيا التي سبق تطويرها واهملت من الباكستان.
3 ولكن لعل الايرانيون اعتقدوا بانه سيكون بوسعهم الوصول الينا مع قنبلة من اليورانيوم بطائرة قصف وليس بصاروخ؟ لهذا ايضا يوجد جواب في الاتفاق الموقع. فقد تعهد الايرانيون بعدم تخصيب اليورانيوم الى درجة عالية يمكن منها انتاج قنبلة. وحتى التخصيب على درجة منخفضة قيد جدا. ولما كانت احد لا يعتمد فقط على الوعود الايرانية، فقد اتفق على نظام رقابة متشدد من اللجنة الدولية للطاقة الذرية، رقابة على درجة من الشدة والخطورة لم توافق اي دولة اخرى في العالم على مثل هذا الترتيب.
4 إذن قولوا لي: هل وضعنا تحسن في اعقاب هذا الاتفاق أم لا؟ صحيح، لا يدور الحديث الا عن اتفاق لستة اشهر (سيمدد على ما يبدو أكثر فأكثر) ولكني اشعر أقل تهديدا اليوم. فلماذا حكومتي إذن تواصل الادعاء بانه ارتكب هنا خطأ فظيع؟ أم لعله من المجدي للايرانيين ان يقتنعوا بان الاتفاق جيد وسيقبلونه؟ أم لعله من المجدي صياغة اتفاق دائم بالمستقبل مع شروط افضل؟ أم لعله من المجدي منع ايران من التراجع عن الاتفاق في اللحظة التي يكون مريحا لها ذلك؟ ولكن اذا ما فعلوا ذلك، يكونوا قد عرفوا الثمن الذي سيضطرون الى دفعه. أم أن هذا كان هو السبب للانفجار المفاجيء للطف الايراني. فمن يعتقد أن الايرانيين أغبياء؟ أنا لا أعتقد.