قال الكاتب السياسي في صحيفة "نيويورك تايمز" روجر كوهين تعليقا على أحاديث وزير الخارجية الأمريكي في منتدى دافوس إن الأخير تحدث "طويلا عن إيران، وتحدث طويلا عن سورية، وتحدث طويلا عن إسرائيل/ فلسطين ولم يكن لديه ما يقوله عن
مصر".
وتابع كوهين في مقاله الذي عنونه بـ"الكارثة المصرية" قائلا: "كان ذلك حذفا صارخا لمصر التي يعيش فيها ربع سكان العالم العربي، وتمثل نقطة ارتكاز الربيع العربي، وشعار الأمل والتغيير ضد الدكتاتورية قبل ثلاثة أعوام، والتي أصبحت اليوم بلدا لمصريين ينبحون من أجل بطل عسكري له صفات الفرعون الجديد كي يقوم بسحق الإخوان المسلمين".
وأضاف كوهين "مع ذلك، ففي خطابه الذي خصصه لدحض أسطورة "فك الارتباط" الأمريكي بالمنطقة، وفكرة أمريكا المتعبة من الحرب، والتي تنسحب من الشرق الأوسط؛ كان كيري صامتا حول بلد يُعتبر من أهم حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ويتلقى حوالي 1.3 مليار دولار من المساعدات الامريكية سنويا -علق بعضها - وتحول لمركز يسخر من آمال الأمريكيين في بناء مجتمع متسامح وديمقراطي".
ويرى الكاتب أن صمت كيري كانت له دلالاته، لأن إدارة الرئيس باراك أوباما ظلت متخبطة حول مصر منذ بداية الربيع العربي، حيث وقفت بشكل قصير مع حسني مبارك، ووقفت إلى جانب من أطاحوا به، ثم عملت ما بوسعها لإقامة علاقات جيدة مع الإخوان المسلمين والرئيس المتنخب محمد مرسي، ثم وقفت مع الجيش الذي أطاح بمرسي قبل ستة أشهر ( بدون أن تسمي ما حدث انقلابا)، وأخيرا جادلت الإدارة بعبارات كيري نفسه في آب/ أغسطس معتبرة أن قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح السيسي "يقوم بإعادة الديمقراطية" إلى مصر.
ويشير الكاتب إلى أن "إعادة" الديمقراطية تمت من خلال عمليات قمع شديدة ضد جماعة الإخوان المسلمين التي صنفت جماعة إرهابية في 25 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وضد أي شخص لا يركع للسيسي الذي خلف قمعه أكثر من 1000 قتيل. وشملت "إعادة" الديمقراطية أيضا عملية تمرير سريعة للدستور الذي صاغته لجنة من خمسين عضوا، بمن فيهم ممثلون عن حزبين إسلاميين، ما يعكس نفس المشاكل التي واجهت عملية صياغة
الدستور في عهد مرسي.
وأضاف كوهين قائلا إن الاستفتاء على الدستور هذا الشهر حاز على نسبة 98.1% من أصوات المشاركين، وهي أرقام تذكرنا بـ"انتخابات"صدام حسين، وفي الحقيقة فنسبة 98.1% تمثل نسبة 38.6% من المشاركين: لأن معظم المصريين إما أجبروا على التصويت خوفا (من الإخوان المسلمين) أو لشعورهم بالإحباط (جيل تويتر الذي أشعل
ثورة ميدان التحرير) أو لأنهم لم يعودوا مبالين".
ويصف الكاتب مصر بأنها تلخيص لمقولة عدم اهتمام الأمريكيين التي حاول كيري دحضها. ويقول إن "المليارات
الإماراتية والسعودية التي وضعت خلف السيسي كانت أكثر دلالة من بضع مليار من الدولارات الأمريكية أو من تدريب الضباط المصريين أو دعم الولايات المتحدة لمصر التي تمنح الحقوق المتساوية لمواطنيها بعيدا عن الجنس، الدين والعرق أو الانتماء السياسي".
ويعتقد كوهين أن الهزيمة في مصر تعتبر فشلا إستراتيجيا ذريعا للولايات المتحدة، و"طبعا مثل الخطوط الحمر التي ثبت أنها حمراء قانية في سورية، وأرسلت رسالة عن هزيمة الولايات المتحدة". ويقول إنه بات من المؤكد أن يترشح السيسي للانتخابات الرئاسية، وسيفوز بنسبة تذكرنا بنسب الماضي.
وينقل ما كتبه زميله ديفيد كيرباتريك، مراسل الصحيفة في القاهرة حول ما وصفه بداية ذكية، ولكنها مثيرة للقلق "احتفل الآلاف من المصريين بالذكرى الثالثة للثورة ضد الدكتاتورية يوم السبت، وأقاموا مظاهرة لرجل عسكري قام بالإطاحة بأول رئيس منتخب للبلد".
ويذكر في نهاية مقاله بأن محمد سلطان (26 عاما) الذي تخرج من جامعة أوهايو، والذي ينتمي والده المصري للإخوان المسلمين، واعتقل في القاهرة في آب/أغسطس، هو واحد من ضحايا ذلك الرجل العسكري، وكتب رسالة مثيرة للرئيس باراك أوباما نشرتها عائلته. وفيها يقول سلطان إنه يجلس في زنزانة أرضية مزدحمة بالسجناء الذين يتم علاج جراحهم وإجراء عمليات لهم بدون استخدام البنج.
ولا يزال سلطان ينتظر، وكذا الكثير من المصريين الذين يريدون المضي قدما نحو بناء مجتمع مفتوح وليس العودة إلى مربع السجناء السياسيين الذين لا يمكن إحصاؤهم.
وقال كوهين "كنت في القاهرة بداية كانون الثاني/يناير، وهناك عند هرم الجيزة لم أشاهد ولا حتى سائحا أجنبيا، وقررت ركوب الجمل شفقة بأصحاب الجمال ممن يتعيشون من ورائها، فصناعة السياحة التي كانت عماد الاقتصاد المصري، صارت الآن في حالة يرثى لها، وتعكس حالة مدقعة لأمة عظيمة".
وختم قائلا: "هناك الكثيرون ممن يُلقى عليهم اللوم من أوباما إلى مرسي، سيء الحظ ، إلى الإخوان المسلمين الباحثين عن السلطة، إلى الجيش الذي يريد السيطرة، ولكن فوق كل هذا ألوم الليبراليين الذين ظلوا يتشاجرون وقاتلوا للإطاحة بمبارك ولكنهم لم يمنحوا الديمقراطية فرصة".