بدت خارطة الطريق "كأستك منه فيه" و"المؤقت"
عدلي منصور يعبث فيها، فيقدم الانتخابات الرئاسية على البرلمانية، كما بدت شبيهة بلعبة "السيرك الخاصة": "على ظهرها تنور، على بطنها تنور، على جنبها تنور".
"أستك منه فيه" مقولة تقال لوصف الشيء المطاطي، ولو كان كلاماً، والذي يمكن مده، وعودته إلى حالته الطبيعية. فلا أدعي أن سالف الذكر فاجأنا بهذا التعديل الذي أجراه على "خارطة الطريق"، واسمها الرسمي "خارطة المستقبل"، وهي كاشفة عن أن الثقافة السياسية للفريق
السيسي مستمدة من متابعته لنشاط "المحروس" جمال مبارك الذي كان قد فكر في تأسيس "حزب المستقبل"، وتراجع ليؤسس "جمعية المستقبل"، ولهذا جاء السيسي في انقلابه ليعلن أنه وضع "خريطة المستقبل". وعلى الرغم من هذا، فإن حركة "تمرد" قالت إنها من وضعت هذه "الخريطة"، وإن المواطنين قد وقعوا عليها من خلال 22 مليون استمارة اتسعت لها شقة متواضعة منحت لتمرد، مع أنه بالورقة والقلم فإنها تحتاج إلى ثماني سيارات نقل ضخمة لحملها!
ما علينا، فشباب تمرد يقول إن "خريطة الطريق" اعتمدها الفريق عبد الفتاح السيسي بدون نقاش، على نحو كاشف بأنه اعتمد ما قرره الشعب
المصري، فليس ما جرى والحال كذلك انقلاباً عسكرياً!
القوم يعتقدون أن ذاكرة الناس ضعيفة، فقالوا منذ البداية إن ما اقترحه شباب تمرد وافق عليه الشعب المصري، وهو أن يكون الدكتور محمد البرادعي رئيساً للحكومة. وقد دفع العسكر بحزب النور ليرفضه فيبدو الرفض من حليف من حلفاء "ثورة 30 يونيه الباسلة". ثم إن هذه "الخريطة" تحدثت عن المصالحة الوطنية ولم تحدث، كما نصت على ميثاق للشرف الإعلامي ولم يتحقق. وقالت بأن نقطة البدء بعد الاستفتاء علي الدستور تكون بالانتخابات البرلمانية.. وها هو "المؤقت" يتدخل ويقوم بتعديل "الخارطة".
لم يكن ما أعلنه عدلي منصور مفاجأة، لأنه منذ فترة وسيادته يستقبل ممثلي الأحزاب والقوي السياسية، وغير السياسية، وما ينشر في الإعلام عن هذه الاجتماعات المغلقة هو أن هذه القوى تطالب بتقديم الانتخابات الرئاسية، ولم نعرف سبباً لهذا "المطلب الموحد" وثيق الصلة "بالزي الموحد"؛ الذي يدفع هذه القوى ما ظهر منها وما بطن إلى أن تجمع على هذا المطلب؟.. وأي متابع لا بد أن يستقر في وجدانه أن هذا للتمهيد للقرار الذي اتخذه منصور، استجابة منه لضغط الجماهير العريضة التي طالبت بالانتخابات الرئاسية أولاً، والتخلي عن نص "خريطة المستقبل".
خلال الأيام القليلة الماضية برز اتجاه لتأجيل الانتخابات الرئاسية، وتزامن هذا مع نصائح تطلب ألا يترشح السيسي رئيساً، ليظل وزيرا للدفاع. وذهبت الوفود إلى البلد الخليجي الذي تبني هذه الرؤية وجهر بها، وكان الهدف إقناع قادته بتبني فكرة السيسي رئيساً، والتدخل لدى أولياء أمر الانقلاب في الرياض وواشنطن من اجل قبول هذا الخيار الاستراتيجي!
ذهب الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل ولم يعد من هناك مجبور الخاطر، فتعامل وفق سياسة "كيد الضرائر"، وقال إن جزر الإمارات الثلاث تم التنازل عنها لإيران في السابق مقابل استقلال دولة البحرين. وسافر حمدي قنديل، ووصل الأمر إلى حد سفر مفيد فوزي!
وواضح أن الموافقة جاءت، فكان لا بد من التبكير بالانتخابات الرئاسية أولاً، ليفوز بالمنصب الفريق السيسي، قبل أن تجد في الأمور أمور. وكما قال العرب قديماً: "ويفوز باللذات كل مغامر".
المبرر الذي كان سيقال إذا تقرر البدء بالانتخابات البرلمانية هو حتى لا تتم مخالفة الدستور الذي يؤسس لذلك، فلا يجوز البدء بالانتخابات الرئاسية وهناك شرط في الدستور لمن يترشح للانتخابات الرئاسية أن يحصل على توقيعات عدد معين من النواب، كخيار من خيارين، الثاني أن يحصل على توقيعات عدد من المواطنين في خمس عشرة محافظة.
السيسي متعجل على تحقيق "مناماته" الأربعة، حيث رأى فيما يرى النائم أنه يحكم مصر. ويبدو أنه حصل على الضوء الأخضر، وعليه فقد انتصب عدلي منصور خطيباً ليقرر تعديل "خارطة الطريق" استجابة لمطلب القوى الوطنية، مع أن هذه القوى لم يتم اختيارها من قبل الموقعين على استمارة تمرد، والتي قالت تمرد إنهم 22 مليون مصري، أو الذين تظاهروا يوم 30 يونيه وقال القوم إنهم 34 مليون مصري، وكانوا قد نسبوا الحصر لجوجل ايرث، لكن جوجل نفي ما ادعوه!
سيقال إن الذين فُتح لهم ميدان التحرير ورقصوا فيه وهم يحملون صور الفريق السيسي؛ كانوا وهم في حالة الرقص متعجلين لأن يكون السيسي رئيساً، وإن العجلة كانت بادية في عيونهم.. لا بأس!
البأس الشديد في أنني لم أفهم لماذا يكون تأييد الانقلاب بالرقص الشعبي، وعلى مسرح الهواة. فدستورهم كان الرقص أمام اللجان هو الدعاية المعتمدة، وفي ميدان التحرير كانت وصلات الرقص مثيرة للغرائز، لدرجة ان هناك من ذهب ليشبع غرائزه بعمليات التحرش الجنسي!
في الصعيد، نقول على هؤلاء المقبلين على "الأفراح البلدي" أنهم "أولاد حظ". وبات مستقرا في وجداني أن جماعة الانقلاب هم "أولاد حظ"، فالتعبير عن تأييدهم لا يكون الا بهز البطون، وهناك راقصة معتمدة لدى سلطة الانقلاب تتقرب إلى القوم بالنوافل، وتهجو خصومهم على "واحدة ونصف"، وراقصة أخرى أهانت العلم المصري عندما جعلت منه "بدلة رقص". ومن الواضح ان جماعة الانقلاب لأنهم "أولاد حظ" لم يجدوا في ذلك إهانة، فتركوها دون إنزال العقاب القانوني بها.
اللافت أن "زفة" ميدان التحرير وبمناسبة الاحتفال بثورة يناير، كانت في نفس اليوم الذي كان ينبغي ان ينكس فيه العلم المصري حداداً لمقتل خمسة من ضباط الجيش في الطائرة التي تحطمت بهم في سيناء.
لا بأس فمن الواضح أن "أولاد الحظ" لا يجدون في الرقص الشرقي ما يخل بقيم وتقاليد الحداد، لذا فقد تركوا فرق الرقص تقوم بمهمتها في ميدان التحرير.
والحال كذلك، فمرحبا بالسيسي مرشحاً "على واحدة ونصف".