كتب حسين أبيش من فرقة العمل الأمريكية من أجل
فلسطين مقالا في مجلة "
فورين أفيرز" الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي عن مأساة مخيم
اليرموك تحت عنوان "بدون دولة وجوعى"، وأشار فيه لانعكاسات مأساة المخيم على محادثات السلام.
ويرى إبيش أن ما جرى في اليرموك هو كارثة من صناعة البشر والنظام السوري مسؤول عنها والقيادة في دمشق. ويقول إن العارفين بالعلاقات بين
النظام البعثي والفلسطينيين، فما يجري في اليرموك لا يثير دهشتهم. ولكن على الشعب الفلسطيني أن يستخلص الدرس الآتي من الأحداث " طالما ظلوا بدون دولة ولاجئين فلن يجدوا ملجأ آمنا لهم ولا حكومة تمثلهم، وستتواصل الممارسات الوحشية ضدهم كما حدث لهم أينما وجد الفلسطينيون أنفسهم في الشرق الأوسط بعد عام 1948".
وتحدث بداية في مقاله عن المآسي التي مرت على الشرق العربي في القرن الماضي والذي جرب كل أنواع المآسي من المذابح والقتل والحروب والإرهاب والتفجيرات واستخدام الأسلحة الكيماوية، ولم تنج دولة من دول المنطقة من هذا فمن العراق لسوريا إلى فلسطين ولبنان جربت الشعوب كل ألوان المعاناة. والسلاح الذي غاب عن المنطقة هو "التجويع المبرمج" – أي منع دخول الطعام للمواطنين الذين يعانون وعلى قاعدة واسعة. وهذا ما يجعل الوضع في مخيم اليرموك قرب العاصمة دمشق، حيث يعيش أكثر من 18.000 نسمة مدعاة للرعب والهلع.
فالفلسطينيون الذين حوصروا هناك لم يكن أمامهم فرصة للتخفيف عن بؤسهم، ولم تنجح محاولات الأمم المتحدة ولا منظمات الإغاثة الدولية للدخول حيث عوقت جهودها الميليشيات التابعة للنظام. ودعا الكاتب القيادة الفلسطينية والشعب للتعامل مع ما يجري في اليرموك، يؤثر بطريقة مباشرة ويترك تداعيات عاجلة على المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية.
النظام البعثي وفلسطين
وكتب إبيش أن كل دولة عربية حاولت في وقت من الأوقات التلاعب بالقضية الفلسطينية لتخدم أهدافها. لكن عائلة الأسد ونظام البعث في
سوريا كانا معاديين بشكل استثنائي للحركة الوطنية الفلسطينية الرسمية. وأظهر النظام مرة بعد أخرى أن التزامه بالقضية الفلسطينية لم يكن سوى غطاء لمصالحه. فلم يقبل النظام فكرة فلسطين ولبنان ككيانين منفصلين عن سوريا الكبرى الذي لا يزال يطمح بتحقيقها. ولهذا عمل النظام وبشكل متواصل على التأكد من إبقاء الفلسطينيين في حالة تبعية تامة لأيديولوجيته ومصالحه.
وأضاف الكاتب أن النظام السوري لم يتورع عن استخدام القوة ضد الفلسطينيين لإبقائهم تحت سيطرته. وذكّر بالحروب التي شنها النظام ضد الفلسطينيين في لبنان في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، خاصة في حصار القوات السورية لتل الزعتر فما حدث هناك يشبه ما يجري اليوم في اليرموك.
ويقول إبيش إن النظام يقدم نفسه على أنه درع "للمقاومة" ضد إسرائيل لكن نظام البعث تجنب دائما المواجهة معها مباشرة، حتى عندما تستفزه. فقد عانت سوريا من هجمات إسرائيل المتكررة بدون رد من النظام ولا حتى شكوى. وعندما يقرر النظام مواجهة إسرائيل ففي الغالب من خلال جماعات وكيلة وعلى حساب الآخرين، كما في لبنان وفلسطين.
مجزرة في الجولان
ويرى إبيش أن الأعمال الوحشية هي آخر مثال عن محاولات النظام التلاعب بالقضية الفلسطينية. ففي بداية الإنتفاضة، كانت واحدة من مناورات النظام حرف انتباه الرأي العام من خلال التلاعب بالقضية الفلسطينية.
ففي 6 حزيران/ يونيو 2011 وفي ذكرى النكسة، قام بشار الأسد بنقل مئات الفلسطينيين معظمهم من مخيم اليرموك إلى المنطقة المنزوعة السلاح في مرتفعات الجولان. وتم تشجيعهم وهم العزل من السلاح على مواجهة قوات الإحتلال الإسرائيلية والتي قامت كما هو متوقع بفتح النار على المحتجين وقتلت 23 منهم. وكان هذا مثال عن برودة الدم ومسرح سياسي في التلاعب بحياة الناس. وعندما احتج الناس على القتلى وعبروا عن غضبهم على النظام وعلى إسرائيل قامت عناصر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة المتعاونة مع النظام بفتح النار وقتلت 14 شخصا وجرحت 43 أخرين.
الحصار والتجويع
ومع تصاعد الحرب السورية تزايدت معها معاناة اليرموك، فقد قامت مروحيات النظام بقصف متكرر للمخيم، وأطلق الجيش الصواريخ وأرسل على السكان البراميل المتفجرة. ومع دخول المقاتلين في كانون الأول/ ديسمبر المخيم أصبح الوضع أكثر سوءا. وتحول اليرموك إلى مسرح لمواجهات مستمرة، وتعرض لحصار طويل وتم منع وتعطيل الجهود لتوزيع المواد الغذائية.
وأدى هذا الوضع لتناقص عدد سكانه إلى العشر، حيث كان يقيم فيه 200.000 فكل من كان باستطاعته الهروب هرب. ومن بقي في المخيم كانوا من المرضى والفقراء وهؤلاء تعرضوا للموت البطيء. وبحسب أرقام المرصد السوري لحقوق الإنسان مات منذ تشرين الأول/اكتوبر ما لا يقل عن 100 شخص من الجوع. وعندما وصلت مفوضية الأمم المتحدة للمخيم عبر مسؤول وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فيليبو غراندي عن صدمته من رؤية ألالاف الذي خرجوا "كالأشباح".
وحمّل الكاتب الحكومة السورية المسؤولية عن الوضع، ومن يحاولون القاء اللوم على المقاتلين يخادعون أنفسهم، مشيرا إلى ان البوابة الشمالية للمخيم ظلت تحت سيطرة النظام الذي ظل يرفض دخول المواد إلا عبر المنطقة الجنوبية والتي كانت خطيرة وساحة حرب. ومع أن الحكومة تنفي استخدام التجويع كسلاح لكن قادة الجيش البارزين على الأرض اعترفوا أكثر من مرة أنهم يريدون تجويع الأعداء في اليرموك، بمن فيهم المدنيين والمقاتلين.
دولة تحتاج تنازلات
وفي نهاية مقاله يشير إلى معارضة الكثير من الجماعات المؤيدة للفلسطينيين حل الدولتين لانه سيؤدي للتنازل عن حق العودة للفلسطينيين لمدنهم وقراهم التي خرجوا منها. لكن إسرائيل كما يقول لن تسمح بعودة أعداد كبيرة خشية أن لا يؤثر على الطابع الديمغرافي لها، ولا يوجد لدى الفلسطينيين ما يدفع إسرائيل لفعل هذا، وترفض الطبقة السياسية في إسرائيل هذا الأمر.
وحيال هذا فدولة فلسطينية مستقلة بدون أن تحقق حق العودة يمكن أن توفر الحماية للفلسطينيين الذين يعانون منذ زمن، وحتى لا يتعرضوا لمجازر وحصار وأعمال وحشية. وسيكون الفلسطيني في النهاية مواطنا في دولته ولن يظل يعيش تحت رحمة الأخرين الذين ينتقمون منه بدون رحمة.
والكاتب وإن حلل إسرائيل من مسؤولية ما يجري في اليرموك، لعدم انخراطها في الحرب وكذا لا يحمل منظمة التحرير الفلسطينية المسؤولية نظرا لعدم توفر الإمكانيات والنفوذ لدى النظام؛ لكن اليرموك كما يقول "تذكير قاس للفلسطينيين والقيادة بالحاجة لتحقيق دولة مستقلة عبر تحقيق سلام مع إسرائيل، رغم ما يقتضيه الأمر من تنازلات مؤلمة ومن كلا الطرفين، وعلى الفلسطينيين النظر لسوريا على أنها دراما أخرى عن الموت والحياة، وعلامة أخرى تدعوهم للإتحاد والحشد كي يحصلوا على دولتهم الفلسطينية، وحتى يحصلوا عليها فالفلسطينيون في الشرق الأوسط سيظلون عرضة لوقوعهم في يرموك أخرى".