حتى يومنا هذا لم يرفع الستار عن كل أسرار نكبة عام 1948م ولكن وقائع
النكبة تشير إلى أن مؤامرة استهدفت طرد
الفلسطينيين من بلادهم وتسليمها للصهاينة.
والنكبة هي تطبيق لفلسفة عنصرية أوجدتها الفلسفة الصهيونية المعاصرة التي رفعت فيه شعار نريد أرضا بلا شعب لشعب بلا وطن.
وعلى ضوء هذه الفلسفة العنصرية تمت إباده شعب كامل كان له وطن، وكان له قرى دمرت وتم تدمير قرابة 500 مدينة وقرية فلسطينية، وعشرات الآلاف من القتلي.
تشير الوثائق المتوفرة إلى ان هناك سبع دول عربية ساهمت بشكل أو بآخر في صنع نكبة 1948، عسكرياً أو سياسياً أو بالنهجين.
في شهر أيار/ أبريل 1948، وهو الشهر الذي شهد سقوط فلسطين، يمكن الإشارة إليها بالإصبع وكما يقول المؤرخ الفلسطيني وليد الخالدي هي ما بين السادس والحادي عشر منه، فما بين هذين اليومين سالت دماء عبد القادر الحسيني، على صخور القسطل وكانت جثث النساء والأطفال تلقى في آبار دير ياسين مما أدى إلى انهيار مقاومة عرب فلسطين، فما جاء آخر هذا الشهر حتى كانت قد سقطت طبريا وحيفا ويافا والقدس!!
خرج عشرات الآلاف عام 1948 ولم يعودوا حتى الآن بانتظار جيش الإنقاذ العربي الذي قال للناس إنكم ستعودون بعد أيام.
عبد الله التل ضابط أردني خدم في الجيش إبان النكبة، وهو شاهد عيان على ما جرى، حيث كان مسؤولا عن فيلق القدس.
التل أصدر كتابا تناول فيه تلك الحقبة تحت عنوان "مذكرات عبد الله التل"، أكد فيه أنه أتيح للجيوش العربية أن تقضي على المشروع الصهيوني أكثر من 6 مرات، وفي كل مرة وفجأة تعلن الهدنة، فيستعيد الصهاينة قوتهم وسلاحهم ،واشتهر عن بن جوريون مقولته التي تقول "اصبروا ساعات وستحدث المعجزة".
في المواجهة مع الصهاينة كانت بعض القوات العربية تبدع في القتال وتبرز مواقفها الشجاعة، حدث ذلك في اللد وصفد، لكن هذه المجموعات كانت تأتيها فجأة أوامر عليا لإعطائهم إجازات وهو ما أدى إلى سقوط اللد وصفد.
سقوط حيفا مثلا كان بمؤامرة من الانتداب البريطاني؛ إذ أعلنت قوات الانتداب أنها ستنسحب من في أول شهر مايو لكنها اتفقت مع الصهاينة على تسلميهم المدينة في أول شهر أبريل وهو ما مثل مفاجأة للأهالي والمقاتلين.
تحركت جامعة الدول العربية وعقدت مؤتمراً في بلودان- سوريا، وآخر في عالية- لبنان، وقررت أن تسارع في تشكيل جيش أسمته جيش الإنقاذ ليقاتل في فلسطين، وريثما يتم جلاء الإنجليز عنها في 15 أيار/ مايو 1948 وبعدها تدخل الجيوش العربية فلسطين وتحررها من اليهود.
عبر جيش الإنقاذ الحدود منذ شهر يناير 1948م وهاجم بعض المستوطنات الصهيونية رغم أن جيش الإنقاذ كان مرتجلاً وعدده صغير فقد ارتاب الفلسطينيون في أمر جيش الإنقاذ منذ البداية، يوم اكتفى أديب الشيشكلي قائد منطقة الجليل بإرسال ثمانين جندياً إلى مدينة عكا المحاطة بالمستعمرات الصهيونية والأغرب من ذلك أن الشيشكلي قد سحب هؤلاء الثمانين في 11 أيار/ مايو 1948م.
فتوجهوا إلى بنت جبيل وقابلوا ضابطاً كبيراً في جيش الإنقاذ وألحوا عليه بوجوب إرسال الجنود إلى عكا فأرسل القائد خمسين جندياً إلى عكا، ولكن هؤلاء الجنود الخمسين غادروا المدينة بعد ليلتين فقط من وصولهم إليها ولم يشتركوا بأي قتال على الإطلاق.
كان سقوط يافا وحيفا وصفد وطبريا ونيسان تم بالطريقة نفسها، ففي صفد بينما كان النصر يوشك أن يتحقق لصالح العرب وقد أخذ اليهود بالانسحاب من حيهم الخاص مع عائلاتهم في 7 أيار/ مايو 1948م، أخذ الجيش الأردني بمغادرة المدينة على نحو مفاجئ كما أن الشيشكلي أصدر أمراً بانسحاب جيش الإنقاذ من قلعة صفد دون أن يتعرض لأي هجوم من قبل الصهاينة في الوقت الذي لم يعرف اليهود أمر هذا الانسحاب إلا بعد يومين وقد صرح القائد الأردني أنه انسحب من صفد بناءاً على أوامر غلوب باشا قائد الجيش الاردني آنذاك.
هاجم اليهود حي المنشية وارتكبوا فيه مجزرة مروعة فانسحب جيش الإنقاذ وراح ينصح الناس بمغادرة يافا وقد خسر العرب في يافا سبعة آلاف وسبعمائة إصابة بين قتيل وجريح.
أدركت القيادة الفلسطينية خطورة الموقف فتوجه عبد القادر الحسيني إلى دمشق وهناك طلب من مكتب الجامعة العربية أسلحة وذخائر فقدم له عشرين بندقية أخذها وذهب إلى قطنا غرب دمشق ليشهد ضباط جيش الإنقاذ وهم من جنسيات عربية مختلفة على ما قدمته الجامعة العربية للفلسطينيين وكان قبل ذلك قد صرخ في وجوه المسؤولين في المكتب بأنهم خونة متفقون مع الصهيونية والإنجليز على تسليم فلسطين.
وعاد عبد القادر الحسيني إلى القسطل وقاتل وسقط شهيدا على أرض القسطل وهناك رسالة بخط يده تُحمِّل المسؤولية للقادة العرب والجامعة العربية على عدم تسليح الشعب الفلسطيني.
وجاء الآن دور الجيوش العربية التي أخذت بالتدفق على فلسطين ابتداءً من 15 أيار/ مايو 1948 وكان الإنجليز قد أسسوا ثلاثة جيوش عربية ممتازة في العقد الرابع والخامس من القرن العشرين وقد أعدوا هذه الجيوش بحيث تتمكن من مجابهة الألمان فيما لو نزلوا في مصر أو الهلال الخصيب أما الجيوش الثلاثة الممتازة فهي المصري والعراقي والاردني.
والغريب في الأمر أن العرب بعد دخول جيوشهم إلى فلسطين بأسبوع واحد أعلنوا عن استعدادهم لوقف إطلاق النار بناء على طلب مجلس الأمن الدولي مع أن الجيوش الثلاثة قد أحاطت بتل أبيب إحاطة السوار بالمعصم.
وعلى ذلك تم توقيع اتفاقية الهدنة مع الصهاينة وأصبحت الهدنة سارية المفعول ابتداء من 11 حزيران/ يونيو 1948م.