تجاهل
حماس للتهديدات الإسرائيلية التي أعقبت عملية اختطاف مستوطنيها الثلاثة في منطقة غوش عتصيون، أثار الغضب الجم لدى القادة الإسرائيليين، وزاد بكثير عن الغضب الناتج عن عملية الاختطاف ذاتها، فبعد أربعة أيام من عمليات البحث المكثفة وبكافة الوسائل والإمكانات، لتحديد موقع المخطوفين الثلاثة والتي لم تسفر عن أيّة فائدة، أعلنت إسرائيل على لسان قائد الأركان "بيني غانتز" بأنها بصدد توجيه ضربة كبرى للبنية التحتية لتنظم حركة حماس، والعمل على إفشاله من الاستمرار على الساحة الفلسطينية، وسواء كحركة مقاومة أو كشريك في السلطة والحكم، وكانت إسرائيل بناءً على تكهّنات مختلفة، باتخاذ إجراءات عنيفة ضد الحركة، حيث بدأت بشن حملة اعتقالات واسعة في صفوفها طالت أكثر من 200 من قياديين ونواب ومتعاطفين، والتي ترافقت مع شن هجمات صاروخية ضد مواقع تابعة لها في مناطق متفرقة من القطاع.
إسرائيل لم تتوقف عند هذا الحد، بل وجدت فرصة كبيرة وسانحة جداً في استثمار عملية الخطف، وقد ضمنت نتائج إيجابية ومهمّة، من قِبلِ من كانت ترجوهم طيلة السنوات الفائتة، بأن ينصتوا إليها ولم ينصتوا حتى من أشد حلفائها الولايات المتحدة حينما أهملت النظر إلى الكثير من الادعاءات والتخوفات الإسرائيلية وسواء المتعلقة بالقنبلة النووية الإيرانية وعدم موافقتها باللجوء إلى الخيار العسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية، أو في شأن إبراز شكوكها في الاتفاق الإيراني مع مجموعة الدول 5+1، أو في شأن ضرورة مباركة العمليات الاستيطانية كونها تقوم على أرض إسرائيل التاريخية أو في شأن السفينة الإيرانية التي تحمل السلاح لصالح حركة الجهاد الإسلامي كما يُعتقد في إسرائيل، كما بُح الصوت الإسرائيلي وتوقف لسانه عن الحركة من جملة الطلبات والتكرار بها، في شأن عدم دعمهم لحكومة الوحدة التي تضم حماس كونها حركة إرهابية وتدعو إلى تدمير إسرائيل، حيث بادرت الولايات المتحدة إلى الإعلان عن استمرارها العمل مع الحكومة الوطنية بمبرر أنها لا تضم وزراء لحماس، وفعلت نفس الشيء مجموعة دول الاتحاد الأوروبي أيضاً، كل هذه الأمور أنقصت المزيد من شأن الحجج الإسرائيلية، وأصبحت بلا وزن أو تأثير يُذكر.
الآن وبناءً على عملية فقدانها أفرادها الثلاثة، رأت بأم عينيها، الآذان كافة تعود مشنّفة باتجاهها وما عليها إلاّ أن تأمر فقط. فقد برزت واشنطن من على التلة، لتسارع إلى مد يد العون والمؤازرة، وبإعلانها عن ضرورة إرجاع المفقودين إلى ديارهم بسلام، عن أن لإسرائيل كامل الحق في ممارسة أيّة أعمال ضد فلسطينيين في سبيل استعادة أولادها. وأقدمت على نفس الشيء مفوضة السياسة الخارجية للدول الأوروبية "كاثرين آشتون". ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ذهبت واشنطن بالاسترسال في إبراز كمية كبيرة من الأدلة توحي بأن حماس هي الجهة الخاطفة، الأمر الذي يبرر للإسرائيليين صدق أقوالهم الفائتة، بأنه لا يجب دعم
حكومة الوحدة التي تضم حماس.
لا يجب علينا إنكار بأن إسرائيل قد حققت ربحاً في هذا الشأن، ولكن لعدالة القضية الفلسطينية بشكلٍ عام والأسرى على وجه الخصوص، يتوجب علينا نحن الفلسطينيين تحمّل الأقسى في هذه المرحلة لضمان الربح الآني والمستقبلي أيضاً، لكن يجب علينا التخوّف وبشدة، إذا ما كانت هناك نوايا باتجاه إسقاط حكومة الوحدة ووأدها قبل أن تقف على رجليها، سيما وأن هناك دلائل تؤكد ومنذ البداية، بأن لا ثقة متبادلة بين الحركتين (
فتح وحماس)، وبالحتم زادت الفجوة وتباعدت الخطوات فيما بينهما ونشأت أزمة حادة بسبب عملية الخطف هذه، وستكون الحكومة في عِداد المجهول إذا ما قادت التكهنات إلى حماس، وسواء كانت كجهة فاعلة أو لها يد على الأقل. وكانت السلطة في رام الله قد قامت بالتهديد، بمواجهة حماس بجدّيّة وإعادة العمل بشأن مكافحة البنية التحتية للإرهاب، بسبب أنه لا يؤثر فقط على إسرائيل ولكن أيضاً على السلطة الفلسطينية. وقدّمت في هذا الصدد إشارات للقيام بدراسة اتخاذ إجراءات ضد منظمات وجمعيات وأصول تابعة لحماس في أنحاء الضفة الغربية، في حال قدّمت إسرائيل أدلة كافية ومقنعة في هذا الصدد، باعتبار أن التفاهمات مع حماس التي سمحت بتشكيل حكومة الوحدة، كانت على أساس التزام حماس بعدم استخدام العنف والإرهاب ضد إسرائيليين، وإذا ما تم إثبات قيامها أو بالشراكة فقد وقع عليها القول بخيانة التزامها، والمصالحة التي ادّعتها، إنما هي لذر الرمل في العيون وحسب.
وعلى الرغم من مداومة حماس إلى نفي صلتها أو علمها بتنفيذ عملية الخطف، إلاّ أن التوترات بين الحركتين بدأت بالفعل، وذلك في أعقاب قيام السلطة بإعطاء تعليمات لقوات الأمن الفلسطينية لزيادة التعاون الأمني مع قوات الأمن الإسرائيلية، للمساعدة في تحديد مكان المختطفين، ما أثار غضب حماس باعتبار مواصلة عمليات التنسيق الأمني يعمل على ضرب المصالح الفلسطينية، وقد تنسف اتفاق المصالحة وبحكومة الوحدة.
كانت إسرائيل قد أوضحت، بأنها تتوقع وتأمل من أن الضغط الدولي سيقنع "أبومازن" بالتخلي عن الشراكة مع حماس. وكان تحدث "نتانياهو" معه حتى قبل إثبات ضلوعها في الخطف، بشأن ضرورة فهم الآثار المترتبة على الشراكة معها – بسبب أنها سيئة بالنسبة لإسرائيل، وسيئة أيضاً بالنسبة للفلسطينيين، للمنطقة بأسرها .
في الوقت الراهن ما زال الكل هنا وهناك، غرباً وشرقاً بالانتظار، وتحديداً إلى حين التأكّد من أن لحماس ضلعاً في تنفيذ عملية الخطف ليقوم الكل بهدم ما لديه باتجاهها، وأقلّها بالنسبة إلى الإسرائيليين، سيكون بزيادة التضييق عليها بالاعتقال والاغتيال والنفي- وربما بالعدوان-، وبالنسبة إلى الغرب والولايات المتحدة سيتوضح في عدم نسخها من قائمة الإرهاب وعدم العودة إلى قبولها كشريك فلسطيني ضمن أيّة حكومة آتية، وأمّا بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية، فسيتحقق لجوئها إلى تفريق حكومة الوحدة ووقف عملية المصالحة، وإن كان يعني ذلك صراحة، العودة إلى الصراع الفلسطيني- الفلسطيني مجدداً، وهو أكثر ما نخاف.