بعد أسابيع من تكرار قادة
الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة
السورية؛ الحديث عن الوعود "الجدية" من قبل القوى الدولية لتقديم "
السلاح النوعي" للثوار السوريين، يبدو أن هؤلاء القادة يعيدون حساباتهم مع إعلان الرئيس الأمريكي باراك
أوباما أن الاعتقاد بوجود معارضة سورية معتدلة قادرة على هزيمة نظام بشار
الأسد "غير واقعي".
وعلق رئيس الائتلاف أحمد الجربا، الذي تصدر المروجين للوعود بالتسليح بعد لقاءات عقدها في واشنطن ولندن وباريس الشهر الماضي، بأن تصريحات أوباما "تضع الثوار أمام تحد جديد، وتؤكد أنّ عليهم وعلى الائتلاف أن ينظموا صفوفهم بشكل أكبر ومكثف"، حسب ما نقل المكتب الإعلامي للائتلاف عن الجربا خلال لقائه بقادة عسكريين من الجيش السوري الحر.
لكن الجربا لم يوضح البدائل العملية لمواجهة "التحديات الجديدة" وما إذا كان ذلك يعني أيضا التخلي عن الآمال بالحصول على أسلحة يمكن من خلالها الضغط عسكريا على نظام الأسد.
وكان أوباما قد قال الأحد الماضي إنه لا توجد معارضة معتدلة داخل سورية قادرة على هزيمة بشار الأسد، وذلك في مقابلة تلفزيونية مع شبكة "سي بي إس" الأمريكية. وقال الرئيس الأمريكي إن إدارته "استهلكت وقتا كبيرا في العمل مع المعارضة السورية المعتدلة"، مضيفا: "الحديث عن معارضة معتدلة قادرة على هزيمة الأسد غير واقعي وخيال سياسي لا يمكن تحقيقه"، ووصفه بأنه "فانتازيا"، بحسب تعبيره.
وسبق أن أعلنت الإدارة الأمريكي رفضها تقديم مضادات جوية للحدث من الآثار المدمرة لطيران النظام السوري على المناطق المدنية. ورغم ذلك، قالت الإدارة الأمريكية في وقت سابق إنها تقدم "أسلحة قاتلة وغير قاتلة"، وهو ما اعتبر حينها تغيرا في السياسة الأمريكية التي كانت تحصر الدعم في الأسلحة "غير القاتلة".
لكن يبدو أن تصريحات أوباما جاءت لتقضي على آمال قادة الائتلاف في تحقيق نصر دبلوماسي بإقناع الإدارة الأمريكية بتغيير سياستها السابقة.
كما اعتبر مراقبون أن تصريحات أوباما جاءت ردا على ما أدلت به وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون التي قالت إن الرئيس رفض توصياتها، إضافة إلى توصيات من وزير الدفاع ومدير المخابرات المركزية، حول
تسليح المعارضة السورية قبل ازدياد نفوذ فصائل مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" في سورية.
واعتبر المتحدث باسم الائتلاف لؤي صافي تصريحات أوباما "موقفا سلبيا"، معبرا عن أسفه "لعدم توفير الدعم الدولي للمعارضة السورية في وجه عدوان سافر ووحشي لنظام الأسد".
ورأى صافي أن تصريحات أوباما "تأتي للتغطية على عجز إدارته عن منع تدهور الوضع السياسي والإنساني في المشرق العربي، والتهرب من النقد المتزايد داخل أروقة السياسة في واشنطن والعواصم الغربية والعربية".
وأضاف: "لذا لا بد للشعب وكافة أطياف المعارضة السياسية الاعتماد على قواها الذاتية، وعدم التعويل على تقلبات الخارج، والتسليم بأنه لا يمكن الانتصار إلا برصّ الصفوف وإعادة ترتيب الأولويات. عندها نستطيع أن نرسم الخيال السياسي الذي تكلّم أوباما عن استحالته في الواقع السوري".
من جهته، انتقد الكاتب والقيادي الإخواني زهير سالم طريقة تعامل قادة الائتلاف مع التصريحات الأمريكية، معتبرا أن قول الجربا أن تصريحات أوباما "تفرض علينا تحديات" يعني "أيها السوريون اخرجوا من جلودكم، وتنازلوا عن مشروعكم واجعلوا إرضاء أوباما نصب أعينكم وتشكلوا من جديد حسب المقاييس والمعايير الأمريكية" حسب تقدير سالم.
وتابع سالم انتقاده لقادة الائتلاف قائلا: "تجدون من الصعب أن تجدوا بديلا عنهم (أوباما وفريقه) لذا سيكون أول امرنا أن نجد بديلا عنكم. لا كنتم ولا كان من رضي بكم".
وكان أربعة من قادة الجبهات (من أصل خمسة) وخمسة من قادة المجالس العسكرية في الجيش السوري الحر؛ قد تقدموا باستقالاتهم هذا الشهر، احتجاجا على تجاوزهم من قبل الأطراف الداعمة، حيث قامت هذه الأطراف بإرسال دعمها لفصائل بعينها، لا سيما في الجبهة الجنوبية التي لم يستقل قادتها، دون المرور بقيادة الأركان أو المجالس العسكرية.
وحذر رئيس الأركان اللواء عبد الإله البشير من أن هذه الطريقة في توزيع الدعم ستخلق زعماء حرب على الطريقة الصومالية والأفغانية.
وعلى الأثر، عقد الجربا اجتماعا مع القادة المستقيلين، متعهدا بأن لا يتم تجاوزهم. كما تعهد في الآن ذاته أن يكون
الجيش الحر وقادته نواة للجيش الوطني الذي أعلن عن السعي لتشكيله.
لكن التقديرات تشير إلى أن الجيش الوطني الذي يجري الحديث عنه لن يكون سوى مجموعة صغيرة إلى جانب الفصائل الموجودة حاليا، والتي يغلب عليها الطابع الإسلامي. لكن يُتوقع أن يتلقى المشاركون في هذا الجيش تدريبا متقدما يشبه التدريب الذي تلقته المجموعات التي تقاتل في الجنوب واستطاعت تحقيق تقدم كبير لا سيما في ريف درعا الغربي بعد السيطرة على التلال الاستراتيجية القريبة من بلدة نوى.
ومع تفجر الأوضاع في العراق، والتركيز على تنظيم "داعش" بزعم أنه هو من المسؤول عن العمليات العسكرية ضد قوات رئيس الوزراء نوري المالكي دون الإشارة إلى قوات العشائر السنية الغاضبة من سياسات المالكي، عمد النظام السوري إلى قصف مواقع لـ"داعش" في الرقة وقرب الحدود العراقية، للمرة الأولى منذ سيطرة هذا التنظيم على الرقة ومناطق أخرى في سورية. يأتي القصف في محاولة - على ما يبدو - لإرسال إشارة إلى الأمريكيين بأن النظام السوري يحارب معهم في صف واحد ضد التنظيم. وهذا بالتأكيد سيكون مؤشرا آخر على مدى حرص الأمريكيين على إسقاط نظام الأسد، وهو بلا شك سيكون عاملا آخر ليشعر قادة الائتلاف بأن "السلاح النوعي" الذي سيقلب المعادلة في سورية سيأتي ولكن ليس إليه، وإنما إلى نوري المالكي، حليف بشار الأسد.