مشوهة هى ذاكرة
المصريين عبر التاريخ بكم من الأكاذيب والافتراءات بهدف تضخيم الذات وإلباسها ثوب البطولة الوهمية والنرجسية الممجوجة، وتلبيس الحق بالباطل لخدمة أهداف سياسية قذرة تتعمد السلطة ترويجها عبر آلة إعلامية وصحفية مأجورة، لا يرقبون فى الأمة إلا ولا ذمة مستندين على حقيقة سلبية وهى النسيان عند غالبية الناس، ولأن ذاكرة العوام ثلاثة أيام كما قال المؤرخ الكبير عبد الرحمن الجبرتى فإنّ صناعة الكذب وترويج الوهم صار بلا سقف.
دأب إعلام العسكر منذ عشرات السنين على ترويج فرية كبرى وأكذوبة خبيثة مفادها أننا (أى الجيش المصرى) ضحى بالغالى والنفيس من أجل
فلسطين والقضية الفلسطينية منذ العام 1948 ومروراً بعدوان 1956 وهزيمة 1967 وحتى نصر العاشر من رمضان السادس من أكتوبر 1973، وللأسف الشديد قام هذا الإعلام بترسيخ معلومة رخيصة فى العقل الجمعى غاية فى الخسة والوضاعة تلوكها ألسن العوام والدهماء وتتناولها وتتناقلها النخبة العلمانية، وهى أن الفلسطينيين خونة وهم من باعوا أراضيهم وقضيتهم وهم (أى الفلسطينيين) خونة وعملاء بالفطرة حتى تكون ذريعة تسوغ بيع القضية الفلسطينية برمتها، وبالتالى تبرير أى عدوان صهيونى إسرائيلى على الفلسطينيين ونزع أى تعاطف من القلوب تجاه إراقة دماء إخواننا فى الدين والعروبة، على أساس أنهم خونة وعملاء لا يستحقون مجرد التعاطف، وبهذا تكتمل الخطة الجهنمية الشيطانية بفصل الجسد العربى عن الروح الإسلامية وحق الأخوة والجوار، وبالتالى التنصل من أى واجب دينى أو أخلاقى تجاه الأشقاء.
عندما قررت جيوش الأنظمة العربية الحاكمة دخول أراضى فلسطين عام 1948 لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ومنع قيام دولة القردة والخنازير رضوخاً لنداءات الشعوب العربية والإسلامية النابضة بمشاعر أخوة الدين والنخوة، فكانت مصر الملكية جزءاً من تحالف عربى من 6 دول (مصر – الأردن – السعودية – العراق – سوريا – لبنان) فضلاً عن المتطوعين العرب والفصائل الفلسطينية المختلفة، إذن لسنا وحدنا فى المشهد كى نمن على إخواننا بالنجدة رغم خيانة وتواطؤ بعض الحكام والأنظمة والانقسام الحاد بين المعسكر الفلسطينى والعربى بسبب تضارب المصالح وانعدام الثقة إلى حد العداوة المعلنة بينهما وبين العرب أنفسهم وقد لخص المؤرخ الاسرائيلى، بابي، هذا الوضع فى بضع كلمات قائلاً: ليس من المثير للاهتمام على الإطلاق التركيز على التفاصيل الدقيقة لخلافاتهم، ولكن لم يكن باستطاعتهم القيام بشىءٍ يذكر لإنقاذ الفلسطينيين من الكارثة التى سيسوقهم إليها غرور السياسيين الذى يقابله عدم كفاءة الجنرالات.
كيف دافعت مصر عن فلسطين أثناء العدوان الثلاثى على الأولى فى أكتوبر من العام 1956 إثر قيام جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس فى 26 يوليو من العام نفسه ومسرح المعركة والعدوان كان على الأراضى المصرية ولم تكن فلسطين طرفاً فيها؟! وهل فى دفاعنا كمصريين عن أراضينا فى قناة السويس وسيناء انتصار للقضية الفلسطينية وفداء لفلسطين كما يروج إعلام الجنرالات، أم
دفاع عن أراضينا وكرامتنا ومصالحنا بالأساس؟! فأين موقع فلسطين من الإعراب؟! ولماذا يتم الزج بالقضية الفلسطينية فى غير محلها للتجارة بالقضية الفلسطينية وبدماء الشعب الفلسطينى على نحوٍ رخيص؟!، حيث لم نجيش الجيوش ونعلن التعبئة العامة والنفير العام للجهاد ضد العدو نصرةً لفلسطين بل كانت معركةً فُرضت عليناً ولم نسعَ إليها دفاعاً عن أنفسنا أولاً وأخيراً.
أما هزيمة أو نكسة 5 يونيو 1967 فكانت أيضاً معركة دفاع عن أنفسنا أولاً ولم تكن هبّةً نبيلة دفاعاً عن القضية الفلسطينية لاسيما بعد تهديد جمال عبد الناصر الحنجورى لإسرائيل باعلان الحرب عليها إذا ما بدأت القوات الصهيونية بالهجوم على سوريا! ، فأين فلسطين من المعادلة؟! وهل نشبت المعركة خصيصاً لنصرة الشعب الفلسطينى؟! قطعاً لا، فكانت النتيجة الكارثية أننا حاربنا بالحناجر والشعارات الناصرية الرنانة الخاوية وهُزمنا شر هزيمة على الأرض قبل أنا نحارب وخسرنا سيناء والقدس والضفة الغربية وغزة وهضبة الجولان السورية فى 6 ساعات نتيجة لانتهاج الكذب والخداع كسياسة للحكم العسكرى.
وعندما وفقنا الله تعالى للثأر لكرامتنا المهدرة فى 67 وعندما أُتيح للجندى المصرى فرصة الدفاع عن عرضه وكرامته أبلى بلاءً حسناً بالتخطيط والأخذ بالأسباب بعيداً عن الشعارات الحنجورية الواهية، كان النصر حليفنا فى العاشر من رمضان السادس من أكتوبر 1973دفاعاً أولاً وأخيراً عن أنفسنا واسترداداً لأراضينا التى احتلت فى يونيو 67، حتى الجيش السورى شريكنا فى المعركة خذلناه ( ونقصد هنا القيادة السياسية للرئيس السادات) بعد أقل من 3 أيام من بدء الحرب! ، فأين القضية الفلسطينية التى تتاجر بها سلطة العسكر وكهنته من الإعلام المتصهين والذى ضُبط متلبساً بالصوت والصورة خائناً لدينه وأمته فى تأييده ومباركته للعدوان الصهيونى على اخواننا فى قطاع غزة سواء بالصمت أو التأييد المعلن على ألسنة البعض منهم، فعندما يعلن لواء وخبير عسكرى سابق فى جيشنا المصرى أنه يفضل احتلال إسرائيل لقطاع غزة عن (حماس) الإرهابية فهذا فى مصلحة المصريين والفلسطينيين من وجهة نظره! ، وعندما تؤيد نائبة رئيس تحرير الأهرام نتانياهو فى حربه ضد إخواننا فى غزة وتقول له صراحة وبكل تبجح ووقاحة: "كتر خيرك يا نتانياهو، ربنا يكتر من أمثالك للقضاء على حماس"، فهذا من دلائل العمالة الصريحة للعدو وخيانة العهد والدين والأخوة، لنظام انقلابى وذراعه الإعلامية ليدرك من كان فى قلبه ذرة شك أن ما حدث فى 30 يونيو 2013 كان ثورة ضد الظلم والفساد بل كانت بمثابة ثورة مضادة مكتملة الأركان استهدفت دين الأمة وثوابتها الوطنية وآمالها فى الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الإجتماعية.