هي هدنة لمدة ثلاثة أيام، ولا تعني بالضرورة نهاية العدوان على قطاع
غزة، ولكن انسحاب جيش العدو الكامل تقريبا من المناطق المحدودة التي دخلها يشير إلى نهاية حقيقية للعدوان.
بوسع نتنياهو والناطقين العسكريين والسياسيين الصهاينة أن يتحدثوا عن استكمال أهداف العملية العسكرية، لكن الحقيقة أن نهاية العدوان كانت انتصارا مؤزرا للمقاومة رغم العدد الكبير من الضحايا في أوساط المدنيين، وكذلك المقاتلين أيضا، وإن لم تتحدث عنهم
حماس لأسباب أمنية ومعنوية.
لا مجال لمقارنة عاشر أقوى جيش في العالم، والأقوى في منطقة الشرق الأوسط بقوة مقاومة في قطاع لا تتجاوز مساحته 360 كيلو مترا مربعا، وهو محاصر من البر والبحر والجو، فيما المنفذ البري الوحيد له على العالم الخارجي، والذي لا يخضع لسلطات الاحتلال، يخضع لسلطة لا تقل عداءً عن سلطات الاحتلال.
لكن إرادة الإيمان والصمود والبطولة كانت حاضرة بقوة، وهي التي كسرت ميزان القوى، وجعلت قادة الاحتلال في ورطة حقيقية، وها إنهم ينسحبون ليلا بينما قذائف
المقاومة تطاردهم كما اعترف بذلك جيش الاحتلال، بحسب ما نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت".
خرجت غزة وحماس والمقاومة من المواجهة ويدها هي العليا، بينما يبحث الطرف الصهيوني عن مبررات للانسحاب عبر القول إنهم حققوا الأهداف المرجوة، وللعلم فحكاية الأنفاق التي يضعونها في صلب الموقف لم تكن ضمن الأهداف في البداية، بل كانت الصواريخ هي الهدف، وحين عجزوا عن الوصول إلى منصات إطلاقها، وتقدموا لضربها، فاجأتهم أنفاق الموت التي كبدتهم أفدح الخسائر وزرعت الموت في طريقهم؛ من أمامهم ومن خلفهم، فصارت هي الهدف الجديد.
اليوم يخرجون وسط "بروباغندا" تقول إنهم دمروا 31 نفقا، لكنهم ليسوا متأكدين أنها جميع الأنفاق كما اعترفوا. والحال أنهم خرجوا لأنهم لم يعودوا قادرين على التوغل أكثر من ذلك خشية المزيد من الخسائر بعدما اعترفوا بقتل 64 جنديا (تقول المقاومة إن الرقم هو الضعف).
تراجع النظام المصري عن شروطه الأصلية التي تنص على قبول حماس بالمبادرة، وهو تراجع لم يكن ليتم لولا وجود ضوء أخضر من نتنياهو، وهذه الهدنة الأخيرة أيضا هي جزء من ترتيب الأجواء لهدنة شاملة تنهي الحرب، طبعا بعد أن وصل العدوان نهايته وعجز الصهاينة عن تحقيق شي يذكر من دون خسائر باهظة لا يتحملها المجتمع الصهيوني.
من الصعب الحديث الآن عن صيغة الاتفاق النهائي الذي سيتم التوصل إليه، لكن ما نحن متأكدون منه هو أن المقاومة لن تساوم على سلاحها بأي حال من الأحوال، والأوهام التي تلبست البعض حول هذا الأمر ستنتهي إلى لا شي، أما الشروط الأخرى، فقد يتحقق بعضها وقد لا يتحقق البعض الآخر، لكن المؤكد أن التراجع كان من نصيب العدو وحلفائه.
هي ملحمة عز وبطولة وكرامة سطرها الرجال وشعبهم الذي احتضنهم وتحمل التضحيات معهم. صحيح أن هناك الكثير من الضحايا، لكن الشهداء من المقاتلين لم يكونوا قلة أيضا، وقد التحم الجميع في صناعة هذه الملحمة التي أعادت فلسطين إلى صدارة المشهد الدولي، وأعادت للمقاومة بهاءها، ولغزة وفلسطين روعتها، وللأمة كرامتها وثقتها بنفسها.
لا حدود لروعة هذه المعركة، ولا حدود لانكسار العدو فيها، إذ كانت خسارته واضحة على الصعيد العسكري، وعلى الصعيد الإعلامي حيث أصبح كيانا وحشيا قاتلا في نظر العالم أجمع، وإذا كان من مكسب يمكن أن يسجله لنفسه، فهو هذه الحالة العربية البائسة التي التحمت معه، والتي يعوِّل عليها في المستقبل، لكن تعويله أيضا سينتهي إلى لاشيء لأن الأمة لن تسكت على بيع قضيتها في سوق النخاسة السياسية بأي حال.