في 28 من أغسطس الحالي، ستنتهي ولاية
عبدالله غول كرئيس للجمهورية التركية وستنتهي معه 7 سنوات أمضاها في هذا المنصب وأثبت خلالها أنّه رجل دولة بامتياز، رجل من الطراز الرفيع والنادر يتحلى باللباقة والدبلوماسيّة والثقافة العالية والحنكة في التعامل مع الأمور بهدوء ورويّة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بعد 28 أغسطس، ما هو مصير غول؟ وما هو دوره في المرحلة المقبلة؟ وهل سيعود الى الحزب الذي أسّسه والى المعادلات السياسية الحزبيّة؟ ام ماذا؟
بعد الانتخابات المحلّية التي جرت في آذار الماضي، صرّح عبدالله غول أنّه في صدد التباحث مع اردوغان حول الخطوات المقبلة، إذ كان لدى عبدالله غول حينها العديد من الخيارات ومنها اعادة ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، أو تبادل الأدوار مع
أردوغان، أو المجيء كرئيس لحزب
العدالة والتنمية.
وقد كانت المعارضة حينها تتمنى (لأغراضها الخاصة) أن يعيد غول ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية مقابل أردوغان خاصّة انّ استطلاعات الرأي التي أجريت عام 2012 أشارت الى أنّه سيحظى بدعم أوسع من أردوغان، لكنّ غول تفادى هذا الخيار على اعتبار أنّه سينقل المعركة الى البيت الداخلي، كما انّه صرّح خلال زيارته الى الكويت في نيسان هذا العام أنّ سيناريو تبادل الأدوار أو كما يسميه البعض (بوتين-ميدفيديف) لا يصلح لتركيا ولا له أيضا، وأنّه ليس لديه أية خطط مستقبليّة للعمل السياسي ضمن هذه الظروف، وهو التصريح الذي فهمه كثيرون على أنّه إعتزال للسياسة.
بعد يوم واحد فقط من الانتخابات الرئاسية التي جرت في 10 أغسطس، أطلق عبدالله غول مؤشرات مختلفة، فقد صرّح أنّه سيعود الى حزبه الذي أسّسه، وعلى الرغم من تصريحات أردوغان المرحّبة شكليا بعودته "عودته الى حزبه وحزبنا أمر طبيعي"، الا أنّ الامتعاض عمليا من هذه العودة كان واضحا جدا لدى أردوغان وأنصاره، فعدا عن كون ردوغان لم يذكر غول حتى بكلمة واحدة في خطابه الذي ألقاه عند فوز بانتخابات رئاسة الجمورية، خرج حسين تشيليك المتحدث باسم الحزب ليعلن بعد ساعة واحدة فقط من تصريح غول أنّ الحزب سيعقد مؤتمرا استثنائيا في 27 أغسطس (اي قبل يوم واحد فقط من نهاية ولاية غول) يتم فيه تعيين رئيس الحزب رسميا، كما خرج آخرون ليؤكدوا أن رئيس الحزب ورئيس الحكومة المقبلة سيكونان شخصا واحدا لا شخصين، وأنّ الحكومة لن تكون مؤقتة، وأنّه ليس هناك لفضل من أحد على حزب العدالة فجميع المنجزات هي منجزات أردوغان فقط!
لقد فُهِم من كل ذلك أن الهدف هو تحييد غول نهائيا، فانعقاد المؤتمر في ذلك التاريخ يمنعه من الترشح لرئاسة الحزب، كما انّ التأكيد على أنّ منصبي رئيس الحزب ورئيس الحكومة سيشغلهما شخص واحد وأنّ الحكومة لن تكون مؤقتة هو دليل اضافي على أنّ غول شخص غير مرغوب فيه كرئيس للحكومة ايضا حتى بعد الانتخابات النيابية القادمة، وذلك لقطع الطريق نهائيا امام اي أمل بعودته.
بعد ذلك تولّت عدّة وسائل اعلامية مقرّبة من الحكومة التشهير بعبدالله غول، لقد كان ذلك تصرفا غير لائق على الاطلاق، ولا يليق ايضا برئيس من هذا الطراز، والمشكلة ان هؤلاء حديثي العهد بالسياسة وبحزب العدالة والتنمية، لا يعرفون فضله وقدره في تأسيس الحزب، ولا في ارساء أسس السياسة الخارجية الحديثة لتركيا عندما كان وزيرا للخارجية ولا المخاطرات التي قام بها عند انشاء الحزب.
لكن زوجة الرئيس عبدالله غول رفضت أن تسكت وقررت قبل عدّة ايام أن تكسر الصمت وتكشف عن حجم الضرر الذي لحق بعبدالله غول جراء هذه الهجمة المظنّمة عليه، وقد قالت: "هل يعتقدون بأننا لا نعلم شيئا، لا نرى شيئا، نحن على علم بكل شيئ، لقد تعرّض غول للكثير من قلّة الاحترام ولكنه لا يقول شيئا لانه انسان مؤدّب"، مضيفة ان ما تعرّضت له هي وزوجها لم تشهد مثله حتى في حقبة عام 1997 حين كان الحجاب مشكلة.
المقصود من هذا الاستشهاد مدى صعوبة خيار عبدالله غول في العودة الى حزب العدالة والتنمية، فالحزب الذي اسسه مع ثلاثة من رفاقه ( أردوغان، وعبدالله شنر الذي خرج من الحزب عام 2007، وبولنت أرينج الذي بقي مشاكسا لكنّه لم يستطع تجاوز أردوغان) بدأ يتغيّر الآن وسيشهد على الارجح في الفترة الممتدة من أيلول القادم وحتى تموز 2015 تغييرات أكبر قد تنهي شكل الحزب الذي عرفناه عند تأسيسه. اذ سيحتل المقربون من أردوغان مناصب أعلى وسيصار الى امداج الجيل الجديد بشكل كبير في الحزب، هذا الجيل لم يعرف عبدالله غول و لم يخبره او يحتك معه، وانما هو جاء نتيجة علاقة نفعية مع أردوغان والمقربين منه، خاصّة أنّه وبحلول الانتخابات المقبلة فان حوالي 71 عضوا من أعضاء الحزب المثلين في البرلمان لن يكون باستطاعتهم التقدّم لمنصبهم من جديد، بهذا المعنى فان الحزب سيصبح حزب أردوغان حتى بعد استقالة الاخير وانتقاله الى قصر الرئاسة،
امام هذا الواقع، فان خيرات غول تبدو صعبة للغاية اذا أراد العودة الى الساحة السياسيّة من جديد، ومنها:
1) الانتظار حتى الانتخابات المقبلة (يوليو من العام 2015 اذا لم يتم تقديمها)، فقد يعدل القائمون على الحزب عن رأيهم في الابقاء على رئيس الحكومة خاصة اذا تعرّض الحزب لانتكاسة في هذه الانتخابات البرلمانية نتيجة ارتباط شريحة مهمّة من المصوّتين للحزب بشخص أردوغان، وقد يكون غول بما لديه من رصيد سياسي وشعبي حاضرا لانتشال الحزب من جديد والعودة به بقوّة الى الساحة السياسية.
2) الانخراط في الحزب ومحاولة تشكيل أقطاب داخلية فيه توازن الأقطاب التي وضعها أردوغان وذلك في محاولة للعودة بالحزب الى سياساته القديمة التي عرف بها عند نشأته، لكنّ ذلك سيكون صعبا للغاية كما سبق وشرحنا، اذ قد ينتهي الامر بغول وحيدا وبين مجموعة من الدخلاء على الحزب أو الجدد المرتبطين أيديولوجيا ومصلحيا بغيره.
3) الانتظار حتى عام 2019، في محاولة لاعادة توجيه دفّة الحزب من جديد في الاتجاه الصحيح، لكنّ ذلك يستلزم وقتا طويلا قد يكون من الصعب فيه لسياسي ما مجرّد الانتظار دون أي تحرّكات عملية طوال تلك الفترة.
4) انشاء حزب جديد، قوامه الخارجين من حزب العدالة والتنمية واولئك الذين يودون الانضمام اليه ايضا من داخل حزب العدالة و التنمية ، والعمل على خوض الانتخابات القادمة فيه. لكنّ هذا الخيار سيؤدي الى تصدّع حزب العدالة والتنمية لان جزء من ناخبي الحزب الجديد قد يتم أخذهم من قاعدة حزب العدالة والتنمية وهذا يعني ربما الذهاب في حكومة ائتلافية اذا لم ينجح حزب العدالة والتنمية في حصد المقاعد الكافية كما يعني نهاية لمشروع اردوغان في تحويل النظام السياسي التركي الى نظام رئاسي. لكن المشكلة الأخرى التي ستواجه غول في هذا السيناريو هو عامل الوقت، وهذا يعني انّ امام غول فترة قصيرة للتفكير بهذا الخيار، وقد يضطر للانتظار ايضا حتى انتخابات عام 2019.
5) التقاعد عن العمل السياسي ومتابعة الاحداث من منزله عبر شاشة التلفاز، وهو أمر يرى البعض أنّه من الصعب تصوّره في شخص مثل عبدالله غول، لكن للسياسة احكامها وخيارات غول صعبة كما تبدو الآن.