"كيف ظهر تنظيم الدولة؟ وما الذي جعله يتصرف كمنظمة ذات قيادة وتحكم وقاعدة لوجيستية؟ وكيف استطاع السيطرة على مناطق استراتيجية في قلب الشرق الأوسط؟ ومن أين جاءت البنية الدعائية التي تُظهر يوميا إنجازاته عبر ميديا التواصل الاجتماعي؟"، تساؤلات طرحها المساعد الخاص السابق للولايات المتحدة الأمريكية في
العراق، علي خضيري.
ويقول الخضيري في مقاله الذي نشرته الغارديان، السبت: "قبل 3 أعوام لم يوجد
داعش ولكنه الآن يسيطر على مساحات واسعة من
سوريا والعراق. وقبل البحث عن الطريقة التي تجب مواجهته، على قادة العالم فهم الظروف التي ولد فيها".
ويضيف أن "تنظيم داعش هو نتاج الإبادة المستمرة في سوريا بدون توقف، والتي وقف العالم متفرجا عليها، وهو الابن غير الشرعي الذي ولد من خلال الكراهية والخوف اللذين أديا لمقتل 200.000 سوري وتشريد ملايين الذين فقدوا الحلم والأمل، وصعوده هو تذكير بالكيفية التي اعتنق فيها بشار الأسد الميكافيلية التي عادت أشباحها لتلاحقه".
ويؤكد مدير شركة "دراغومان وشركاؤه" للاستشارة الاستراتيجية أنه "بمواجهة جيش الأسد وأجهزته الأمنية وحزب الله والميليشيات الشيعية ورعاتهم الكبار- إيران والحرس الثوري الإيراني- بدأ المتظاهرون السوريون بطريقة سلمية أولا، ثم شعروا بالخيبة والإحباط وبعد ذلك أصبحوا أكثر تشددا ومن ثم عنفا".
ويقول الخضيري والذي شغل منصب مستشار قائد القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط: "استخدم المحور الشيعي السلاح الكيماوي، القصف المدفعي، والبراميل المتفجرة، من أجل الحفاظ على هلالهم -محورهم ونفوذهم- وبالمقابل بحث الثوار السنة العرب عن الدعم الدولي وعندما فشلوا عقدوا اتفاقا مع الشيطان، القاعدة".
ويضيف: "بجيشها الرابط الجأش المكون من جنود دوليين، استطاعت القاعدة مرة أخرى بناء موطئ قدم لها في قلب الشرق الأوسط، وهو ما دفع لتدفق الشباب من كل أنحاء العالم الذين جاؤوا يملؤهم الغضب والحقد بسبب ما رأوه من صور جثث الأطفال المشوهة والنساء اللاتي يعانين من أثر الأسلحة الكيماوية، وهو ما أدى لانزلاق الحرب لعنف أكثر".
هذا في سوريا، أما في الجارة العراق، يقول الخضيري، فقد "شن نوري المالكي حملته الطائفية لتعزيز سلطته، حانثا بالوعود التي قطعها لشركائه السياسيين للتشارك بالسلطة. وبعد أيام من استقباله في البيت الأبيض ومديح باراك أوباما لقيادته، عاد المالكي لبغداد لتدبير عملية اعتقال لمنافسه السني الرئيسي، نائب الرئيس طارق الهاشمي".
و"بدعم إيراني ودبابات همفي وأم 1 إي 1 الأمريكية الصنع، حاصرت قوات المالكي الهاشميَ الذي هرب إلى كردستان، وتم اعتقال عدد من حراسه بتهم الإرهاب، وتوفي واحد منهم على الأقل تحت التعذيب".
ويلفت الكاتب إلى قضية رافع العيساوي، وهو مسؤول سني بارز آخر، ووزير مالية في حكومة العراق، حين وجد بيته محاصرا من دبابات المالكي الأمريكية الصنع، "وهرب ملتجئا لقبيلته في الأنبار وتم شطبه من معادلة السياسة في العراق".
ويضيف: "في ظل حالة من الاضطرابات، صوتت المجالس في المناطق السنية العربية للحكم الذاتي مثل جيرانهم في منطقة كردستان، لكن المالكي وقف أمام تطبيق النتائج مستندا على حيلة بيروقراطية وبخرق واضح للدستور".
و"اندلعت التظاهرات والعصيان المدني في أرجاء المحافظات السنية، بعد اكتشاف ملايين من العراقيين مرة أخرى أن لا حظ لديهم للنجاح، ولكن الفشل".
ويكتب الخضيري عن رد المالكي على كل هذا، حيث زعم اختراق تنظيم القاعدة لمعسكرات الاعتصام، و"قام (المالكي) بسحقها مستخدما قوة فتاكة. وقتل العشرات في عملية اقتحام القوات العراقية على معسكر الحويجة في نيسان/ إبريل 2013، هو ما أشعل التوتر الطائفي المتصاعد أصلا".
ويواصل الخضيري متحدثا عن الدعم الإيراني لسوريا وتواطؤ المالكي مع نظامها قائلا: "رغم المناشدات من أعلى المستويات في واشنظن، لم تفعل حكومة المالكي أي شيء لمنع طائرات الحرس الثوري رحلاتها لتزويد نظام الأسد بآلالاف الأطنان من المعدات العسكرية والذخائر".
ويكشف الكاتب "أن الحكومة العراقية غضت الطرف -بل ودعمت تكتيكيا- إرسال آلالاف المقاتلين الشيعة للمشاركة في "الحرب المقدسة" التي خرجت عن السيطرة بين السنة والشيعة في سوريا".
"فقد تبنى المالكي وبحرارة ميليشيات مثل قوات بدر وعصائب الحق وكتائب اليوم الموعود، وقائد قوات بدر، هادي العامري وزيرا للنقل".
ويرى الكاتب أن "الساخر في الأمر هي الطريقة التي دخلت القاعدة فيها للعراق والتي تمت بمساعدة من الأسد، فمن عام 2005 حتى نهاية الاحتلال الأمريكي للعراق، حاول نظام الأسد وداعموه الإيرانيون هزيمة الأمريكيين من خلال تمويل وتسليح ناشطي القاعدة داخل سوريا ومن ثم إرسالهم عبر الحدود للعراق لإثارة الفوضى والدمار".
وردت القوات الأمريكية بتحذير الأسد، بحسب الخضيري، "فقد قام الجنرال ديفيد بترايوس والقيادة الأمريكية البارزة بتحذير الأسد، وأنه يقوم بإشعال نار حرب ستطال بيته لاحقا وتحرقه بالكامل، ولكن دمشق لم تتحرك لوقف تدفق المقاتلين والتي بلغت ذروتها بشل حكومة المالكي في اليوم الذي تم فيه تفجير وزارتي الخارجية والمالية، وقام المالكي بشجب واضح لحليف المستقبل في دمشق على هذا الهجوم".
و"عليه فالحرب التي اندلعت في سوريا انتقلت للعراق، والعكس صحيح، وتعرضت قبائل إقليمية قوية مثل شمر وعنيزة لاضطهاد مستمر لأفرادها في كلا البلدين، مما اضطرها للتعاون مع الضباط السابقين في الجيشين العراقي والسوري، وتحالفت مع الجهاديين من داعش كقوات صاعقة في المقدمة، وتدفق المال من المتعاطفين معهم من دول المنطقة"، يقول الكاتب.
وانتهى الأمر إلى "سقوط المحافظات السنية الأربع في مدى أيام، وانهيار فرق عراقية بالكامل وتبخرت، والسيطرة على معدات عسكرية أمريكية تقدر قيمتها بملايين الدولارات الأمريكية". "وأصبح العراق وسوريا حاضنتين للجهاد الدولي والكراهية الدينية التي تغذت بالحروب التي تجري على أرضهما بالوكالة بين السنة والشيعة".
وهنا يذكر الكاتب قادة العالم وهم يحضرون لحملة عسكرية لمواجهة داعش، أن "عليهم تذكر دروس الحرب الأمريكية المكلفة والعبثية في كل من العراق وأفغانستان وفيتنام. ويجب عليهم فهم أن قوة ضخمة من القوات العسكرية الأجنبية لن تصحح أخطاء سوء الإدارة والفساد وما فعلته الحكومات الفاشلة في دمشق وبغداد وكابول وسايغون. وعلى القادة عدم الاستماع للنصائح التي تدعو للتعاون مع الأسد إلا إذا كانوا يرغبون بإشعال حرب مقدسة في المنطقة، فهو المسؤول عن صعود داعش".
وفي النهاية يدعو الكاتب القادة "عوضا عن ذلك تبني دورس الصحوات العراقية، وهي أن السنة في سوريا والعراق هم وحدهم من يستطيع هزيمة الكيانات الراديكالية السنية مثل داعش. وبالمثل عليهم معرفة أن الملالي في إيران هم وحدهم من يستطيع قمع الكيانات الشيعية المتطرفة مثل حزب الله اللبناني وأجهزة الأسد الأمنية والميليشيات الشيعية العراقية".