على مدار أربع سنوات، شهدت الدول العربية انتشارا لتغيرات سياسية عصفت بالوضع الراهن، وأثرت على الدول والأنظمة، وعلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فيها، كما تغيرت التوازنات والتحالفات الإقليمية وبرز لاعبون جدد في المنطقة.
ولطالما اتخذت
الثورات والصراعات السياسية العربية في العصر الحديث، تحرير
فلسطين شعارا لها ومدخلا لشرعيتها، بات الفلسطينيون اليوم في حيرة مما يجري حولهم، وقلق غير مباشر أصبح يساور الشارع الفلسطيني، وانعكست هذه التغيرات الإقليمية على توجهات الخطاب الإعلامي الفلسطيني وظهر ذلك جليا في العدوان
الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، والحديث عن محاور تركيا وقطر والإمارات والسعودية ومصر وإيران.
وبات السؤال الذي يشغل الفلسطينيين، ما مدى تأثير هذا الصراع في
المشرق العربي على القضية الفلسطينية؟
يرى المحلل السياسي سامر عنبتاوي، أن التغيرات الجارية في الدول العربية تسهل تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية وبالتالي إلى تنازع ديني في المنطقة العربية، مما يؤثر بشكل كبير على القضية الفلسطينية من نواح عدة، أبرزها فقدان فلسطين للحاضنة الإقليمية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ووجود التكتلات الطائفية يجعل المنطقة عرضة للاستباحة من قبل القوات الأجنبية مما يسهل على إسرائيل عمليات القتل والتدمير، بحسب عنبتاوي.
ويضيف لـ"عربي21" أن التحدث عن بؤر طائفية في المنطقة يسهل على إسرائيل المطالبة بالدولة اليهودية كون هذا التقسيم يتجه إلى دولة كردية، دولة سنية، دولة شيعية، وبالتالي من السهل على إسرائيل، وفق تعبيره، المطالبة بالدولة اليهودية، لذلك ما يحصل بالإجمال في المحيط العربي من مخاطر يؤثر على القضية الفلسطينية ويفقدها الاهتمام الدولي.
وأكد عنبتاوي على أهمية مواجهة هذه التحديات بتوحيد الصف الفلسطيني أولا في استعادة الوحدة الوطنية، "حتى نخرج للعالم ببرنامج وطني لتستعيد القضية الفلسطينية موقعها في العالم".
إسرائيليا، يرى العنبتاوي أنها حتى الآن لا تعاني أي ضغط "من قبل المجموعات في المحيط، وهذه المجموعات الآن متفرغة في الداخل وهذا يأخذ سنوات، ولكن إسرائيل ستستغل كل هذه الظروف لأنها تقع ضمن قوى وتحالفات عالمية مشكلة من قبل الولايات المتحدة وبالتالي ستعزز استفرادها بالفلسطينيين وتسوق مجازرها ضمن المجازر الحاصلة في العالم العربي، عندما نتحدث عن اعداد ضخمة من المهاجرين في المنطقة ونتحدث عن عدد من القتلى والمشردين يسهل على إسرائيل تمرير جرائمها ضمن هذا السياق".
ويعتقد أن إسرائيل هي المستفيدة مما يحصل على الأقل في المرحلة الحالية.
وقال: "إسرائيل مستفيدة من إضعاف الدول العربية المحيطة وتفككها وتشتيت الجهد العربي، الجيوش العربية الآن لم تعد كما كانت في السابق تشكل خطرا على إسرائيل، على الأقل كان هناك جيوش عربية في العراق ومصر وسوريا، حتى المقاومة في جنوب لبنان استدرجت للصراعات الموجودة، إذا إسرائيل مستفيدة في تشتيت الجيوش العربية وتدمير وحدة الدول العربية".
وسعت دول الاحتلال إلى استغلال تشابك الأحداث في المنطقة لخدمة اجندتها الدعائية والسياسية؛ ففي خضم العدوان على غزة، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وخلال كلمته في مؤتمر "هرتسليا" إن "حماس" و"داعش" وجهان لعملة واحدة، وان الناس في القطاع وزعوا الحلويات أثناء أحداث 11 أيلول بينما تعاطف الإسرائيليون مع الحدث.
فيما قالت الخارجية الأمريكية حينها، إنها لا تساوي بين حركة حماس وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"؛ وأضافت الخارجية الأمريكية على لسان نائبة المتحدثة بلسانها ماري هارف قائلة: "هذا لا يعني بأن حماس لا تشكل خطراً جدياً فهي تنظيم إرهابي ولكن أهدافها بعيدة تماماً عن أهداف ومستوى وحشية داعش".
واعتبر النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني أحمد عطون، أن هناك صناعة للأحداث في المنطقة وتسليطا للضوء عبر وسائل الإعلام على ملفات بعينها لخلق حالة من التبريرات لضرب المناطق العربية والإسلامية.
ويبين عطون لـ"عربي 21" أن "ظاهرة داعش ليست ظاهرة بريئة بقدر ما قد تكون ظاهرة مبنية على عوامل خارجية، وتم بالأخير استغلالها بشكل غير ايجابي وهي تعبر عن خلق حالة من التطرف في المنطقة العربية والإسلامية".
وأضاف أن "تسليط الضوء على ملفات كثيرة إنما كان لإيجاد تدخلات أمريكية وتخفيف العبء الواقع على الاحتلال الإسرائيلي، وبسبب ذلك تراجعت اولويات الاهتمام بالقضية الفلسطينية".
ودعى النائب إلى "تحقيق مصالحة داخلية لمواجهة التهميش الذي تعانيه القضية الفلسطينية والتحديات الجسام، لأن اختلافنا يكون في خدمة الاحتلال، كما يجب أن نسلط الضوء على خيار المقاومة الذي انتصر في الحرب الأخيرة، ونجح الفلسطينيون خلال ذلك من جذب اهتمامات العالم إلى القضية الفلسطينية والأقصى المبارك".
فيما يرى عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واصل أبو يوسف، أن ما يجري في المنطقة العربية المحيطة "يساهم في زيادة الضغط الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وصرف النظر عن إرهاب الدولة المنظم الذي يمارسه الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني إلى مواضيع أخرى، وبالتالي الخطة الفلسطينية التي يتم بلورتها اليوم لوضع حد لجرائم الاحتلال هي تحميل المجتمع الدولي مسؤولية مضاعفة عما يجري من جرائم، آخرها جريمة اغتيال القواسمي وأبو عيشة في الخليل".
ويلفت أبو يوسف خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "الاحتلال يحاول الاستفادة من وجود جماعات مسلحة في الاقطار العربية من خلال تحويلها إلى فزاعة لصرف الأنظار عن حقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها العودة وتقرير المصير، من خلال تعزيز الاستفراد بالشعب الفلسطيني في ظل الانشغال بهذه التنظيمات".